الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حكاوى الجنزورى.. من مبارك إلى مرسى




فى كتابه الذى نشر مؤخرا فى جزءين يقول الدكتور كمال الجنزورى فى الجزء الاول الذى اختار له عنوانا «طريقى.. سنوات الحلم والصدام والعزلة» والذى يسرد فيه خواطره عن مشوار طويل فى حب مصر على حد تعبيره.. وعلى الرغم من أننا كنا ننتظر من الرجل أن يبوح بمزيد من الأسرار وكواليس الحكم فى هذه المرحلة التى عاصرها الا انه مر سريعا على العديد من المواقف التى كان يجب الوقوف عندها.. لكنه توقف كثيرا أمام فترة تولى الدكتور عاطف صدقى الحكومة ولأن الكتاب ليس موضوعنا ولا نتعرض له الآن بالنقد او التحليل ولكننا نقف هنا امام موقف بالغ الدلالة فى التعبير عما وصلنا إليه وذكره الدكتور كمال الجنزورى بدقة بالغة، حيث يقول.. ظهر الفتى الدكتور يوسف بطرس غالى مع الدكتور عبدالشكور شعلان الذى كان يعمل بصندوق النقد الدولى وطلب ان يعمل يوسف بطرس فى مصر لانه ترك الصندوق لاسباب لم نسأل عنها وتم تعيينه خبيرا بمجلس الوزراء براتب 185جنيها شهريا.. «هل لذكر الراتب المتواضع وقبول يوسف بطرس له دلالة أراد أن يشير اليها الجنزورى تلميحا فقط».. ثم يكمل الجنزورى فى كتابه ويقول حول احدى جولات المفاوضات المصرية مع صندوق النقد الدولى كان بيننا من هو على صلة اقوى بصندوق النقد الدولى ولعله أشار على الادارات المعنية بالصندوق تأجيل الاتفاق مع مصر لما يعتقده من أن مصر لا تستجيب إلا تحت ضغط فكانت النتيجة رفض الصندوق المقترح الذى أوشك الاتفاق عليه صباحا وجاء رجل مصرى اصيل هو عبد المنعم عبدالرحمن يعمل مستشارا بالصندوق يصرخ ويقول حرام ..حرام.. من أشار على الصندوق بذلك.. «انظر جيدا لدلالة لفظ مصرى اصيل الذى استخدمه الجنزورى» ثم يؤكد ويقول بعد ذلك للاسف قام الدكتور يوسف بطرس غالى بإبلاغ الصندوق بأن الدولة رجعت فيما اتفقت عليه فأخذ الصندوق هذا الأمر ذريعة لايقاف تنفيذ اتفاق 1993.. ليس مهما أن يوسف بطرس غالى سافر للتفاوض بأموال المصريين ولا مهما أيضا بدل السفر الذى تقاضاه ولا كم تكلفت إقامته.. المهم والأهم فى هذا هو كما قال الجنزورى وأكد أن يوسف بطرس أضاع على مصر فرصة كان يمكن أن تساهم فى حل بعض من مشكلاتها.. من الذى سمح للرجل بالبقاء فى توليه مناصب قيادية منذ عام ١٩٨٦ وحتى خروجه من الوزارة بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ على الرغم من سوء أدائه الذى يصل إلى حد الخيانة العظمي.. كما وصلنا من كلام الجنزوري ولماذا ظل محتفظا بهذه المناصب القيادية فى حكومة الجنزورى منذ عام ١٩٩٦ حتى عام ١٩٩٩.
هل ظل يوسف فى مناصبه القيادية بضغط من مبارك أو أى جهة أخرى ولماذا لم يبعده الجنزورى عن حكومته.. هل كان مبارك ونظامه يطبق «البروستوريكا» فى مصر على غرار ما فعله جورباتشوف فى روسيا استعدادا لتفكيك الدولة المصرية وتركها نهبا للفوضى التى مازلنا نعانى منها حتى الآن وتتحقق مقولة مبارك «إما أنا أو الفوضى».
 الأمر يحتاج الى توضيح من الجنزورى نفسه.. وربما تكون هذه الأشياء هى سبب ما نحن فيه من فشل ممتد من عهد مبارك مرورا بمرسى وحتى الآن.
