الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«سيارات الإسعاف» فى حاجة إلى «إسعاف»




تحقيق – دنيا نصر وهاجر كمال
 
كل يوم تقريبا.. نسمع صوتها قادما من بعيد.. علامة على تنبيه السيارات أمامها لإفساح الطريق لها.. فندرك منذ الوهلة الأولى، أنها سيارة الإسعاف، التى نشاهدها بشكل متكرر على جميع الطرق، فيسرع البعض بتقديم المساعدة وإفساح الطريق من جانبه قدر المستطاع، اعتقادا منهم أنهم ينقذون حياة إنسان لا حول له ولا قوة فى هذه اللحظات.. بينما يستغلها الكثيرون دون أدنى شعور من إنسانية أو رحمة للمرور بجانبها أو هروبا من الزحام الخانق.
تعنى كلمة «الإسعاف» الحركة أو السير إلى تقديم الرعاية الطبية العاجلة فى وقت مبكر، والكلمة تعنى فى الأصل «مستشفى متحرك».. هدفها الأول المحافظة على الحياة وإبعاد المريض عن مصدر الأذى أو مكان الحادث ونقله إلى أقرب مستشفى.. ولكن السؤال هنا: هل تؤدى سيارة الإسعاف وظيفتها بالشكل المطلوب؟! سؤال توجهنا به إلى المواطنين الذين تعاملوا بشكل مباشر مع سيارات الإسعاف حال مرضهم وقت الحاجة للمساعدة الفورية. 
فى البداية.. تؤكد «ايمان السيد» تكرار تعاملها مع سيارات الإسعاف على مدار سنتين ونصف السنة، وذلك لظروف مرض زوجها التى تستدعى فى كل مرة نقله من خلال سيارات الإسعاف، مع أنها فى كل مرة تستنجد بالإسعاف تواجه معاناة شديدة فى الوصول للسيارة بدءا بالروتين منذ لحظة الاتصال وإعطاء البيانات، التى تضطر إلى تكرارها أكثر من مرة لمدة نصف ساعة أو أكثر، من سبب مقنع، وانتهاء بوصول سيارة الإسعاف بعد ساعتين الاتصال المتواصل والمتكرر أملا منها فى أن يسرعوا بالوصول إليها، وبناء على تجربتها مع سيارة الإسعاف، تناشد إيمان وزيرة الصحة ـ الدكتورة مها الرباط ـ ضرورة التدخل واتخاذ الاجراءات اللازمة لضمان ‏وصول سيارة الاسعاف فى الوقت المناسب، حتى لا يواجه غيرها ‏مصير زوجها نفسه.
فيما يقول «السيد منتصر»: إن استجابة سيارات الإسعاف كانت أسرع قبل الثورة، ويرجع ذلك لتعاون الناس ورجال المرور مع هذه السيارات، التى كانت تأتى فى وقت أسرع، وهو ما لاحظه عند مرض والدته، على العكس مما يحدث الآن من تأخر شديد، واختفاء روح تعاون من قبل المواطنين، بل كثرة المعوقات فى وقت الازدحام، الذى ربما يعود إلى عدم التواجد الأمنى وكذلك الاضطرابات التى نشهدها. 
على الجانب الآخر.. يؤكد «هانى» ـ رجل إسعاف ـ أن مهنته تسهم فى خدمة المجتمع وإنقاذ المصابين، وينفى الاتهام الموجه إليهم بالبطء او التباطؤ فى الاستجابة للحالات الخطرة، ويدعو باقى أفراد المجتمع للتعاون وتقدير الدور الذى يؤديه هو وزملاؤه سائقو سيارات الإسعاف، كما يطالب ببناء مركز مخصص للاستجابة وتخصيص مسارات ومداخل ومخارج بالشوارع لسيارات الإسعاف تفاديا للازدحام والتأخير.
بينما يشير محمد سويسى ـ رجل إسعاف ـ إلى أن مهنة سائق الإسعاف تستدعى منهم السرعة والاهتمام وعدم الإهمال للوصول إلى الحالة بأسرع وقت ممكن، مؤكدا أن ما يؤدى الى تعطيل سيارة الاسعاف وتأخيرها عن الحالة هو أزمة المرور التى تشهدها الشوارع المصرية والمحافظات وإشارات المرور، التى التى تفرض عليهم الانتظار منعا للازدحام والاختناق، مضيفا ان رجال الاسعاف دائما فى خدمة ورعاية المرضى، الذين ينقلونهم إلى المستشفيات، وفى رأيه أنه لا يوجد تأخير أو إهمال أو تقصير  من قبل سيارات الاسعاف والعاملين عليها.
