الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صادق أفندي عنبر




تحررت هذه الوثيقة التاريخية في 22 فبراير 1920 وقد وقعها المفتش حضرة الشيخ أحمد العوادي.. بعد عملية تفتيش روتينية قام بها في يومي 14 و15 من نفس الشهر.. حيث كتب بعدها «استمارة تقرير عن أمر خصوصي»- هذا هو اسمها- وفيه كتب نتيجة ما رأي.. وما ينبغي قراءته الآن بعد تسعين سنة.. بدون تدخل مني إلي أن أنهي النقل عنه.

---

مدرسة وادي النيل

(إلي) الأستاذ صادق أفندي عنبر..

إن إعجابي لعظيم بمقدرة الأستاذ وسعة اطلاعه في العربية وآدابها.. وله عناية فائقة بنقد أساليب كتاب هذا العصر وتمييز غثها من سمينها فهو لا يفتأ يوجه تلاميذه إلي الصحيح ويلفتهم عن الخطأ الفاشي في أقلامهم، لا سيما محرري الصحف منهم.

ولقد رأيت أثر ذلك واضحا في كتابة هؤلاء التلاميذ، ومنهم من برع في تقليد أسلوب أستاذه الإنشائي فجمع إلي سلاسة العبارة ونقائها جمال الديباجة ومتانة التراكيب.

وإني لشديد اليقين أن الأستاذ ينشئ للأمة نشئًا صالحًا ويهيئ لها من الكتبة من ينصرون العربية ويعملون علي رفعة شأنها.

دروس محققة حافلة بالعلم الناضج والأدب الفض وأستاذ ماهر، كريم الأخلاق، جم الحلم، غيور علي الواجب، سباق إليه.

---

(إلي) الأستاذ الشيخ محمد العدوي

الأستاذ من المجدين العاملين ذوي المادة الغزيرة والاطلاع الواسع، وهو نموذج يحتذي به في مكارم الأخلاق وحسن السجايا.

وقد أفاد تلاميذه إفادة عظيمة.. ولي وطيد الأمل أن ينالوا علي يديه من النجاح ما يحقق أمانيه إن شاء الله.

الحالة العامة: تدريس اللغة العربية في المدرسة يرتاح إليه جدًا وإصلاح الكراسات متقن معتني به.

التوقيع: أحمد العوادي

--


انتهي نص الوثيقة، وأولاً أشكر الأستاذ الزميل موفق بيومي الذي احترف جمع الوثائق والأرشيف، ولديه اطلاع واسع علي تراث مصر الورقي، وأتمني له أن يجد وقتًا ذات يوم يقوم فيه بتصنيف ما لديه في أجولة وأن يقدم للقارئ ما كنز علي مر السنين.
وأما الوثيقة فهي تحتاج إلي إطلالة متعمقة.. فهي تعبر عن أساليب التفتيش التي كانت متبعة في المدارس، بحيث إنها تتجاوز متابعة الأمور الروتينية اليومية في تلقي العلم لدي التلاميذ إلي تحليل قدرات الأساتذة وإمكاناتهم.. ومدي تفاعلهم ليس فقط مع التلاميذ وإنما مع الحياة العامة ومكونات الثقافة والاطلاع علي مجريات ما يجري خارج المدرسة فيما يتعلق بتخصصهم.

ولعل الجميع يلحظ طبيعة وثراء اللغة التي كتب بها التقرير، إذ بخلاف أن العمود هنا لا يتيح لي نشر صورة من الوثيقة التي كتبت بخط رقعة واضح ومنمق بقلم حبر- كما لو أنها طبعت ولم تنسخ- فإن اللغة التي كتب بها المفتش تقريره تعبر عن تميزه الشخصي ومستواه الراقي.. وكيف أنه لا يتتبع الإجراءات المدرسية وحدها وإنما تعامل مع المدرس علي اعتبار أنه مسئول عن تربية النشء للأمة.. ولديه عمل وطني يقوم به علي مستوي نصرة اللغة العربية.. وهذا كلام مفهوم في وقت كانت فيه الإنجليزية تكتسح الثقافة العامة في وجود المحتل.

ومن المدهش أن المفتش كاتب الوثيقة ـــ رحمه الله ــــ هو من فتش عليهم، فرَّق جوهريا بين المدرسين، كان يراقب أعمالهما، فكتب عن الأول بطريقة وكتب عن الثاني بطريقة مختلفة، بحيث أظهر الفرق في المستوي، لكنه لم يتعمد أن يجرح الثاني.. أو يقلل من شأنه وإن رفع من شأن الأول.. وهذا أسلوب بناء في الإدارة.. لا يغبن الحقوق ولا يهدر في ذات الوقت فرصة الثاني في أن ينمي من قدراته.. وهي قدرات من الواضح أنها تتفوق علي ما لدي مدرسي اللغة العربية في مصر الآن.

رحم الله المدرس العظيم صادق أفندي عنبر، والمدرس الكريم الشيخ محمد العدوي، والأستاذ المفتش أحمد العوادي.. ورحم تعليمنا الآن.. إن الدعاء بالرحمة لا يعني الترحم فقط علي الأيام الغابرة.. ولكن يعني أيضا أننا نرجو من الله أن يرحمنا بإعادة هذا المستوي الرفيع من التعليم.

وأعود للوثيقة مرة جديدة غدًا.
الموقع الالكتروني : www.abkamal.net

البريد الالكتروني :  [email protected]