الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الحكم التاريخي الذي صدر ضدي




بغض النظر عن أن هذا الحكم القضائي يثير علامات استفهام متعددة، إلا أنني لا بد أن أقدر قاضي الدائرة رقم 18 تعويضات جنوب القاهرة، إذ منحني أسبقية تاريخية حين قضي علي بأن أدفع أكبر تعويض في تاريخ الأحكام ضد الصحفيين في مصر قاطبة.. منذ نشأت الصحافة إلي الآن.. فلم يسبق أن قضي علي أحد بهذا الحكم أبداً.. تعويض بربع مليون جنيه.

«هكذا خبط لزق».. ومن المدهش انه لو قضي القدر علي شخص بأن يقتل عابر طريق خطأ بسيارته.. فإن القضاء يحكم لأهل المتوفي بتعويض يتراوح مابين خمسين ألفاً ومائة ألف جنيه. ولست من هذا الفريق الذي يمكن أن يتاجر بتلك الأمور.. لن أقف في طابور النحيب.. ولن أقيم للحكم حائط مبكي.. مع كامل الاحترام للزملاء.. ولن أتسول مشاعر قرائي، وأقول إنني أعاني من مهنتي وقولي الرأي الذي أومن به.. هذا ليس من خصائصي.. وعفواً للكلام بتلك اللغة الشخصية.. فقد قلت ما أنا مقتنع به.. ومن حق أي أحد أن ينقضه بالرأي.. أو باللجوء للقضاء.. إن كان يعتقد أنه يسيء له.. تلك قواعد اللعبة.. وهذا مضمون القانون.. وفي عمق تلك القواعد أن هذا الحكم ابتدائي من حقي أنا أيضا أن أستأنفه.. وأن أنقضه.

لقد اعتبرت شيرين وجدي أن وصفي لها بأنها «ربع مشهورة» إهانة.. واعتبرت أن كلمات مثل «ليس عليك أن تكرري أغنية علياء التونسية: ماتقولش إيه أديتنا مصر.. وقول هندي إيه لمصر».. وإنما أن تغني «قول هنهرب بإيه من مصر».. اعتبرت هذا سباً وقذفاً، علي اعتبار أن زوجها ليس هارباً خارج مصر.. وطلبت من القاضي عشرة ملايين جنيه تعويضاً.. فحكم لها بأكبر تعويض في تاريخ الصحافة المصرية.. ربع مليون جنيه.. وهذا حقها.. وهذا حق سيادة القاضي.. وحقي أنا كذلك أن أستأنف الحكم.. ويوجب علي القانون ألا أبدي دهشتي منه.

ولكن ليس من الدهشة أن أتساءل علي أي أساس تم تقدير المبلغ.. إذا سلمت بأنه بحق سيادة القاضي في أن يحكم لها بتعويض.. هل مثلاً أضيرت بما يساوي المبلغ.. هل اطلع علي آخر أجر لها عن شريط كاسيت.. هل اطلع علي تكاليف الأغنية التي انتقدتها.. هل وجد أن دخلها المالي قد تقهقر بقيمة التعويض المطلوب.. هل كتب أحدهم عنها أي خبر منذ أصدرت تلك الأغنية التي انتقدتها سوي أخبار تقول إنها رفعت قضية ضدي.. هل أعارها أحدهم اهتماماً بمقال نقدي؟ لن أطلب من نقابة الصحفيين أن تساندني.. فقد تسيس مجلسها وفيه من يريد ألا يراني علي وجه الأرض حياً، وليس فقط أن يحكم علي بالتعويض.. ولن أصرخ وأشكو إلي المنظمات الدولية.. فهي تساند فقط من يرتبطون بأجندتها.. ولن ألجأ إلي برامج التليفزيون.. فهي مستعدة لأن تتشفي.. وتتعامل مع حرية الرأي بالقطعة.. فالقنوات الخاصة لها شلتها.. والقنوات العامة لديها موقف بتعليمات وزارية.. حيث لم أظهر فيها منذ سنة علي الأقل.. إلا مرة واحدة.. ولن أتسول مقالات المساندة.. من كتاب يتعاملون بطريقة «شيلني وأشيلك».. علي الأقل أنا أدفع ثمن موقف.. مقتنع به.. ليس وراءه غرض.. وليس من خلفه طرف.. ولا أريد أن أزيد حتي لا تصيب كلماتي زملاء من أي نوع.

