الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فرز مليارديرات مصر




علق أكثر من ثري مصري علي مقالي يوم الجمعة (الملياردير والسمكة)، الذي تناولت فيه قضية تبرع 40 مليارديراً أمريكياً بنصف ثرواتهم في إطار حملة (التعهد بالعطاء) التي اقترحها بيل جيتس.. وقد قلت في مقالي: إنني لست رومانسيا حالماً لكي أعتقد أن بعض مليارديرات مصر سوف يفعلون هذا لاختلاف الظروف.. ولأن التراكم الرأسمالي لم يتطور في مصر كما هو أمريكيا.. وإن قلت إن أعمال الخير في الولايات المتحدة تعتمد علي تعليم الناس صيد السمكة، بينما في مصر مازال المتبرعون الأثرياء يقدمون للفقراء ثمن السمكة.

اليوم أريد أن أقول، في ضوء التعليقات التي تلقيتها، إنني ليس لدي موقف مسبق من الثراء.. من منا لا يحلم بأن يكون مليارديرًا؟ أنا شخصيا أريد أن أجرب هذا الإحساس وإن كان من المستحيل تحقيقه.. ولكن وجهة نظري أن الرأسمالية الوطنية في مصر عانت انقطاعًا بسبب التأميم في الستينيات أثر علي مسارها فيما بعد.. بحيث إنها مرت بمراحل مختلفة.. بدأت بفيض ممن لا ينطبق عليهم وصف الرأسمالية الوطنية في عصر الانفتاح.

الآن في مصر ثروات تنتمي إلي نوعين.. نوع شفاف تتبناه مؤسسات اقتصادية تنمو، تطبق المعايير الدولية في إدارة الشركات، ونوع لا يمكن وصفه بأنه يتمتع بقدر مقبول من الشفافية يقوم علي الفردانية ولديه شركات ذات طابع عائلي تتمحور حول شخص واحد.

ليس هناك عيب في عائلية الشركات.. الاقتصاد الإيطالي في أغلبه يقوم علي شركات أسرية.. العيب هو في أن المؤسسات لا تفصل ما بين الثروات الشخصية وأصول الشركات في إطار من القواعد الاقتصادية السليمة.. غير أن وجود البورصة وأنشطتها يضمن أن الشركات المسجلة فيها علي الأقل تتمتع بهذه المواصفات المطلوبة للتفرقة بين الثروات الشخصية وثروات الشركات.

أضف إلي ذلك تصنيفاً آخر.. وهو ذلك الذي أقسم به الأثرياء المصريون بين نوعين.. نوع يعرف أن المناخ الاقتصادي الحالي هو سبب نموه وازدهاره وصعوده.. ومن ثم فإنه يدعمه ويقف في صفه، ونوع يعرف هذا ولكنه يعمل سياسيا ضد الاستقرار السياسي في البلد وضد بقاء الوضع الاقتصادي الحالي.. خصوصًا هؤلاء الذين يملكون المؤسسات الإعلامية، ومن المدهش أنهم يجارون التوجهات اليسارية لبعض فصائل الإعلام.. علي سبيل اتقاء الشر في حين أن هذا التصرف يؤدي إلي أضرار جسيمة تحيق بالرأسمالية برمتها.

لقد كتبنا مرارًا عن أن هذا السلوك غير محمود العواقب إنما يؤدي إلي تشويه سمعة الرأسمالية المصرية في المجتمع المصري بتمويل من الرأسمالية المصرية.. ويخلق مناخًا مناوئاً للعمل الحر ومنطق القطاع الخاص برمته.. ولكن هؤلاء إنما يرون أنهم يحققون الفائدة ماداموا أنهم أبعدوا النار عن أن تلسع ظهورهم (!).. وليس مهمًا ما يحدث بعد ذلك.. واقعيا هم لا يدركون أن هذه النار لو اشتعلت سوف تمسك بهم قبل غيرهم.

أضيف أيضًا تصنيفًا ثالثًا.. وهو أن الرأسماليين المصريين يتوزعون بين فريق يحرص علي المشاركة الاجتماعية وفريق لا يقدم إسهامًا من أي نوع في أي عمل اجتماعي أو خيري ويتميز بقدر هائل من الأنانية والإفراط في الذاتية وعدم الانتباه إلي ضرورات الإسهام في تطوير مجتمع.. حين يتطور سوف تزيد ثرواتهم أكثر.

إن العمل الخيري والاجتماعي هو استثمار إضافي ليس له فقط أبعاد أخلاقية.. وإنما هو يولد فرصًا لتنمية مستوي الناس.. بحيث إنهم من ناحية أخري سوف يكونون قادرين علي الاستهلاك فيشترون ويبيعون.. وقادرين علي التعلم فتتخلق مهارات بينهم تصب في النهاية في القوي البشرية التي تذهب للعمل في الشركات.. والأهم أن هذا الإنفاق الاجتماعي إنما يقلل من المناخ العدائي للثروات في بلد لم يزل يخطو نحو العدل الاجتماعي حثيثًا وإن لم يتمكن من تحقيقه بعد.. وبالتأكيد يكون طيبًا أن تعمل الرأسمالية في مناخ مواٍت وغير معاٍد.

نحتاج إلي فرز حقيقي في الرأسمالية الوطنية لكي تدافع عن مكانتها وقيمها وتأثيرها ودورها الأخلاقي.. إن المسيئين إلي تلك الرأسمالية هم من بين الرأسماليين.. وهذا الفرز لن يتم إلا بمبادرات فردية واضحة المعالم.. وأشخاص يتقدمون الصفوف لكي يكونوا قدوة ومحفزين.. وأيضًا من خلال منظمات رجال الأعمال التي لم تعد تقوم بدور ملموس كما كانت تفعل من قبل.. وأصبحت فقط مجرد منابر للمصالح.. وتنسي أن عليها أن تدافع عن مصالح المنتمين إليها بطرق غير مباشرة وفعالة اجتماعيا وأخلاقيا وعلي مستوي السمعة.

الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net

البريد الإليكترونى: [email protected]