الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بهاء طاهر: العدالة هى الطريق الوحيد لاستقرار الوطن




كتب – وليد الدراملى

بهاء طاهر فارس من فرسان جيل الستينيات وأديب رسمت أعماله حياة البشر والمجتمع.. الحديث والحوار معه له مذاق وطابع خاص لما يتميز به من تحليل ورؤيا للواقع الأدبى والسياسى والاقتصادى، افتتحت وزارة الثقافة مؤخرا قصر الثقافة الذى يحمل اسمه بمدينة الأقصر -مسقط رأسه- الذى تم بناؤه على قطعة الأرض الوحيدة التى يمتلكها على أمل أن يكون القصر مساهما فى الحياة الثقافية فى المستقبل.

■ فى البداية.. كيف ترى حال مصر فى ظل ما يحدث من إشعال الإخوان للشارع؟

على الجميع أن يعرف أن الشعب المصرى قام بثورة، وأنه لن يعود إلى الخلف، وعلى جماعة الإخوان المسلمين أن تعلم جيدًا أن العبث بمقدارت الوطن أمر فى غاية من الخطورة وسيحرقهم، ولكن لن يحترق، فما زال لا يدركون انهم يتعاملون مع جيل ثائر قضى على دولتهم قبل أن تتمكن فصولها من مفاصل الدولة.

■ كيف إذا فى وجهة نظرك القضاء على العنف الذى أصبح سائدا بين جميع الأطراف؟

مقاطعًا: الكل يرفض العنف بكل أشكاله، سواء كان العنف المادى أو القهر المعنوي، كلاهما نرفضه تمامًا، وهذا يعنى أن هذا الجيل الثائر سيرفض كل محاولات الجماعة كفصيل سياسى يسعى للسيطرة على مفاصل الدولة، وكان يسعى لفرض دستور دولة فاشية، ودولة لا تحترم القانون، ويسعى لفرض دولة الاستبداد الدينى ولكن هذا لن يفلح مع ملايين أصبحت واعية ومدركة وتعرف كيف تحمى وطنها من أى فصيل مهما كان قدراته.

■ وهل ترى أن ما ذكرته يعد سببا فى أن الإخوان فرضوا هذا العنف؟

إن تفشى ظاهرة العنف تعود فى المقام الأول إلى النظام الحاكم.

وحزبه فهم من ينزعون فتيل العنف بسبب قرارتهم التى تتسم بالغباء أحيانا مثلما حدث من مرسى وعشيرته ولعلنا جميعا نتذكر شعاراتهم تحت مرئى ومسمع منه ومن مكتب إرشاده فالعنف يبدأ بلفظة وبكلمة واحدة، وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين هم من فرضوا أولاً مبدأ العنف فى تهديداتهم، فكيف كان سيواجه هذا الجيل الثائر توجيهات تطالب مرسى بالأمر؛ ليأتوا له بالمعارضة فى شيكارة، وآخر يتحدث عن بحور دم، وثالث يتحدث عن دولة البقاء للأقوى، ورابع يحاصر المحكمة الدستورية، وخامس يحاصر مدينة الإنتاج الإعلامي؟ بالتأكيد سيقابلها الجيل الثائر بالعنف المتبادل ولك ان تعلم ان لجوئهم للعنف جاء بديلاً لتجاهل الجميع لهم.

■ لماذا توقف الأديب بهاء طاهر عن الكتابة الروائية؟


لأن الثورة ما زالت مستمرة؛ مشيرًا إلى أن أى عمل أدبى حقيقى لا يخرج إلا بعد انتهاء الثورة وتحقيق مطالبها.

ومتى تنتهى الثورة فى نظرك؟

عندما أرى الوطن أصبح مستقرا والشعب حصل على حقوقه.

■ ولكن هذا ليس فى يوم وليله يحتاج الى شهور أو بينما سنوات؟

الوطن سيتقر عندما يبدأ تطبيق العدالة وتبدأ مطالب الشعب فى التحقق وهنا سيشهد الشارع استقرارا كبيرا لأن ما يثير غضب الناس عدم وجود شفافية إنما لو لمس ان مطالبه فى طريقها إلى التحقق سيصبر وهذه هى طبيعة الشعب المصرى على مر التاريخ صابر مكافح ومقاوم قادر على صون كرامته.

