الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

النبوت وبائع التوت




خلاصة مشكلة الـ« بي. بي» هي أن «النبوت» يريد أن يسيطر علي «التوت».. غير أن «التوت» باعتباره يمثل التكنولوجيا العصرية يفر من ملاحقات «النبوت».. وإن كان «النبوت» يعيش في وهم أنه سوف يلحق بـ«التوت»!!

ليس للأمر علاقة بالرواية الشهيرة للأستاذ نجيب محفوظ «التوت والنبوت».. وما أعنيه هنا بالـ« بي. بي» هو جهاز «البلاك بيري».. ذلك المحمول الكندي الشهير.. الذي يمكن ترجمة اسمه حرفياً إلي «التوت الأسود».. وقد تحول إلي مشكلة سياسية بين واشنطن وأبوظبي خلال الأيام الثلاثة الأخيرة.. بخلاف أنه كشف عن جوهر ما يمكن أن تسببه التكنولوجيا من مشكلات اجتماعية وأمنية في أي بلد.. وبدون أي توقع.. وصولاً إلي امتهان السيادة بمعني غير مباشر.

«البلاك بيري» كحل تكنولوجي في الاتصالات يعتبر أسطورة لا تقارن إلا بثمرة تكنولوجيا موازية.. التفاحة.. أو «آي فون» شركة «آبل» الشهيرة.. وهو كجهاز موبايل قدم حلولاً للأعمال والشركات بحيث جعل الاتصال يسيراً علي مستوي خدمة البريد الإلكتروني.. والتواصل عبر برنامج الماسنجر.. ورغم أن تطبيقاته أقل بكثير من الـ«آي فون».. فإنه يتمتع بميزة أساسية وهي أنه غير قابل للاختراق.. لأن خوادمه لدي الشركة التي ابتدعته في كندا.

المشكلة التي فجرتها الإمارات ليست الأولي مع بلاك بيري.. الهند بعد تفجيرات «مومباي» طلبت معلومات من شركة «بلاك بيري» حول استخدامات المتهمين له.. لكن الشركة رفضت.. في حين أنها قبلت أن تقدم معلومات طلبتها الولايات المتحدة بالطبع لأن السوق هناك ضخمة جداً.. ولو «زمجرت» الولايات المتحدة لأصبحت مشكلة تجارية كبيرة، ومن المدهش أن الولايات المتحدة اعتبرت منع الإمارات لبعض خدمات الـ«بلاك بيري» نوعاً من وقف تدفق المعلومات المضاد للديمقراطية.

أشهر مستخدم لـ«بلاك بيري» هو باراك أوباما، ولكنه خضع في الآونة الأخيرة لتعليمات أمنية تفرض عليه أن يستخدم جهازاً غيره وعلي حدود ضيقة، في حين تحول كثير من السياسيين في مصر والعالم إلي الـ«آي فون».. وفي القاهرة كان أغلب أعضاء مجلس الوزراء من المتواصلين بالتكنولوجيا يتعاملون بالـ«بلاك بيري».. وقد بقي الأمر مقتصراً الآن علي الدكتور يوسف بطرس غالي علي ما أعتقد.

الموضوع في الخليج له أبعاد أخري.. تفوق مسألة التكنولوجيا.. فقد تحول الجهاز في الإمارات والكويت والسعودية إلي «صرعة».. بين كل الناس.. الجهاز أصبح شعبياً.. وفي «يد العيال».. وصار يتجاوز حدود ما فكر فيه مبدعوه كحل للأعمال.. وبات عبر التطبيقات خصوصاً «الماسنجر» وسيلة تواصل غير خاضعة لأي سيطرة حكومية.

بالطبع هذا الأمر يكشف ببساطة أن جميع الحكومات تسمح بخدمات يمكنها أن تتابعها حين تريد.. وأن تدخل عليها لتعرف ما يجري.. ومن المؤكد أن الذي أزعج الإمارات يفوق تبادل المواطنين العاديين للكلمات غير مدفوعة الثمن عبر «الماسنجر».. وأن الأمر له أبعاد أمنية.

ولأن السوق الأكبر لاعتبارات سكانية موجودة في السعودية «700 ألف مشترك».. فإن الأنظار كلها اتجهت إلي هناك.. لكن السعودية لم تتخذ قراراً بعد.. وإن كانت الكويت قد تفاهمت مع شركة «بلاك بيري» علي منع 3000 صفحة إنترنت جنسية عبر متصفحات «بلاك بيري».. وقد وعدتها الشركة بأن تنفذ هذا بعد أشهر.

«النبوت» يريد أن يفرض سيطرته علي التكنولوجيا، وأن يطمئن إلي أن لديه قدرة علي أنه يمكنه أن يصل إلي ما يريد حين يريد.. ولا يقبل بالطبع أن يتحول الجهاز المحصن إلي باب خلفي أو ثغرة أمنية.. إذ إنه حتي في ظل وجود التحصينات والإمكانيات المتاحة يمكن للإرهابيين أن يقوموا بعمليات إجرامية، فما بالك لو أنهم وجدوا ثغرة لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق شركة في كندا تدعي أنها تحمي خصوصية معلومات مستخدميها.

الله أعلم بما يجري ونرجو ألا يكون الأمر أكثر من دعاية لـ«البلاك بيري» في مواجهة طوفان الـ«آي فون».. وألا يكون بضغط من شركات الاتصالات التي انزعجت من تراجع كمية الرسائل النصية لأن المستخدمين يتبادلون الرسائل عبر الماسنجر وبدون تكلفة عالية.. وقتها لا يكون هذا صراعاً بين التوت والنبوت.. وإنما تحالف غير معلن بين النبوت وبائع التوت!
الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net
البريد الالكتروني  :  [email protected]