الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أهلنا من البدو




قد تكون القدرة علي التوقع نعمة.. أشكر الله عليها، وقد تكون نقمة.. غير أني لا أتمني بالطبع أن تزول. مبررات كونها نعمة لا تحتاج شرحاً.. وأما أنها نقمة، فلأنه في بعض الأحيان تتوقع أمراً.. وتشير إليه وتصرخ من أجله.. وتكون المشكلة هي أن الوقت يمر دون أن ينتبه من عليه أن ينتبه.

في عام 2007، كتبت افتتاحية في «روزاليوسف»، حذرت فيها من أن هناك تربصاً واضحاً بسيناء والبدو ومسألة الأمن فيها.. ولا شك أنني لم أكن وحدي في ذلك.. لكنني بنيت توقعي علي اهتمام مفاجئ بموضوع سيناء في (مجموعة الأزمات الدولية).. إذ أصدرت تقريراً وضعت فيه تعبير (مسألة سيناء المصرية).. وغاصت في أمور تتعلق بعدم قدرة البدو علي أن يعبروا عن أنفسهم.. وتهميشهم.. وكلام من هذا النوع.. وقلت إن تقديري هو أن هذا يعني أن هناك ما يمكن تخميره من أجل البدو في سيناء.

ودارت الأيام.. ولكن ليس علي طريقة أم كلثوم، وإنما علي طريقة واضعي نواة الأزمات، وأصبح الموضوع محل نقاش وجدل وأخذ ورد.. بل توتر، وصار الأمر أقرب إلي أن يكون «مشكلة».. بينما كنت أرفض تعبير «مسألة».. وما أضفي علي الموضوع وقوداً ألهبه هو ذلك التوتر المستمر والمستقر علي الحدود.. وبقاء موضوع غزة متفجراً.

لا عيب أبداً في أن نراجع السياسة.. ونعيد تقييم الأداء.. هذه طبائع الأمور.. وأعتي الدول تقوم بذلك حين تري أنها لا تحقق أهدافها.. أو حين تحدث مشكلة.. ولا يوجد هدف اسمه احتواء البدو في سيناء.. ببساطة لأنهم مواطنون ومن أبناء البلد.. ولكن هناك من زرع أسافين بين بعض من أبناء الدولة والدولة.. وبالتأكيد هناك الآن مراجعة عملية.. ومناخ جديد.. وعمق في الرؤية التي تحكم إدارة الموقف.

ألمح تفعيلاً طيبا لإطفاء فتيل لا يجب له أن يشتعل، وأعرف أن الدولة ورئيسها ومؤسساتها السيادية يضعون ذلك نصب أعينهم، ويدركون ضرورات المراجعة.. وهذا أمر بدا واضحاً منذ أصبح مراد موافي محافظاً لشمال سيناء.. وقد كان من قبل خبيراً أمنياً مهماً في هذا الأمر.. وهناك جهات وطنية مختلفة تعمل في هذا السياق.. والأمر يحتاج منا إلي انتباه وتعضيد ولو كان في يدنا أن نساهم بفعل ملموس لفعلنا.

وزارة الداخلية تقوم الآن بتصرفات مثمرة، نحييها علي الأجواء الجديدة التي تعيشها سيناء.. وتنعم فيها القبائل.. بحيث تتاح الفرصة للشيوخ أن يمارسوا دورهم وتترسخ مكانتهم وللأعراف التليدة أن تؤدي دورها، وقد جلس وزير الداخلية مع الشيوخ واستمع إليهم ووفي بما تحدث به معهم.

وزارة البترول أسست شركة جديدة قالت إن نصف العاملين فيها سوف يكونون من أبناء سيناء، وهي خطوة يجب أن تحتذي من الجهات المختلفة.. ولكن ينبغي أن يكون ذلك في إطار خطة مدققة.. وعمل منظم.. يجب أن تمُتدح وزارة البترول لأنها بادرت إليه.

وأعتقد أن وزارة التنمية المحلية ومحافظة شمال سيناء تتجهان إلي خطوات عميقة علي مستويات مختلفة.. وقد انتبهت إلي أن الحزب الوطني يتجه إلي أن يتضمن برنامجه الانتخابي القادم نصوصاً محددة وبرامج بعينها من أجل تنمية سيناء.. وتوفير الفرص الملائمة لمعيشة أهلنا من البدو.. وكما أتيحت فرص التنمية للصعيد الذي لم يزل يحتاج الكثير.. فإن سيناء تحتاج أفقاً متسعاً يضع في اعتباره المعايير الاستراتيجية بكل أبعادها.

مصر بلد مختلف، دولة كبيرة وعريقة، لا يمكن أن تسمح لمثل هذه الأسافين بين البلد وأبنائه أن تأخذ مجالاً، وفيها مسئولون وطنيون لديهم القدرة علي الانتباه إذا ما لاح الخطر.. ليس فقط من أجل درء الخطر.. ولكن أيضا من أجل تلبية احتياجات مختلف أبناء البلد ومنهم أهلنا من البدو.

المهم أن تنتبه الصحافة إلي مساندة هذه التوجهات.. ليس بمدحها.. والثناء عليها.. وإنما بتوفير مناخ لا يتيح العبث.. ويؤدي إلي تعضيد فرص التنمية.. ليس علي الصحافة أن تتعامل مع أمور سيناء وأهلها إلا بعين وطنية.. غير الوطني سوف يبين فوراً في مثل هذه التوقيتات، فالإخلاص بيّن.. وعكسه أيضاً بيّن. 

 الموقع  الإلكترونى :  www.abkamal.net
البريد الإلكترونى :  [email protected]