■ كان لك تصريح شهير فى فترة حكم الإخوان وهو أنهم غير قادرين على ترسيخ النظام الديمقراطى كيف قرأت ذلك؟

كل الظواهر كانت تؤكد أنهم لن ينجحوا.. خاصة أن تنظيم الإخوان تنظيم غير ديمقراطي، فكيف يمكن أن يرسخ الديمقراطية وهم فاقدون لها خاصة أننا فى مجتمع شعاره الحرية؟ وعندى يقين أنهم لا يستطيعون ترسيخ الديمقراطية فى المجتمع إلا إذا قاموا بترسيخها داخل تنظيمهم أولا. لأن التنظيم قائم على المبدأ الأوتوقراطى والثيوقراطيا، ومن المستحيل أن يغيروه، فكيف يغيرون تفكيرهم فى التعامل مع المجتمع؟

والتجربة تحكى عن نفسها فلقد رأينا كيف كانوا يؤكدون كثيرًا أن مصر ستكون دولة مدنية ديمقراطية.. ويؤكدون أن الدستور لكل المصريين وفجأة وجدناه سيئا وغير ديمقراطي، وفرض على مصر أنظمة ثيوقراطية، ولولا أن نجحت تمرد فى جمع الشعب المصرى حولها للتصدى لفاشية الإخوان وكانت ثورة 30 يونيو التى أعادت لمصر حريتها لأصبحنا حتى الآن تحت طائلة التنظيم الإخوانى القهرى.

■ ألا تتفق معى فى أن التيار المعارض أو المدنى مفكك الآن، فهل تعتقد أنهم يمكنهم الصمود للوصول إلى التغيير المطلوب؟

نحن لا توجد لدينا معارضة حقيقية فالقوى المدنية والسياسية وجبهة الإنقاذ أصبحت لا تمثل الدفاع الحقيقى عن الشعب فالعمل السياسى بالنسبة لها تحول إلى برامج توك شو يظهر فيها هؤلاء السياسيون للكلام لا للأفعال فلا يتوجد لديهم التحام مع الشارع وهى فجوة خطيرة يخترقها الإخوان ويستغلونها لصالحهم.

■ فما علاج ذلك؟

يمكن إجابة ذلك بجملة رائعة كتبها الكواكبى فى كتاب «طبائع الاستبداد»، قال فيها إنه “,”بالضغط والتضييق تلتحم الأجزاء المبعثرة، والغمة تلد الهمة“,”.. هذا هو الأمل فى المستقبل؛ لأننا نواجه غمة فظيعة، وندعو الله أن تولد الهمة.

■ فى رأيك لماذا تفزع الثقافة المصرية من الحكم الديني؟

إذا نظرنا إلى أفعالهم وإلى مواقفهم من حرية الرأى وحرية الإبداع، أو مواقفهم من المرأة والأطفال، فسنعلم لماذا هذا الموروث الثقافى الخاص برهبة الحكم الديني، فكل هذه المواقف ترعب الناس.

■ هل تحتاج الثقافة إلى توحد أعضائها مثلما حدث فى اعتصامهم الشهير ضد الوزير الإخوانى آنذاك؟

ما سأقوله ربما يغضب البعض لأننى أرى إنه لا يوجد توحد بين المثقفين مثلما كان فى الاعتصام من أجل حماية الإبداع ؤللاسف بحكم تجربتى مع كثير من المثقفين أو ممن يدعو على مدار عشرات السنين أقول إن كثيرا من المثقفين يسعون لمصالح شخصية على حساب الثقافة وهذا أمر فى غاية الخطورة لأنه يهدد مستقبل الثقافة فى مصر التى أصبحت على حافة الهاوية.

■ كمبدع.. كيف يمكنك أن تواجه الزحف الإخواني، خاصة بعد تقسيم مصر بين ما هو إسلامى وما هو غير إسلامى؟

فى الحقيقة الإبداع يمر بأسوأ عصوره؛ فهو متهم فى كل شيء، وما كان له من سلطة مجتمعية لم تعد متوافرة أو موجودة، بل على العكس تمامًا أصبح الإبداع متهمًا ومدانًا.

■ هل تعتقد أن دعوة عدد من القوى التابعة للإخوان لغلق المسارح والسينما وقضايا النشر تقلِّص من دور المثقفين وتحاول تدميرهم؟

هذه هى الحلقة الأخيرة، فالتدمير مستمر منذ السبعينيات، ثم إن المثقفين دُمِّروا بالفعل. فلقد عشت مصر وهى تحارب الإنجليز، وعشتها وهى تحارب الإسرائيليين، وحتى وهى تحارب ظلم مبارك، طوال عمرها كانت كتلة واحدة، ولم أرها منقسمة سوى فى عهد الإخوان، إنما قبل ذلك كانت تتحدث بصوت واحد، وتحارب فى معاركها ككتلة واحدة، وهذا الانقسام لم يحدث إلا بفضل الإخوان المسلمين.

