الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ثغرة أمنية!




لكل إنسان مقدار من جهد ومقدار من توفيق. وبعضنا يسمي التوفيق (حظا). ومدينة حظي هي القاهرة. لكن بعض حظي ارتبط بالكويت.. وبعضه الثالث ارتبط ببيروت. ورغم ذلك أخشي الآن السفر إلي عاصمة لبنان.. فقد تقضي علي من أعطته بعض الحظ.

في خريف عام 1998 دعاني الإعلامي الكويتي يوسف الجاسم إلي حلقة من برنامجه (ستة علي ستة).. وكان يقدمه علي قناة أوربيت.. ويسجل في بيروت. وخضت في البرنامج نقاشًا جدليا مع سيف الإسلام حسن البنا.. وبدأ البعض ينتبه إلي مواقفي، المكتوبة من قبل والمستمرة من بعد، ضد جماعة الإخوان.

في هذه السنة، وكانت الزيارة الأولي، قمت بالنشاطين المفضلين لي في أي بلد أزوره لأول مرة.. أجلس في المقاهي وأرود المكتبات وعرفني صديقي الكويتي ماضي الخميس إلي رشا الأمير والدار التي أسستها وقتها (دار الجديد).. واشتريت كتباً كانت تترجم لأول مرة عن الرئيس خاتمي والخاتمية.. وأشهرها مقالاته تحت عنوان (بيم ــ موج).. وتنطق بتعطيش الجيم.. وتعني بالفارسية «موجة الخوف».. وكنت مولعًا بتجديدات الرئيس الإيراني الأسبق إلي أن اندثر للأسف.. وأصبح ذكري.

وعرفت إسهامات محمد نور الدين عن تركيا.. واقتنيت من إصدارات النهار كتابًا مهمًا جدًا عن حزب الله.. مؤلفه ماروني.. وكان عبارة عن بحث اجتماعي سياسي موثق.. يرسم صورة الدولة التي يسعي إلي تأسيسها حزب الله في الجنوب. وقد أخذ أحدهم الكتاب ولم يعد حتي الآن.. ولا أعتقد أنه سوف يعود.. فأنا لا أذكر أصلاً من هو.

وغبت عن لبنان جغرافياً. لكن علاقاتي اللبنانية توسعت مع مثقفين وصحفيين: سنة وشيعة ومارون.. خصوصا عبر عملي مديرًا لمكتب جريدة الراي الكويتية في القاهرة.. إلي أن زرته مرة جديدة في يوليو 2006 ..أي قبل أربع سنوات بالتمام والكمال.. لكنه كان قد أصبح بلدًا مغلقًا.. وصلته في طائرات كان يجري الترتيب لها لكي لا تصيبها نيران الحرب التي أشعلها حزب الله.

في هذا الوقت زرت بيروت ثلاث مرات تقريبًا في عشرة أيام. مرة مع السيد وزير الخارجية أحمد أبو الغيط. ومرة برفقة وزراء الخارجية العرب الذين أصروا علي أن يعقدوا اجتماعهم التضامني هناك. ومرة في رحلة تصدرها السيد جمال مبارك للتضامن مع شعب لبنان المنكوب وكان الوفد مكونًا من نحو مائة فرد.. ونظمت الرحلة وزارة الإعلام.

وعلي عددها لم تكن تلك زيارات بالمعني المفهوم. البيوت مقفولة. إن لم تكن مهدمة. الناس طفشت من البلد. مليون شخص شردوا. وبدلا من أن ندخل المكتبات طفنا بالمستشفيات. أو كنت أبقي حبيسًا في المطار أنتظر تصريحًا أو أتوقع إشارة ضوء ذات دلالة صحفية.. ثم نركب الطائرة ونعود للآمنة.. القاهرة.

وأخذت موقفًا حادًا من حزب الله في الحرب.. له ما يبرره.. وهو نفس موقفي حتي اليوم.. فهو الذي تسبب في الكارثة.. وتصاعد الموقف في حرب غزة.. حين قام حسن نصر الله بتحريض جيش مصر ضد مصر.. ووصفته بزعيم العصابة في تليفزيون العربية.. وخرج نصر الله في خطاب تال يشير إلي ما أقول.. ويقول إنني شتمته.. بينما كان كتاب تابعون له يهاجمون بعنف ما أكتب.. وهو الموقف الذي تطور مع عملية إلقاء القبض علي خلية حزب الله في مصر.. واحتد هجومي عليه مع مساسه بالسيادة المصرية.. وكانت تأتيني ردود أفعال عنيفة مكتوبة من أنصار الحزب ونصر الله.

وقررت ألا أسافر إلي لبنان.. حتي وأن خالجتني الشهوة الصحفية. أكثر من مرة أخطط لجولة تناقش عقول الطيف اللبناني.. ثم ألغيها.. ومن المدهش أن من يشجعونني هم أنفسهم الذين كانوا يدفعونني إلي ألا أسافر.. رئيس تحرير صديق كان يقول لي لا تخف.. ولكني كنت أعرف أنه يختبيء بعيدًا عن بيته حين يعود إلي بيروت. وكاتب كبير كان يقول لي ولا يهمك.. ثم أعرف أنه يبدل أماكن إقامته.. وهذه تقول تفضل فإن لبنان «يعيش».. لكنني لا يمكن أن أصدقها.. إذ قتلوا زوجها غدرًا.

عوضتني اللقاءات في القاهرة عن بعض ما ينبغي أن أحصله في زيارة لبيروت. في القاهرة العامرة قابلت فؤاد السنيورة وسمير جعجع والشيخ محمد الأمين والشيخ محمد علي الجوزو.. وغيرهم بالطبع من الإعلاميين والصحفيين الأصدقاء.. وفجأة اعتقدت أن زيارة خاطفة قمت بها يوم الجمعة الماضي بعيدة عن أجواء السياسة سوف تكون آمنة. حسبتها بطريقة (بلدي).. إذ جاءتني الدعوة في خضم التوتر الذي يتعرض له حزب الله بسبب قرب إعلان قرار الاتهام في اغتيال رئيس الوزراء الحريري.. وقلت لنفسي: حزب الله لا ينقصني الآن.. خصوصًا لو سافرت لعدة ساعات.. وبعيدًا عن أي مساحات اقتراب من نطاقات الحزب.

لكن خطتي كانت فيها ثغرة أمنية بسيطة جدًا لا أعرف كيف نسيتها: فمطار بيروت يخضع برمته تقريبًا إلي عناصر لها علاقة بالحزب!!

ألم أقل إنني حسبتها (بلدي)؟
اقرا ايضا مقال الامس : عفوا ..قتلتك 
 
الموقع الالكتروني :   www.abkamal.net
البريد الالكتروني   :  [email protected]