الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إسبانيا هي البرازيل




إذا انتهت المتعة انتهت الحياة. ولو كان علينا أن نؤدي كل شيء بطريقة آلية فإن علينا أن نبتلع الأقراص بدلا من أن نأكل.. وأن نلعب كرة القدم علي شاشة الكمبيوتر.. أو نمارس «البيبي فوت» بدلا من أن نذهب إلي الملاعب الخضراء.

هذه هي رسالة إسبانيا الرائعة إلي محبي كرة القدم. وهي تناقض ما كتبت عنه من قبل تحت عنوان «نظرية دونجا السياسية».. وقد أيدت دونجا في توجهه.. وقلت إن معه حقًا.. طالما أنه لا يوجد في فريق البرازيل «بيليه» أو حتي «دونجا نفسه».. لأن العالم تغير وموازين القوي الكروية تبدلت.. والجميع يريد أن يهزم البرازيل ولا يجد في ذلك أي مانع.. إلي أن هُزمت وخرجت.

أيدت نظرية «دونجا».. لكن «دونجا» الذي كان يواجه لوم المستمتعين بكرة البرازيل كان هو أحد أسباب الفشل.. لأنه لم يكمل في النظرية التي وضعها.. في حين أن إسبانيا حققت نظرية «المتعة والفوز» معا.. ولهذا أسبابه.

إسبانيا، للمفارقة، حققت الفوز بطريقة كان يلعب بها فريق البرازيل تحت قيادة «دونجا» اللاعب - الكابتن في عام 1994، وليس كما فعل المدرب دونجا في 2010 وقتها قبل 16 عاما كان فريق البرازيل يلعب بطريقة الاستحواذ الممتد.. يستخلص الكرة عن طريق لاعب الارتكاز المبدع دونجا.. بأي طريقة.. ثم يسيطر علي الكرة ولا يتركها.. إلي أن تنتهي الهجمة بهدف.. أو غير ذلك.

الإسبان في 2010 طبقوا طريقة «الاستحواذ المتجبر».. التي تؤدي إلي إحباط الخصم.. لأنه لا يجد كرة يلعب بها.. الكرة مع المنافس.. وللأسف لم يطبق دونجا هذه الطريقة.. وقد يكون معه حق.. لأنه لا يملك لاعبين لديهم نفس القدرة والطاقة.. فأي فريق يختار الطريقة التي تناسب الامكانيات التي لديه. إسبانيا لديها الآن هذه الامكانيات.. والأهم أنها ليس لديها تاريخ يجعل الخصوم يحاولون بأي شكل أن يلاحقوها.

البرازيل، تاريخها يطاردها، وربما خنقها، الجميع يريد أن يهزمها، الفوز عليها في حد ذاته إنجاز تاريخي ولو لم تفز بكأس العالم.. ولهذا قلت إن دونجا عليه أن يفوز وليس عليه أن يُمتع.. لو تفرغ للمتعة فسوف يهزم.. وقد حقق الخسارتين.. لم يفز ولم يمتع.. وهذا ليس عيبا في النظرية التي اتبعها ووصلت به إلي دور الثمانية بمجموعة من اللاعبين غير المميزين.. ولكنه عيب في طريقة الأداء وتنفيذ النظرية.

المجتمع الذي يطبق نظرية حرية السوق ولا يحقق الرفاه لا يكون دليلا علي أن النظرية فاشلة ولكن علي أن التطبيق لم يكن دقيقًا.. حرية السوق ليست عنوانا في المطلق.. ولكن لها جوانب مختلفة.. تقتضي التوازن الاجتماعي.. والعدالة والشفافية.. ومواجهة الاحتكار.. وإتاحة الفرص.. بغير هذا يكون المجتمع مطبقًا قواعد حرية السوق أقرب إلي غابة.. أو ينهار اقتصاديا.

الفريق الذي يريد أن يفوز دون أن يمتع عليه أن يتمتع باللياقة.. وأن تتوافر لديه حلول المشكلات التي تطرأ في الملعب.. وأن يعامل كل فريق بقدره.. وإلا فإنه سوف ينكشف كما انفضح الفريق الألماني.. الماكينات.. التي ذاق الجمهور طعم خسارتهم من الاسبان كما لو أنهم انقهروا بعشرة اهداف في حين لم يدخل مرماهم سوي هدف واحد.. ببساطة لأن وجبة المتعة الاسبانية كانت دسمة جدا.

الآن، تُري من سوف يفوز في مباراة النهائي: أهي إسبانيا.. أم هولندا؟.. الفريقان لديهما أساليب متقاربة.. لكن إسبانيا أكثر امتاعا.. لديهما نفس القدر من الدوافع.. والفريقان لم يسبق لهما الفوز بكأس العالم ولديهما قدر متقارب من المواهب.. وبالتأكيد كل منهما يريد أن يحذر من جوهر معني المفاجأة التي حققها كلاهما.. فلم يكن الكثيرون يتوقعون أن يكون النهائي بينهما.

شخصيا أتمني فوز إسبانيا. اقرب إلينا. متوسطية. لها تاريخ عربي. ليست عنصرية بقدر هولندا.. وكرويا لأنها بلد «البارسا».. فريق برشلونة الذي صار له عدد مهول من المشجعين حول العالم.. وليس في إسبانيا وحدها.. ولاعبوه يمثلون أغلبية فريق إسبانيا الرائع.

إن إسبانيا هي «البرازيل الجديدة»، فالبرازيل ليس فريقا ولكنه عنوان للمتعة والروعة.. وقد سكنت إسبانيا في هذا العنوان الآن.
الموقع الالكتروني :   www.abkamal.net
البريد الالكتروني   :  [email protected]