■ هل هذا الانقسام نتاج تدخل الجماعة فى شئون مصر أم ماذا ؟

توليهم الحكم هو الذى أفسد مصر وقسّمها؛ فالإخوان المسلمون موجودون منذ أن نشأت الجماعة، ولم يحدث انقسام للوطن، ولكن بعد أن وصلوا إلى الحكم حدث الإنقسام، فالحقيقة أن الإخوان المسلمين فصيل وطنى مصري، وبينهم الكثير جدًّا من المخلصين الذين يحاولون أن يطبقوا أفكارهم كنوع من خدمة الوطن، لكن المشكلة الحقيقية فى القيادة وليست فى القواعد.

■ كيف يمكننا الخروج من الأزمة الحالية؟

البلد فى حاجة ماسة من الخروج من النفق الضبابى هذا وهذا لن يكون إلا بحكم قوى ولا أرى أفضل من السيسى للخروج بالبلاد من تلك المرحله وإن كان هو عازف عن الترشح إلا اننى أراه قائدا بحق على الأقل فى ذلك الوقت خاصة أننا نرى ضعف الحكومة وفشل إدارتها لكثير من الأزمات.

■ ألا تخشى اتهامك بأنك تؤيد ما يصفه البعض بـ«الانقلاب» وأنك من «عبيد البيادة»؟

ضاحكا أنا فى مصلحة بلدى أتحمل أى إهانة من قلة لا تعى ولا تدرك خطورة المرحله وكثيرا ما تعرضت لذلك بسبب آرائى هذه ولكن أرمى وراء ظهرى أى هراء.

الجميع يكره الحكم الدينى ويهاجم الإخوان المسلمين فهل تعتقد أن الاستفتاء سيأتى بـ«نعم»!!

عادة نتيجة الاستفتاء تكون معلومة وقت تقديمه، ومحسومة بأن الصندوق سيخرج بـ«نعم»، ولم يحدث فى تاريخ مصر -أو فى تاريخ العالم الثالث كله- أن يقدم استفتاء من الحكومة ويرفضه الناس، فمجرد تقديمه للاستفتاء معناه أن الشعب وافق عليه؛ لأن هذه ثقافة “,”التخلف“,” التى تجعل الناس تتبنى فكرة أن ما تريده الحكومة سيتحقق سواء قبله الشعب أو رفضه!! وبالتالى يقول «نعم» تجاوزًا التاريخ والاستفتاءات الـ17 تؤكد أن النتيجة دائمًا بـ«نعم».

هذا لا يحدث فى مصر فقط، بل فى العالم الثالث كله؛ لأن الاستفتاء له شروط لا توجد فى مصر والعالم الثالث.. لقد عشتُ فى سويسرا لأكثر من 20 عامًا، وهى دولة تعيش على الاستفتاءات، ولكن استفتاءاتها لها شروط لكى تكون وسيلة ديمقراطية، أولها أن توجد أحزاب قوية، وكل حزب يبين رأيه فى الأمور المقدمة للاستفتاء، الشرط الثانى: أنه يجب أن يحدث حوار مجتمعى لفترة طويلة، والشرط الثالث -والذى كانت تقوم به الحكومة السويسرية بنفسها- هو عرض كامل للشعب عن مزايا وعيوب الاستفتاء، وما يمكن أن يؤدى إليه من تغيرات فى نظام البلد، وفى النهاية تترك الناس للاختيار، ولا أعتقد أن الديمقراطية تحتاج لأكثر من ذلك.

■ ما تعلقيك على ما يقوم به أعضاء القواعد الإخوانية الآن؟

ما هم سوى مجموعة من البشر مؤمنة بمبدأ، ويسعون لتحقيقه، ويخيل إليهم أن هذا المبدأ هو أفضل شيء، لكن القيادات لا أحد يعلم ماذا يوجد فى عقولهم، لا أنا ولا المصريون، ولا حتى القواعد تعرف ماذا يوجد فى عقولهم، فهم يتصرفون كجماعة سرية، ولا يفهم لهم أحد شيئًا، لكننا ننظر إلى نتائج عملهم فنجدها كوارث ومن ضمن هذه الكوارث انقسام مصر كارثة على رأس الكوارث التى أصابت مصر بسبب الإخوان المسلمين؛ لأنه لم يحدث فى التاريخ أن انقسمت مصر كما يحدث اليوم، حتى إن توفيق الحكيم كان يقول: «الكل فى واحد»، بمعنى أن كل المصريين يتصرفون ككتلة واحدة، وكأن كل واحد منهم هو المجموع، وكأن المجموع هو الواحد، أما ما يحدث اليوم فهو اقتتال المصريين بعضهم بعضًا؛ الأمر الذى وصل إلى انقسام الأخ عن أخيه فى الأسرة الواحدة، وهذا كله بفضل الإخوان المسلمين.

