الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«ودن قطة» "2" إهانة جواز السفر




المحور الأساسي في فيلم أحمد حلمي (عسل إسود)، هو موضوع (المواطنة).. وقدرة حامل الجنسية المصرية علي أن ينال حقوقه في بلده.. باعتباره مصريا.. ليس فقط من النظام الذي يدير البلد.. ولكن بالأساس من المجتمع.. الذي لا يحترم أبناءه.. في مختلف التعاملات.. ومن ثم، فإن الفيلم يناقش الحالة المزدوجة للبطل (مصري).. فهو يلقي معاملة حين يظهر جوازه المصري.. ويلقي معاملة أخري تماما حين يكون في يده جواز سفره الأمريكي.

والمعني المباشر هو أن المصري غريب في بلده، ليس فقط رسميا.. ولكن أيضا من خلال مواطنيه أنفسهم.. وحتي وهم يعاملون الأجنبي باحترام لا يتوافر للمصري.. فإن هذا لا ينطوي علي احترام بقدر ما هو يشير إلي الرغبة في اصطياد هذا الأجنبي.. السائح باعتباره فريسة.. ولعل تلك واحدة من أهم معضلات المجتمع في تعامله مع أحد أهم روافده الاقتصادية ومورده الأبرز من السياحة.

لكن أخطر ما قدمه الفيلم، بعيد تصعيد درامي متتال، وحين يدرك البطل (مصري) أنه لا مفر لإنقاذه مما يواجه سوي أن يشهر في وجه المجتمع جنسيته الأخري.. الأمريكية.. هو أنه أهان جواز السفر المصري بأن ألقي به من نافذة الجناح الذي كان يقيم فيه في فندق (سوفيتيل)، هذه سقطة حقيقية ضد معاني الوطنية التي حاول أن يرسخها الفيلم فيما بعد.. وهي غير مقبولة.. وكان يمكن للسيناريو أن يجد عشرين حلاً بديلاً غير هذا لكي يدفع الأحداث في اتجاه المقارنة مع تحول طريقة المعاملة حين يستخدم البطل جواز سفره الأمريكي.

اعتقادي أن الفيلم أدرك هذه المشكلة، وأنه في النصف التالي منه كان يحاول عديدا من المرات أن يطلب من المشاهد غفران ذنب هذه الإهانة، بدءاً من ارتدائه خاتماً يحمل علم مصر، وصولاً إلي إصدار جواز سفر مصري جديد له.. فيقبله ويحتضنه.. باعتباره منقذه في أزمته بعد أن ضاع منه جواز سفره الأمريكي.

قد ينزعج المنتمون لجهاز الشرطة لأن الفيلم أدان موظفاً مرتشيا في مصلحة الأحوال المدنية، ولكن الفيلم نفسه قدم نموذجا مختلفاً لطريقة التعامل في مصلحة الجوازات.. وقد ينزعج بعض المصريين لأن الفيلم أظهر أن في مصر روتيناً غليظاً يقهر المصريين.. ولكن الفيلم أيضا قدم موظفاً مصرياً في السفارة الأمريكية يتعامل بنفس الغلظة حتي لو كان ذلك ملفوفاً في سولفان براق.. وموظفة أمريكية لا تتفاهم ولا تناقش وترفض منح التأشيرة بكل عنت.. وسفارة أمريكية تعامل ذوي الأصول العربية علي خلفية أحداث سبتمبر حتي لو كانوا مواطنين يحملون الجنسية الأمريكية.

وفي الوقت ذاته الذي يمكن أن يعطي الفيلم رسالة تقول إن المواطن الأمريكي يحظي باحترام رسمي في مصر أكثر من المصري، فإنه يقول إن هذا الاحترام الرسمي لا يحمي صاحبه من كراهية الناس.. إذ دهست (مصري) مظاهرة غاضبة من الولايات المتحدة.. لأن من شاركوا فيها عرفوا أنه أمريكي.. فصبوا غيظهم من السياسات الأمريكية فيه وعليه.

بالإجمال هذا فيلم أراد أن يواجه المجتمع بما فيه، حتي وإن عبُئ قليلا ببعض مما يرد في صحف المعارضة ضد إدارة البلد، لكن موضوعه الأساسي هو أن المصري كشخصية لديه عيوب جمة.. لابد عليه أن يتوقف ليناقشها.. سواء كانت الفهلوة وادعاء القدرة.. أو عدم المكاشفة.. أو التطرف.. أو الاحتيال.. أو الجهل الذي يفاخر بذاته كما لو أنه علم.. أو غير ذلك كثير.. وفي المقابل فإنه دعا المصري إلي أن يتمسك بمجموعة من القدرات التي يتميز بها عن غيره.. ومنها البساطة.. والتراحم.. والعراقة.. القناعة.. والترابط العائلي.. وغير ذلك أيضا.

وقد تكون مشكلته الجوهرية (الفيلم) أنه امتلأ بالكثير من الأمور.. رغبة من صناعه في أن يقولوا كل شيء.. فتبعثرت الأشياء من الناحية الفنية.. وأفلتت الخيوط حينا من الناحية الدرامية.. لكن هذا لا ينفي أنه ناقش مسائل جوهرية ببساطة وعمق.

وبغض النظر عن ختامه المريع والملفق.. فإن الفيلم رفض نماذج مصرية شابة مهاجرة أو في طريقها إلي الهجرة.. تجسدت في شخصية المصري العائد علي نفس الطائرة مع مصري من الولايات المتحدة وإليها.. أو المصري الذي يشق طريقه لأول مرة نحوها.. كلاهما لا يكن مشاعر طيبة لبلده.. ويزيحهما (البطل - مصري) بيديه خارج المشهد.. وأعتقد أن هذا كان يمكن أن يكون ختاما لائقا للفيلم.. بدلا من مشهد إعادة الطائرة الفظيع!

وأكمل غداً..
الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net
البريد الالكتروني   :  [email protected]