الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

حوار «الطظ»!




تأخر الأستاذ الزميل سعيد شعيب في توثيق حواره الشهير مع مهدي عاكف المرشد السابق لجماعة الإخوان.. ولكن «كل تأخيرة وفيها خيرة».. وأما التأخيرة فقد طالت منذ نشرت له «روز اليوسف» في 9 أبريل 2006 نصاً حرفياً لحواره الذي قال فيه عاكف «طظ في مصر.. وأبو مصر.. واللي في مصر».. وأما «الخيرة» فلأنه - أي الزميل - صدر له قبل أيام كتاب جيد الإنتاج عن دار «صفصافة» يضم نص الحوار وردود أفعاله بعنوان «حوار الطظ - خطايا الإخوان المسلمين». يسعدني أن لـ «روز اليوسف» في هذا الكتاب إسهاماً كبيراً، فقد تبنت الجريدة.. وكانت في مرحلة صدورها الأولي.. نشر الحوار ودافعت عنه.. وظهرت أنا مع الأستاذ سعيد في التليفزيون «في برنامج تم هدمه عمدًا هو البيت بيتك» نؤكد وجود النص الذي قال فيه المرشد السابق: «الجنسية هي الإسلام.. وياريت مسلمو ماليزيا يحكمونا - الأتراك كانوا دولة خلافة.. وكونها كانت فاسدة لا يعني أنها احتلال».. ناهيك عن شتم المرشد الذي كان للبلد ومن في البلد والذين أتوا بالبلد.

لقد تعمدت صحيفة ناصرية في البداية ألا تنشر نص الحوار كاملاً.. الصحيفة هي «الكرامة».. وذلك لأن حمدين صباحي المسئول عنها والنائب في مجلس الشعب له حسابات تحالفية مع الجماعة المحظورة.. ولأن هناك كثيرين في المعارضة يعتقدون أنه لابد من إخفاء أي سوءات للمعارضة حتي لو كانت ضد البلد وضد المبادئ التي يؤمنون بها.. ما يشكك في مصداقيتهم من الأصل.. ومن المخجل أن عضواً في مجلس نقابة الصحفيين حالياً رعي ابتسار الحوار وحاول إقناع صاحبه بوجوب ذلك.

وللكتاب الذي صدر، والحوار الذي وافقت علي نشره أبعاد مختلفة، لابد من الوقوف عندها بعد ما يزيد علي أربع سنوات من هذه الموقعة الصحفية السياسية.

إنسانيًا، وسياسيًا، استفاد الزميل العزيز سعيد شعيب من اكتشاف أصدقائه ومن يؤيده، باعتباره معارضاً، فالحوار لم يمنع من النشر كاملا فقط في «الكرامة»، ولكنه جلب له الوبال بعد أن نشر في «روز اليوسف».. حتي إنه يقول: إن الحوار كشف لي عن انتشار التكفير الديني والتكفير السياسي.. ويضيف: حين نشرت الحوار كاملاً في جريدة «روز اليوسف» اعتبروني من الأعداء وداسوا بأحذيتهم علي المودة والمحبة والعيش والملح.

صحفيًا، وكما يقول سعيد شعيب في مقدمة كتابه الذي يروي فيه الوقائع بالتفصيل: اشترطت علي رئيس تحرير «روز اليوسف» أن ينشر الحوار كاملا وبما في ذلك ما تضمنه من هجوم علي الرئيس والسلطة وبنفس عناوينه.. وهو لم يحترم الاتفاق فقط بل نفذه بأمانة وصدق وشفافية، رغم أنه يعرف احتمال أن يعاتبه كثيرون علي نشر حوار يتضمن إساءة للرئيس شخصياً.

لقد تضمنت مقدمة الكتاب مديحاً من الزميل في شخصي أشكره عليه ولا يجوز لي إعادة نشره.. ولكنني حين أعود إلي ذلك التاريخ أتذكر أن هذا الذي توقعه سعيد فيما يخص العتاب الذي يمكن أن ألاقيه لم يحدث أصلاً.. وأن أحدا لم يراجعني فيما نشرت.. وأن قرار النشر كان شخصيا وذاتيا في إطار مسئولياتي.. مثل جميع قرارات النشر من صغيرها إلي كبيرها في «روز اليوسف». علي المستوي السياسي، لم يزل الحوار معلقًا في رقبة جماعة الإخوان، حتي إن بذلوا جهدًا في إغماض الأبصار عنه.. وحتي لو كان مهدي عاكف، بكل ما قال في الحوار وغيره قد كشف عن مكنون فكر الجماعة المظلمة الظلامية.. وقد سجلت أكثر من مرة أنه كان ولم يزل واحدا من نقاط الإضاءة إلي ما تمثله الجماعة من خطورة بعد فوز 88 شخصًا منها بعضوية مجلس الشعب في 2005 .. بخلاف التصريح الأشهر للمرشد السابق نفسه بعد ذلك حول استعداده لإرسال عشرة آلاف متطوع للمحاربة إلي جانب حزب الله.. ثم الواقعة المشهورة للاستعراض العسكري لجماعة الإخوان في جامعة الأزهر.. ذلك العمل الشائن الذي كشف عن الهوية الإرهابية للجماعة وإن اضطرتها الظروف لكتمانها.

إن عملية التوثيق التي قام بها سعيد شعيب في كتابه وإن تأخرت إلا أنها تؤكد مجددًا أننا بصدد تهديد نوعي ودائم لمدنية الدولة يتجسد في فكر الجماعة المحظورة.. ومن فيها.. سواء من يؤمنون بأفكارها ويعملون علي نشر التطرف من خلالها.. أو من غرر بهم.. وقد أثبتت مجريات الأحداث فيما بعد أن كل ما جاء في هذا الحوار كان معبرًا عن منهج الجماعة ورؤيتها.

لو كان في هذا البلد إعلام يقظ لوجد كتاب سعيد شعيب ما ينبغي من اهتمام.. لأسباب لا خلاف عليها.. ولو كان الإعلام الخاص علي ما يدعيه من موضوعية لكان قد أحاط هذا الإصدار باهتمام واجب.. لكن ما عاني منه سعيد شعيب في 2006 لم يزل قائمًا.. وما يعاني منه البلد منذ 1928 حين تأسست جماعة الإخوان مازال موجوداً.
 
الموقع الالكتروني :   www.abkamal.net
البريد الالكتروني   :  [email protected]