وربما ما قاله نيال فيرجسون استاذ التاريخ فى جامعة هارفارد فى كتاب «لماذا تفشل الأمم» يضع ايدينا على الداء الذى سبب تأخرنا حيث قال ان الإنجليز امتلكوا أمرهم وأخضعوا الملك لسلطانهم وانتزعوا حقوقهم السياسية التى حولوها إلى فرص عظيمة للكسب الاقتصادى فظهرت بريطانيا العظمى.. أما مصر التى عرفت تكوين الإمبراطوريات قبل بريطانيا بآلاف السنين، فقد تعاقبت عليها نخب سياسية كانت كل واحدة منها تمهد التربة لمصالحها وأعوانها تاركين رعاياهم فى ركودهم الطويل فانتشر الفقر وتدهورت حياتهم.
 قال فيرجسون ذلك قبل أن يخلع المصريون مبارك الذى قادته الاقدار لحكم مصر وايضا قبل ان يعزلوا محمد مرسى الذى انتخبوه.. الذى سار على نهج كل الذين سبقوه فى سدة الحكم.. فكما ترك مبارك مصر تعانى الفقر وتئن تحت وطأة المرض.. جاء مرسى بعد ثورة طالبت بالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لكنه لم يفعل شيئا واحدا من أجل هذه المطالب وانشغل تماما بتمكين جماعته.
قد تبدو مصر اليوم على السطح فى حالة من الحركة والديناميكية.. ولكن تحت السطح ركود تاريخى لم ينقطع.
 فلا يزال كل شيء على حاله.. حكومة تلو أخرى تجد العزاء فى وصفها بالانتقالية مثلما أفلحت حكومات أخرى فى وصف كل لحظة فى حياتنا من قبل بأنها تاريخية.. الحكومة الحالية وعدت بأنها حكومة مؤسسة لانطلاقة شاملة فى كل مناحى الحياة ولكنها أثبتت أنها تؤسس لمرحلة أخرى من الركود التاريخى الطويل والممتد.. حكومات استغلت سذاجة وتواضع أحلام المصريين فى رغيف من الخبز وقطعة من اللحم وهى مطالب اختفت من قوائم المطالب الشعبية فى معظم دول العالم.
لم تمتد بعد يد واحدة لإصلاح شىء من التعليم وأيضا لم يفكر أحد فى تقويم شىء من السلوك المصرى المعوج فى القرى أو المدن على السواء.. الركود السياسى حول مصر إلى مجتمع متظالم كلنا يشكو الظلم وليس منا من يريد أن يعترف بأنه مارس الظلم على غيره حتى ولو بالسير عكس الاتجاه.
 ففى الوقت الذى نعانى فيه ركودا وتظالما تاريخيين لايزال ضيوف المصاطب على شاشات التليفزيون يبشروننا بأننا شعب عظيم لديه أضعاف ما لدى شعوب الأرض من وعى.. هؤلاء يرتكبون أعظم الجرائم فى حق مصر حين يخدرون إحساسنا بالواقع بدلا من تحفيزنا لفهمه والعمل على تغييره.. ففى الشرق الأقصى أمم نهضت وفى الغرب الأدنى شعوب تصنع للعالم اليوم حضارته القائمة والقادمة.
أما إذا جاء الحديث عن إصلاح التعليم استلقينا فى مجالسنا على المقاعد نكرر الحديث فيه ولا نفعله.. ولو أننا فعلنا ذلك ما جاء عام2013 بشباب تستهويه أفكار بالية جاء بها حفارو القبور من بطون التاريخ البعيد وأقنعوهم بالموت دونها. ولو أننا حاولنا إصلاح التعليم ما جاءت مواقع التواصل الاجتماعى وهى أحدث إبداعات تكنولوجيا العصر الذى نعيشه لتحمل أسوأ ما فى لغتنا وأحط ما فى عقولنا وأخطر ما يهدد وجودنا.. التعليم المتطور الذى يحافظ على قيمنا ويعلى قيمة الوطن هو اول الطريق للوصول الى مسئولين يقدرون قيمة وقدر الوطن ويعملون لصالح مصر.. لا مصالحهم الخاصة.