■ هناك من يقول أن غباء مبارك فى التعامل مع ثورة 25 يناير سبب سقوطه، وأن غباء مرسى فى التوافق بين الجماعة والشعب سببًا أيضا فى سقوطه؟

بالفعل فغباء الاثنان هو السبب فيما حدث لهما لأنه هو الذى صمم على التوريث رغم كراهية الناس لهذا الأمر، فكان هذا هو المعول الرئيسى الذى قضى على نظامه، ومرسى رفض أن يكون رئيسا لكل المصريين فرفضه الشعب.

■ وهل يمكن أن تتقبل حضارة سبعة آلاف سنة هذا الفكر المتشدد؟

رغم أننى دارس للتاريخ، لكنى لا أتقبل فكرة حضارة سبعة آلاف سنة؛ لأننا حضارة حية ولسنا حضارة مندثرة أو ميتة، وبالطبع.. لن يتقبل المصريون أى فكر متشدد والنهاية معلومة، وهى أن المصريين سيرفضونه وسيقاتلونه كما قاتل النظام البوليسى من قبل.

■ كيف قرأت دعوة عصام العريان أثناء حكم الإخوان لعودة اليهود إلى مصر؟

هذا جزء من مخطط سيطرة صهيونية - أمريكية على مصر، وكان جزءا من ترسيخ التبعية المصرية للسياسة الرأسمالية الأمريكية، فهم يريدون أن تدخل مصر فى شبكة تضم إسرائيل وأمريكا، وتضم كل الكيان الرأسمالى الموجود فى العالم، وتحويل مصر إلى ترس فى الآلة الرأسمالية، وليس تصريح عصام العريان بعيدًا عن ذلك، إنما هو جزء منه.

■ بصفتك عاصرت صِدام الإخوان المسلمين مع جمال عبدالناصر سنة 54.. هل تعتقد أن الإخوان يتبعون نفس الأخطاء الآن؟


بالفعل فدائمًا جماعة الإخوان المسلمين تتعجل جنى الثمار، ففى ثورة 23 يوليو خيل إليهم أن الدنيا دنت لهم، وبالتالى يحق لهم الحصاد، فتعجلوه، وهذا لا يصلح، وأعتقد أن عمر التلمسانى كان أذكى قيادات الإخوان المسلمين؛ لأنه كان يأخذ الأمور بهدوء وروية ولم يتعجل قطف الثمار، لكن كل القيادات الأخرى تعجلت قطف الثمار، وهذا كان سببًا فى فشلهم فى الأربعينيات، عندما دخلوا فى صدام مع الدولة مع النقراشى ومع النظام الملكي، وسبب فشلهم فى صدامهم مع جمال عبدالناصر؛ لذلك أقول إن عمر التلمسانى كان من الذكاء بحيث إنه قرر عدم الدخول فى صدام مع أنور السادات، وقرر أن يدخل بالطرق السياسية وعندما تولوا الحكم تعجلوا أيضا فى السيطرة على متاريس الحكم وهذا كان سببا فى فشلهم وسقوطهم.

■ الإبداع دائمًا ما يرصد الحالة الثورية.. فلماذا لم نر لك عملاً إبداعيًّا يؤرخ لثورة الشباب حتى الآن؟

لأن الثورة مستمرة ولم تحقق أهدافها حتى الآن، وأى عمل إبداعى حقيقى لا يخرج إلا بعد انتهاء الثورة وتحقيق مطالبها؛ فالمبدع يتوقف عن الكتابة ويتأمل الأوضاع، أما إذا كتب شيئًا فلن يكون إبداعًا، ولكنه سيكون عملاً مشوَّهًا وموجَّهًا تجاه طرف بعينه، وأنا أعتقد أن ما يقوم به شباب المبدعين الآن عبارة عن سلسلة مذكرات يمكنها أن تؤرخ للثورة بشكل أدبي.

■ هل تحتاج وزارة الثقافة للعمل أكثر من أجل الحفاظ على حرية الإبداع؟

الثقافة تقدم أفضل ما لديها فى ظل الإمكانيات والظروف المحيطة ودور الوزارة دور كبير وضخم يحتاج إلى مجهود جبار من أجل النهوض بالثقافة بشرط أن يتوحد المثقفين على قلب رجل واحد.