أنا أعرف أنني أدفع ثمن مواقفي، وأن الإرهاب الفكري والعقلي لم يعد له سقف، وأن الحرية في عرف بعض من يدعون الإيمان بحرية الرأي تنتهي عندما تكون تخصهم وحدهم، لن أتاجر بالقضايا التي تزدحم بها الإدارة القانونية في «روزاليوسف».. فهذه إحدي وسائل الضغط علي مواقفنا ونحن نعرف مبرراتها.. لكنها لن تغير من منهجنا.. ولن تبدل من طريقتنا.. وهذا مبدأنا.. دون تسول أو تباكٍ أو استعطاف.. هؤلاء الذين يقاضوننا الآن هم أنفسهم الذين كتبوا أننا جريدة تعود مرتجعاتها بأكثر مما وزعت.. ولست أدري كيف يمكن أن نكون بهذا الضعف ثم يمارسون علينا تلك الحملة.

لقد حكم علي قاضٍ آخر بأن أدفع مائة ألف جنيه لملياردير ادعي أنه حقق خسائر من انتقادي له دون أن يجتهد في أن يثبت للمحكمة أنه خسر مليماً واحداً بسبب مقالاتي، وقد عرض علي أحد من يمثلونه أن أتصالح معه عبر زميل.. ورد الزميل عني بما يعرف أنه موقفي الثابت.. وقلت إن طريقي هو الاستئناف.. وثقتي في قضاء مصر ليس لها سقف.

لا أريد أن أكون شهيداً.. الاستشهاد لن يفيد موقفي.. ولن يخدم مبدئي.. الذي أنا مصر عليه.. وأنا علي استعداد لأن أناضل من أجل رأيي بكل السبل.. وربما تكون تلك هي مشكلتهم معي.. أنني لا أسكت.. وأنه ليس علي رأسي بطحة.. وأن ذمتي لا يمكن الطعن فيها.. ولو وجد أي من خصومي ثغرة في سياقي لكانوا قد فتحوا إليها جسوراً.. وأطلقوا منها حروباً.. وشنوا منها غزوات.. لكنهم لأسفهم لا يجدون إلي ذلك سبيلاً.. والحمد لله علي راحة الضمير.

أفهم جيداً تعرضي لحملة تصفيات سياسية، علي المستويات التالية: نقابياً، صحفياً، تليفزيونياً، إلكترونيا، وباستخدام الحق في التقاضي.. ويمكنني أن أذكر الأدلة الكاملة.. والوثائق المختلفة.. وبما في ذلك أن صحيفة إلكترونية منتشرة نشرت عنوان بيتي، كما لو أنها تدل من يختلفون في الرأي معي عليه.. لعل متطرفاً يذهب إلي هناك ليلقي طوبة.. أو يفعل أي شيء آخر.. ولن أقوي علي رد هذا العنف المحرض عليه.. إذ ليست لدي حراسة ولا أريدها.. كما لا يمكنني دخلي من تغيير بيتي.. لكن هذا الفعل العلني والمتعمد جري من صحيفة مشاركة في حملة ضدي.. بالاتفاق مع جماعات مال وسياسة.. والله خير حافظاً.

إن رسالتي الأخيرة هنا هي أنني لن أتراجع عن مواقفي، مع إدراكي الكامل أن كل سطر أكتبه يسبب مشكلة لفريق مصالح معقد الأهداف.. ومع إيماني أنني أواجه خطراً أشرس من الملاحقة التي يمكن أن يدعيها أي أحد من أنه يتعرض لها من أي سلطة، فإن لدي السلطات قدراً من العقل في خصومتها.. أما أصحاب المصالح المالية والسياسية والتليفزيونية والأجنبية.. فهؤلاء تجاوزوا حدود التطرف الديني في إرهابهم.
الموقع الالكتروني :   www.abkamal.net
البريد الالكتروني   :  [email protected]