الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الجامع والجمعية




لا أقصد بالجامع هنا أي مسجد.. وإنما أعني به بعضا من بيوت يفترض أنها خصصت لذكر اسم الله.. لكن القائمين عليها حولوها إلي آليات منظمة لخداع الناس وتوجيههم وغسل أدمغتهم وتجنيدهم سياسياً لصالح تيار متطرف بعينه.

لقد حكي لي بعض الأهالي عن منطقة في الجيزة، ليس هناك داع لذكر اسمها، فهي في نهاية الأمر نموذج لظاهرة عامة، حيث تحولت مجموعة مساجد تتبع شبكة الجمعية الشرعية إلي مؤسسات اجتذاب وتنظيم وفرض التوجهات علي الناس باستخدام سلاح الإعانة الاجتماعية التي يحتاجها المعوزون.

الجمعية الشرعية في حد ذاتها لاغبار علي أهدافها السامية.. لكن للأسف بعض الأفرع وبعض المقرات في بعض المناطق يخضع لسيطرة إخوانية أو سلفية.. حيث يقوم خلق الله المنتمين إلي هذه التيارات المتطرفة بتوجيه عقول الناس إلي ما يريدون.. وحيث يحيدون بالجمعية عن أهدافها النبيلة في خدمة دين المسلمين.

الشبكة في هذا الحي معقدة جداً.. جيش عرمرم من المندوبين الذين يدقون أبواب البيوت للتعرف علي أحوال الناس.. ومعرفة احتياجاتهم ومن ثم تقرر لهم إعانات شهرية.. مبالغ معتبرة تأتي من تبرعات مهولة.. مصادرها من كل نوع.. بدءاً من الصندوق التاريخي الموضوع في ميدان الجيزة منذ ربع قرن.. علبة خشبية.. عبرت من خلالها ملايين الجنيهات التي بنت المساجد وقدمت منها المعونات.. بل كانت مصدراً للمشاركة في تمويل بعض أنشطة الإخوان في أفغانستان.. وانتهت حكاية أفغانستان ولم يزل الصندوق موجوداً.

المهم، في هذه المنطقة من الجيزة، يقدم مندوبو الجامع للفقراء.. إعانات وسبل تأمين للعلاج.. بل ما يمكن القول إنه إعانة بطالة للعاطلين.. مبالغ مالية قد تصل إلي 300 جنيه.. وبمضي الوقت ترتبط حياة الأسر بهذه الأموال الشهرية.. بعدها يتدخل مندوب الجامع في حياة العائلة المحتاجة.. وينبه المتلقين إلي أن لديهم ابنة غير محجبة.. وأن لديهم شاباً لا يذهب إلي المسجد بانتظام.. وفي كثير من الأحيان يتم التهديد بأن المعونة سوف تقطع إذا لم تتم الاستجابة لهذه التوجيهات أو تلك.

إن من حق الناس أن تتصرف بالطريقة التي تريد.. من يتحجب.. هو حر.. ومن لايريد.. هو حر.. الدين علاقة بين العبد وربه.. لكن هؤلاء يحولونه إلي علاقة ثلاثية لا ثنائية.. يتدخل فيها بين العبد وربه وسيط من الجامع المذكور الذي ينتمي بطريقة أو أخري إلي تنظيم محظور لن يقف عند حدود الدعوة إلي الحجاب أو إلي أن يذهب الذكور للمساجد.. ففي أوقات بعينها يطلب من المواطنين الذهاب إلي التصويت في الانتخابات.. فضلاً عن أنه يتم استخدام هذا الجهاز من المندوبين المتغلغل في البيوت في ترويج الشائعات وجمع المعلومات.. وتوظيفها لصالح أغراض معينة.

هؤلاء يبينون أمام الناس علي أنهم (بتوع ربنا).. وواقعياً هم (بتوع أنفسهم) وليس غير ذلك.. بل إن ما يوزعونه علي خلق الله الغلابة في تلك الأحياء وغيرها ليس من جيبهم الشخصي.. هو من تبرعات مصريين آخرين.. كل علي قدر ما يسر له الله.. بدءاً من عملة معدنية بقيمة ربع جنيه إلي مبالغ طائلة يخرجها الأثرياء علي أنها إيفاء للزكاة.. وليس مدهشاً علي الإطلاق أن تعرف أن المندوبين الذين يتعاملون مع الناس باعتبارهم موزعي الإعانات هم أفراد تم استقطابهم من داخل الحي.. كانوا في حالة فقيرة.. ثم مع توظيفهم.. تغيرت أحوالهم.. وظهرت لهم سيارات.. إلي الدرجة التي تدفع للتساؤل: هل هذه المهام تدر كل هذا الدخل.. ومن أين؟

هل هذا عمل ديني حقيقي؟ أم أنه توظيف لدين الله من أجل تحقيق أغراض دنيوية تخص فريقاً سياسياً يصر علي أن يتدخل بين العبد وربه؟ ويريد أن يستعبدهم من خلال احتياجهم وفقرهم.
ونكمل غداً.. حيث نتناول الجمعية
لموقع الإليكترونى: www.abkamal.net

البريد الإليكترونى: [email protected]