لكنه عاد ليؤكد أن أبرز المشكلات والمصاعب التى تواجه رجال الإسعاف، أنه عند وجود حالات خطرة لا يجد المساعدة من باقى السيارات فى الشارع، بل تكثر الاعاقة من السائقين الذين يعترضون طريق سيارة الإسعاف، ولا يفسحون لها المجال، ما يدل على عدم تقديرهم لخطورة الحالة بل وفقدان صفة الرحمة، ويدعو الجميع للتعاون مع الإسعاف وتقدير الدور العظيم الذى تؤديه سيارات الإسعاف فى خدمة المجتمع وإنقاذ الأرواح ونقل الحالات المصابة للمستشفى فى أقل وقت ممكن، مع ضرورة اتخاذ الحيطة والحذر فى ظل وجود حالات داخلها، ويشير الى ان الأغلبية من اهالى المرضى يفتقرون إلى ثقافة الاسعاف، ويشعرون أن المسعف ما هو ‏إلا خادم ومن حقهم أن يطلبوا منه ما يشاءون، ولا يعاملونه المعاملة التى تليق به وبمهمته.
من جانبها.. طالبت «الدكتورة سونيا محبوب» ـ إخصائية طوارئ ـ بالمزيد من الاهتمام بعملية الربط بين فرق الإسعاف وغرف الطوارئ، لمتابعة أكبر للحالات الطبية، مؤكدة أن منظومة الإسعاف متكاملة ولا ينقصها إلا بعض الخطوات الإيجابية، أهمها تفعيل طرق الاتصال بينها وبين المستشفيات. 
ويشير «سيد ربيع» ـ مساعد إخصائى خدمات اسعافية ـ إلى أن هناك مشكلتين أساسيتين تتسببان فى تأخر وصول سيارات الإسعاف للمصاب، الأولى تبدأ عند دخول سيارة الاسعاف للمستشفى، إذ ترفض الإدارة والفريق الطبى بأكمله خروجها إلا بعد إجراء جميع الفحوصات والأشاعات والتحاليل الطبية اللازمة للمريض، التى تستغرق10 ساعات فأكثر، فالمستشفى يتسبب فى حجز سيارة الاسعاف وتأخيرها، خصوصا اذا استدعى الأمر نقل المصاب الى مستشفى آخر، وقد يصل الأمر إلى أن نقضى يوما كاملا فى بلاغ واحد، بل إلى يومين أو36 ساعة داخل مستشفى واحد، أما المشكلة الثانية، فهى زيادة خدمات النقل على سيارات الاسعاف، فمرضى الكلى على سبيل المثال لا يحتاجون لعربات طوارئ، بل يحتاجون سيارات غير مجهزة، وهى السيارات ذات اللونين الأبيض والأحمر، أما السيارات الجديدة البرتقالي، فهى خاصة بالحالات الحرجة، فإذا تم تشغيلها لذلك فقط، ستكفى المواطنين المرضى وحالات الطوارئ والحوادث.
وأضاف: إننا فى حالة تأخرنا على المصاب أو المريض، نتعرض للإهانة والسباب وأحيانا التعدى بالضرب أو تكسير السيارة، رغم أن معظمنا ذوو تعليم جامعى ومتدربون على يد فريق ألمانى على أعلى مستوى، ودائما نخضع لدورات تنشيطية كل 6 أشهر.
أخيرًا.. يؤكد «الدكتور عمرو رشيد» مدير عام الإسعاف والأزمات بهيئة الاسعاف المصرية، أن من الاسباب الرئيسية فى تأخر سيارة الاسعاف، المعاكسات اليومية التى تتلقاها غرفة العمليات المركزية على رقم123، فإذا تم ‏استقبال1000 بلاغ يومى حقيقي، فإننا نتلقى بالمقابل 2000 بلاغ غير حقيقي، مؤكدا أنه خلال الفترة الماضية زادت مكالمات ‏البلاغات الحقيقية إلي4000، وزادت معها المعاكسات لتصل إلي70 الف بلاغ كاذب، ويتم حاليا الاتفاق مع شبكات ‏المحمول وإخطارها بتلك الارقام، حتى يتم حرق كروت الموبايل الخاصة بهم، فيما لا نملك القدرة على فعل ذلك مع الخطوط ‏الأرضية‎.‎
ويرى رشيد أن هناك عدة عوائق تعرقل عمل سيارات الاسعاف، وتعطى المواطن صورة سلبية عنها بأن المسعفين لا يخافون ‏على حياة المرضى، أهمها الحركة المرورية، فزحام المرور وتكدس السيارات فى الشوارع يعطلان سيارة الإسعاف، ما ‏يؤدى الى صعوبة الوصول للمريض وتلبية خدماته ، بالإضافة الى ارتفاع عدد حوادث الطرق خاصة بعد ثورة 25 يناير، ‏نتيجة للانفلات الأمني، ففى عامي2011 و2012 وصل عدد حالات الوفاة التى نقلتها سيارات الإسعاف الي10 آلاف حالة، ‏وهناك مشكلة أخري.. هى التعامل السيئ مع القائمين على الاسعاف والتعدى عليهم فى حالة تأخرهم لأسباب ليس لهم ‏دخل فيها‎.‎