الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

حكومة تربي الخفيف




تستحق الحكومة منا الشكر.. أخيرًا وبعد كل هذه السنوات من البحث المضني عن معني عبارة (تربي الخفيف).. جاءت وقررت أن تشرح لنا بالطريقة التطبيقية ماذا تعني العبارة.. وما هو مقصدها.

والشكر للحكومة مزدوج.. لأنها لن تقتصر علي الشرح.. وإنما سوف تعطي لنا نموذجًا عمليا.. علينا.. خلاصة المنهج (الإمبريقي).. أي التجريبي.. إذ سوف تجرب في الشعب كيف يمكن أن يعبر الزمن مرة ذهابًا ومرة عودة ثم ذهابًا.. لكي نفهم بدقة.. بعد أن قررت أن تعلق التوقيت الصيفي في شهر رمضان.. علي أن يعود بعده.. من جديد.

ببساطة إذا كنت تصلي المغرب قبل رمضان في الثامنة، فسوف تصليه خلال رمضان في السابعة.. علي أن تعود لتوقيت قريب من الثامنة في العيد.. وإذا كنت تصلي الفجر طوال رمضان في الثالثة والنصف.. فإنك سوف تصليه في حدود الرابعة والنصف في صباح يوم العيد.

لا المواصفات الفسيولوجية للبشر لها قيمة.. ولا الساعة البيولوجية للإنسان لها أي تأثير.. في داخل كل منا توقيت.. سوف تقرر الحكومة أن تضبطه علي هوي مزاجها.. وليس مهمًا أن نرتبك لبضعة أيام.. وليس مهمًا أن نتلخبط.. أو تزعجنا التوقيتات التي تتحرك جيئة وذهابًا ثم عودة.. حتي لو اضطررنا إلي أن نعود للتوقيت الشتوي بعد بضعة أيام من العودة للتوقيت الصيفي بعد رمضان.. وكما تقول الحكمة خالدة الذكر التي يعرفها جميع المصريين: «سلم لي علي المترو».

لقد كتبت في بداية أبريل الماضي تحت عنوان (ساعة زيادة) مطالبًا بأن ننهي هذه المسألة.. ولا نعود إلي موضوع التوقيت الصيفي.. وأنه إذا كان الأمر يحتاج إلي تعديل قانوني فلا يوجد أي مانع.. خصوصًا أن مصر لا تستفيد منه في ضوء أنه لا توجد توقيتات محددة لعمل الأنشطة الاقتصادية.. وأن المحلات والمطاعم لا تغلق عند السادسة.. ما يجعل مسألة توفير الطاقة الكهربائية والاستفادة من ساعة ضوء زيادة لها أهمية.

واستجابت الحكومة.. وقالت إنها تدرس بالفعل إلغاء التوقيت الصيفي.. وشكرناها.. ولكنها بالطبع لم تعدل القانون هذا العام.. ومن ثم طبقته.. إلي أن فوجئت بأن عليها - وفقًا للقانون - أن تعود إلي التوقيت العادي في رمضان ثم إلي التوقيت الصيفي بعد رمضان.. وهذا إن دل علي رغبة الحكومة في أن تكون حريصة علي تطبيق القانون.. فإنه أيضًا يدل علي أن الحكومة حمقاء.. تتعامل مع القانون بمنتهي الغرابة والحرفية.. حتي لو أدي هذا إلي ارتباك 80 مليون مواطن.

إن القانون يوضع من أجل منفعة الناس وتنظيم حياتهم وليس من أجل لخبطة شئونهم، وإذا كان علي الحكومة أن تطبق القانون بهذه الحرفية حرصًا علي الالتزام بالشرعية.. كان حريا بها أن تسأل مثلاً المحكمة الدستورية: هل يمكن أن يكون هناك استثناء هذا العام.. أم أن عليها أن تطلب من الرئيس إصدار قانون بقرار وهو حق دستوري للرئيس.. بحيث يتم تعديل القانون وتنتهي هذه المشكلة؟ مادامت الحكومة لم تنتبه ورمضان جاء فجأة - لم نكن نعرف موعده - ولم يكن معلومًا للحكومة ما هو توقيته.. وإلا لكانت قد تذكرت.. وأخذت بالها.. وذهبت إلي مجلس الشعب بمشروع تعديل بسيط ينهي الأمر.

يا لروعة الحكاية لو نسيت الحكومة موعد رمضان في السنة المقبلة.. ووجدنا أنفسنا في شهر بالتوقيت الصيفي.. وشهر بالتوقيت الشتوي حين يحل شهر الصوم.. وشهرين بالتوقيت الصيفي مرة جديدة.. بقية حساب تطبيق القانون.. وقتها سوف نكون قد تدربنا علي الأمر واستفدنا من خبرة العام الحالي.. وتعلمنا كيف نعبر الزمن ببساطة وسلاسة.. وتجاوزنا متاعب الرفاهية التي نتكلم عنها الآن.

أيها السادة.. أوقفوا هذا العبث.. وعدلوا القانون.. ولينته التوقيت الصيفي بحلول شهر رمضان.. فلا نعود إليه مجددا بعده.. وانشغلوا بما هو أهم بعد إنهاء هذه المشكلة البسيطة.. ولتفوتوا هذه الفرصة لكي تربي الحكومة للشعب الخفيف.. فبإمكانها أن تفعل ذلك في عشرات من الأمور الأخري.. وهي تقوم بذلك فعلاً.
الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net
البريد الالكتروني   : [email protected]