الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سفير في الخدمة




لدي نبيل فهمي سفير مصر الأسبق في واشنطن ملامح تميز حقيقية، لا تقف فقط عند كونه ابن دبلوماسي مصري علاّمة.. حتي لو اختلفنا مع مواقفه.. أي وزير الخارجية الراحل إسماعيل فهمي.. وإنما تمتد هذه التميزات التي يتمتع بها السفير نبيل إلي مواصفات شخصية وخصائص قد لا تتوافر لغيره بين أبناء جيله.. وهو ما يبرر بالطبع اعتزازه بنفسه.. لكن هذا الاعتزاز لم يقنعني بطريقة حديثه عن الانتخابات الرئاسية المقبلة.. ولا أعتقد أنه يبرره.

السفير نبيل في إجازة، إذ تشبع بموقعه سفيرا لمصر في الولايات المتحدة لفترة طويلة، لدرجة أنه لم يجد في نفسه القدرة علي العمل بعد أن عاد إلي القاهرة، وكونه في إجازة لا ينفي أنه لم يزل في الخدمة.. حتي لو كان سوف يتقاعد في غضون شهرين.. ولكن المثير أنه أجري حوارا قبل أيام في جريدة المصري اليوم.. استوقفني فيه ما لم يُعتد من دبلوماسيين ما زالوا في الخدمة.. إذ تداخل في مسائل الانتخابات الرئاسية المقبلة.. بل وتحدث عن الرئيس بلغة أدهشتني.

سألته المحاورة: ماذا لو رشح الرئيس مبارك نفسه؟ فأجاب السفير نبيل بتؤدة محسوبة «أكن له كل الاحترام، وقد مثلته في الخارج مرتين».

وأضاف بعد هذه العبارة: «لكني أدعوه وغيره من المرشحين إلي التعهد بالتعديل الدستوري، وإذا رشح نفسه للرئاسة وفاز في الانتخابات فارجو أن يحدد مدة الرئاسة لمن سيأتي بعده».. وبعد هذه العبارة عاد السيد السفير لكي يفتح أفق الكلام مضيفا: «أنا أقصد كل المرشحين، وعليهم اعتبار تعديل الدستور وتحديد مدة الرئاسة نقطة الالتقاء بينهم، ويختلفون علي أي شيء بعدها لا يهم».

أتفهم بالطبع أن الدنيا تغيرت والزمن تبدل، واللغة تغيرت، حتي طرق التعبير عن التقدير للرؤساء من الموظفين الذين يعملون في دولاب العمل التابع لهم طرأ عليها تغير، لكني بصراحة احتاج إلي قدرة لكي أستوعب أن سفيرا لم يزل في الخدمة يتحدث في شئون داخلية وانتخابات لم يحل وقتها بعد - أصلا - وليس للسفير نبيل موقف ملح لا بد أن يعلن فيه.. بهذه الطريقة.. وان يشترط علي المرشحين مواقف بعينها.. وأن عليهم أن يختلفوا علي أي شيء إلا تعديل الدستور.

وربما اندفع سيادة السفير إلي تجاوز هذه القواعد المهنية لو أنه كان بصدد عرض وجهة نظر حيوية لا بد من أن يطلع عليها المجتمع، في هذا التوقيت بالذات، وأن هناك ضرورة لإعلان موقف بعينه قبل أن يمضي القطار، غير أني لم أجد فيما قال السيد السفير جديدا جديا لافتاً للأنظار.. حتي حين سئل عن مضامين التعديلات الاخري التي يراها واجبة للدستور فإنه قال كلاما عامًا عن نسبة العمال والفلاحين وعما وصفه بأنه نصوص اشتراكية في الدستور.. كلاما عادياً لدرجة أني لو وضعته إلي جانب اسم أي عشرة أشخاص آخرين فإنه لن يكون مثيرا للانتباه.

من الأصل لفت نظري إلي الحوار أنه توزع علي حلقتين بمساحة صفحتين كاملتين علي يومين متتاليين، لدرجة أنني احتجزته طيلة أسبوع كامل.. متحينا الفرصة لقراءته بالتفصيل.. إذ ربما توافرت فيه فكرة جديدة أو معني مختلف.. وقد توقفت مليًا - بعد تصوراته للدستور - عند قوله إن حل أزمة حوض النيل يتطلب الانتقال من الكلام في الحقوق التاريخية إلي النقاش حول المصالح وهي رؤية تمثل تفسيرا للماء بعد الجهد بالماء. كما استوقفني أنه وجد أن القضية الفلسطينية دخلت عنق الزجاجة وأن أمريكا منشغلة.. لكنه بالتأكيد فاجأني حين قال إنه ليس علي العرب سوي انتظار حكومة إسرائيلية لديها نية الحل!!

وسبب المفاجأة هو أنني كنت أتوقع كلاما أكثر عمقا من سفير بمكانة نبيل فهمي وتاريخه واعتزازه بنفسه.. خصوصا مسألة انتظار حكومة إسرائيلية تنوي الحل... فلو طبقنا ما يقول السيد السفير لكان علينا أن نغلق وزارات الخارجية العربية ونضع أيدينا علي «خدودنا».. ونبدأ في ترسيخ مفهوم «دبلوماسية العجز» أو لو كنا رقيقين ورفقاء لأسميناها «دبلوماسية الباركينج».. أي الانتظار.

الموقع الإلكترونى :  www.abkamal.net

البريد الإلكترونى :  [email protected]