الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«ودن قطة» "3" حجاب عبير




إحدي أهم رسائل فيلم أحمد حلمي (عسل إسود) تتعلق بالحجاب كظاهرة اجتماعية، لا دينية، رسالة انشغل بها الفيلم حقًا.. دون أن يعلن ذلك.. ودون أن يصارح المشاهد بهذا.. وبطريقة جريئة يحسد عليها الفيلم وبطله ومؤلفه ومخرجه.

إن عبير، طفلة مصرية عادية في حدود تسع سنوات، تنطق في الفيلم مرتين فقط، مرة حين تحضر طبقًا عامرًا بقطايف رمضان إلي الأسرة التي استضافت البطل (مصري)، ردًا لطبق سابق كانت قد أرسلته الأسرة التي يعيش لديها (مصري) إلي أسرة عبير.. ومرة حين ذهبت لكي تشتري من بائع الفول عشرة أرغفة.. وبخلاف ذلك تأتي سيرتها في الفيلم مرة أو مرتين حين تطلب أمها من سعيد (إدوارد) أن يوصلها معه إلي المدرسة علي (الفيسبا) التي ورثها عن أبيه.

وعلي الرغم من كونها طفلة، لا تثير ولا تستثير أحدًا فإن عبير ترتدي الحجاب، لكنها في أحد أهم مشاهد الفيلم التي ليست لها علاقة مباشرة بمسار الأحداث.. تذهب إلي بائع الفول لتشتري منه عشرة أرغفة.. فيتشاغل البائع عن أن يعد لها الأرغفة.. ويطلب من الزبون الواقف لكي يتناول الفول علي العربة في الشارع (مصري ـ بطل الفيلم) أن يساعدها في عد الأرغفة العشرة.. فيفعل.. لكنه يحار.. أين يمكن أن تحمل عبير هذا الكم من الخبز.. ويسألها: «أليس معك ما يمكن أن تحملي فيه العيش؟».. وما يكون من عبير إلا أن تخلع حجابها الأبيض.. كاشفة عن شعرها.. لكي تلف فيه الأرغفة.

ينتهي الأمر عند هذا الحد.. ولكن الرسالة لا يمكن أن تمر.. وهي أن الطفلة ترتدي الحجاب لأي سبب آخر غير ما يتحدث عنه المطالبون به والذين يفرضونه قسرًا علي الزهرة التي تتم تغطية أوراقها في هذا العمر.. بدون مبرر ديني حقيقي.. ويمضي الفيلم دون أن يتوقف أكثر.. لكنه مس قضية في غاية الخطورة وهي (حجاب الأطفال).

في مشهد آخر، لمن ربما يكون قد شاهد الفيلم.. يحول (مصري) الحجاب إلي مادة للسخرية المريعة دون أن يقترب من أي معني ديني.. فهو نفسه اضطر بسبب ضغوط زوج الابنة الكبري للأسرة التي تستضيفه.. إلي أن يضع علي جسمه العاري حجابًا.. حتي لا يظهر عاري الصدر في البيت.. وتنهمر النكات.. فالزوج يحيي البطل (مصري) علي هذا الذي قام به.. أي أنه تحجب.. ويقول له: (لابد أن يكون حجابك عن اقتناع.. لا تلبسه يومين وينتهي الأمر).. وفي لحظة تالية يقوم (مصري) بفعل أمر ما.. فتنكشف بطنه.. رغم أنه يرتدي الحجاب.. وهو أمر عميق الدلالة.. يمتد أثره من المعاني التي تتعلق بحجاب المرأة وصولاً حتي إلي الخوف من جسم الرجل.

إن (مصري) باعتباره راصدًا غريبًا مغتربًا لما جري في مصر من متغيرات يتوقف من خلال سيناريو واع، رغم هفواته، أمام خوف المجتمع من أجسام أعضائه.. وتوجسه الجنسي الشهواني من كل شيء.. يريد أن يكتم أي مثير.. رغم أن هذا المجتمع نفسه واقع تحت ضغط الشهوة المكبوتة.. بل تحركها مثيرات تافهة.. مثل ذلك الزوج الذي لا يتمكن من معاشرة زوجته.. فيجد نفسه واقفًا ليتابعها من بعيد وهي تمسح البلاط.

هذا المجتمع ينزعج جدًا حين يري (مصري) عاري الصدر.. أو يرتدي (شورت)، بالنسبة للأولي فإن كل من في البيت.. ربما يعني هذا مصر كلها.. يطلبون من البطل أن يستر نفسه.. ليس لأن هذا مثير.. وإنما رضوخ لمسحة التطرف التي يتميز بها الزوج (منصف).. وحتي حين تراه الفتاة الصغري في البيت بهذه الصورة فإنها تفزع.. وبالنسبة للثانية فإن ضابط الشرطة الذي ضبط (مصري) أثناء التصوير بدون تصريح إنما وجد أن (الشورت) ليس زيًا مناسبًا لمواطن يقول إن جنسيته مصرية.. في حين أن نفس الشاب كان قبل دقائق في جامع عمرو بن العاص يلتقط عدة صور.. ولم يندهش المصلون من ذلك.

ولابد أن للأمر علاقة بموضوع آخر تطرق له الشريط السينمائي، وهو القيود التي يفرضها المجتمع علي عواطفه، فهو لا يعبر عنها ويبقيها حبيسة، تطارده كما لو أنها شبح، سواء كان هذا يتعلق بزوج لا يجد شقة لكي يعاشر زوجته، أو حتي يخص شابًا اسمه (سعيد) لا يصارح من يحبها بحبه لأنها أكملت تعليمها الجامعي في حين أنه تعلم فقط في معهد (سنتين).. هذه ضغوط معنوية ونفسية يضعها المجتمع علي نفسه.. لأسباب مختلفة.. وتسبب له مشكلات حقيقية.

إن تلك هي بعض الموضوعات المهمة التي يطرحها الفيلم الثري.. والرسالة هنا لابد أن تكون قد حظيت بمصداقية لأنها جاءت ضمن فيلم لأحمد حلمي المعروف عنه أنه لا يقدم في أفلامه ما يناقض أخلاقيات الأسر المتوسطة.. فلا قبلات ولا مشاهد ساخنة.. مهما كانت العواطف حادة وصاخبة.
الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net
البريد الالكتروني   : [email protected]