الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عزيزي دافع الضرائب




السيد المواطن..

عزيزي دافع الضرائب:

أكتب إليك أنت.. وليس إلي من يتحدثون باسمك.. متمنياً لك صحة طيبة.. ومستهدفاً أن أناقشك في أمر يخص عملي.. باعتباري رئيس تحرير صحيفة قومية.. مملوكة للمجتمع.. يقول بعض الناس إن علي أن أقوم بعدد من الالتزامات فيها في ضوء أنك تدفع لي راتبي.. وإلا فإنني بغير ذلك أكون خالفت عهدي معك.. أو أكون خائناً لواجبات مهمتي.

مبدئياً، تسعدني للغاية نظرتك للصحف القومية علي أنها مطبوعات عامة، الذين يعملون فيها يقومون بمهمتهم من أجل كل الناس، فهذا في حد ذاته يشير بشكل معاكس إلي أنك تعتبر من يعملون في صحف أخري لا يعملون لدي المواطن.. وإنما لدي من يشغلونهم ويدفعون لهم رواتبهم.. من أجل مصالحهم.. إن كانوا أحزاباً أو جماعات أو رجال أعمال أو شركات.. هذا في حد ذاتة يعطي إحساساً بالرقي للصحفيين في المطبوعات القومية مقارنة بزملاء يقبضون أجورهم من أصحاب المصالح.

ومن جانب آخر، فإن تطور نظرتك للصحافة القومية، وفق هذا المفهوم، أي علي أساس أنك دافع ضرائب وأنك تمولها من أجل خدمتك، يضع علي ضمائرنا أعباء إضافية، وعلي مهنيتنا واجبات مخلصة، إذ يعني ذلك أنك تثق فينا أكثر من غيرنا.. حتي لو كانت لديك ملاحظات علي أدائنا.. وكم يلفت نظري أنك حتي الآن تتعامل مع الصحف الخاصة علي أنها مجرد صحف تعبر عن مصالح.. وليست تعبر عنك أو عن مصلحة بلدك أو عن الأهداف العامة.

غير أنه لابد أن نوضح بعض الأمور في إطار التعاقد الذي بيننا وبينك.. والذي وقعه بالنيابة عنك.. وبمقتضي النص الدستوري مجلس الشوري ممثل ملكية المجتمع.

أنت تدرك بالطبع يا عزيزي دافع الضرائب أن الصحافة مهنة رأي.. وهي لا يمكن النظر إليها علي أنها مثل الهيئات الحكومية.. أو المصالح الرسمية.. أو شركات قطاع الأعمال.. وأن الصحفي ليس موظفاً.. وليس معيناً في مرفق إداري.. ومن ثم فإنه يجب احترام رأيه ومواقفه في إطار حرية التعبير التي هي في النهاية حق لكل مواطن بموجب الدستور.. فما بالك بمن يعمل في مهنة أساسها ممارسة حرية الرأي.

بمعني أوضح، فإن كوني أعمل في الصحيفة التي يملكها المجتمع لا يعني أن علي المجتمع أن ينفي عني حقي في إبداء رأيي.. والتعبير عن وجهة نظري.. ولا تنس أنني بدوري دافع ضرائب.

ومن ناحية ثانية أنت تدرك أن كونك تدفع الضرائب التي يأتي منها راتبي لا يعطيك الحق في أن تدير العمل الذي أقوم به.. وإلا فإنه سيكون من حق أي دافع ضرائب ـ بنفس المنطق ـ أن يدير أيضاً عملك.. أو أن يدخل أي دافع ضرائب إلي رئيس أي هيئة عامة ليقول لمن يديرها إن عليه أن يغير سياسته وإنه يري بموجب دفعه للضرائب أن تقوم الهيئة بسياسات مختلفة.. أنت تدرك أن هناك قانوناً وهناك مهام نقوم بها بموجب القانون.. وأن جهات المحاسبة ليست هي المواطنين العابرين في الشارع.

للتوضيح، لا يحق لدافع الضرائب أن يحدد للطيران العام إلي أين يتجه وما الرحلات التي عليه أن يقطعها.. ولا يجوز له أن يدخل إلي غرفة عمليات جراحية في مستشفي عام لكي يقرر للطبيب ما الجراحة التي عليه أن يبدأ بها.. كما أنه لا يمكن لدافع الضرائب أن يقرر أي اتجاه سوف يسلكه القطار.. أو أي طريق سوف تشقه هيئة مختصة.. وإلا فإنها سوف تكون فوضي.. وسيصبح البلد مرتبكاً.. كل دافع ضرائب يريد أن يأخذه في اتجاه يرضيه.. وفي مصر 80 مليون دافع ضريبة.

إن دفع الضريبة هو إسهام منك في الإنفاق العام.. خاصة إذا كنت تدفعه فعلاً.. والقانون والضمير يعطيني الحق في أن أدينك إذا لم تكن تدفع هذه الضريبة.. وكما تعرف أن الكثيرين لا يفعلون.. وليست لدي آلية التحقق مما إذا كنت قد دفعت الضريبة لكي أعطيك الحق بأن تقول لي رأيك في عملي أو لا تقوله.. ولكن عليك أن تنتبه إلي أن هذا الإسهام - إذا دفعته - لا يعني أنك اشتريت كل الهيئات العامة والمصالح الوطنية والصحف القومية.. فلممارسة الحق قانون ينص علي ذلك في كل أمر وكل جهة.

كم كان بودي أن أرضي الـ80 مليون مواطن.. ومقابل كل قرش أقبضه أعطي كلاً منهم ولو سطرا يومياً في الصحيفة التي نصدرها.. لكن هذا ـ كما لا شك تعلم ـ سوف يحول الصحيفة إلي (طبق سلطة).. أو للدقة (طبخة يخني) لن تقبل طعمها ولن تستسيغ مذاقها.. وإنما تتلخص مهمتنا في أن علينا أن نعبر عن المصالح العامة للبلد.. والاهتمامات الرئيسية للوطن. وفي ذلك هناك معانٍ أخري سوف أكمل لك فيها غداً.

تقبل تحياتي.. وإلي اللقاء.
الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net
البريد الالكتروني   :  [email protected]