الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أنت حر




حكاية بسيطة وقعت لصحفي مصري في الجزائر: الاسم لن يكون مفيدًا أو يضيف لأبعاد الواقعة، هو صحفي يعمل في جريدة خاصة ومحطة تليفزيون رياضية، سافر لتغطية مباراة الأهلي الأخيرة، حصل علي تصريح من وزارة الاتصالات الجزائرية لكنهم ألقوا القبض عليه ساعتين تقريبًا.. وأودعوه في قسم شرطة.

السفارة المصرية ذهبت للقسم لكي تتبين ما الذي جري، اتضح أنه كان يحمل كاميرا فيديو ويصور مواطنين جزائريين ويستطلع آراءهم في المباراة بين الأهلي والشبيبة، اتضح لمن ألقي القبض عليه أن الصحفي تجاوز تاريخ التصريح. وتبين أن التصريح لم يتضمن السماح بتصوير في الشارع، احتجزوه، عاملوه برفق، مسحوا الشرائط التي كانت معه، أطلقوه، وانتهي الأمر.

الموضوع بسيط كما قلت، لكنه لا يخلو من دلالة، سوف تتضح حين أحكي لك الواقعة التالية.. وكنت بطلها في بلد عربي آخر.

سافرت إلي هذا البلد الشقيق في إجازة قصيرة، عرفت بعض السلطات أني موجود فقررت أن تحتفي بي ببعض اللقاءات الإعلامية، أحد المذيعين اجتهد وقرر أن يصور معي برنامجا في الشارع، انتظرت معه علي باب التليفزيون نحو ساعة لأن السائق يرفض أن يخرج بدون أن يكون معه تصريح تصوير حتي لو كان من يرحب بي أمامه لمدة ساعة مع المذيع هو رئيس التليفزيون.

جاء التصريح، خرجت سيارة التليفزيون، وقفنا في شارع رئيسي بالعاصمة لكي نصور بعض اللقطات، الشارع ليس طويلا.. حوالي كيلو متر، لا أبالغ إذا قلت لك إننا أثناء تمشيتنا فيه بينما الكاميرا تصور اللقاء استوقفنا أربعة رجال شرطة.. كل منهم كان يطلب من المذيع صورة التصريح.. فيظهره.. ويقرأه الشرطي بإمعان.. ولا يكتفي بذلك وإنما يعود إلي قيادته عبر اللاسلكي.. ومن ثم يسمح لنا باستكمال التصوير.. تكرر الأمر أربع مرات في غضون ساعة.

زهق المذيع.. فاصطحبني إلي كازينو في برج مرتفع.. قال إننا سوف نري البلد علويا من خلاله.. دخل واستأذن أصحاب المكان.. ففكروا مليا.. ثم اتصلوا بالشرطة وسألوها إن كان من الممكن أن يسمحوا بالتصوير أم لا.. وقرأوا نص التصريح علي التليفون.. وجلسنا بضع دقائق.. وانتهي الأمر.

الخلاصة هي أن المسألة ليست سداحًا مداحًا، وأن حرية الإعلام لا تعني أنه لا توجد ضوابط وأن مصر تعيش في نعمة لو أدركها من يتبترون عليها فإنهم سوف يعرفون قيمتها.. فقط حين يفقدونها- لا قدر الله- أو حين يتعرضون لمواقف من هذا النوع.

لست أطالب بالتطرف البوليسي في التعامل مع الإعلام، كل هذه الإجراءات لا قيمة لها في عصر التكنولوجيا ولو روقبت الشوارع بأفواج من رجال البوليس.. فبإمكان أي شاب يحمل كاميرا تليفون أن يصور ما يشاء.. دون أن يدري أحد.. ويمرره عبر مواقع الإنترنت وينتهي الأمر.. ويتم اختراق تحصينات الأمن الرهيبة.

بالمناسبة، وعلي الهامش: كنا إلي وقت قريب نتعرض لقيود حين نسافر إلي إحدي المدن العربية الشهيرة جدًا إذا تبين لمن حولنا أن الموبايل الذي نستخدمه فيه كاميرا.. وبالمناسبة كذلك بعض الدول العربية تضع قيودا علي مواقع الإنترنت.. حتي تلك التي يقال إنها تتمتع بثورة معلوماتية.. وكثيرا ما سافرت إلي دول عديدة وفتحت صفحات فوجدتها مغلقة.. ومحجوبة.. وما أن أعود إلي القاهرة ليلا حتي أجدها في جهازي نفسه تدب فيها الحياة.. لأن مصر تتميز بمستوي حرية رهيب علي الشبكة.. في مصر لا تموت صفحة إلكترونية.. ولا تسد عدسة كاميرا.. الجميع يفعل ما يشاء.

المنع ليس حلا في العصر الحديث.. والتصريحات لا تحمي علي طول الخط حرية الإعلام، لكن الحرية تحتاج انضباطا.. قدرا من التدقيق الذي لا يخضع إلي المنع ولكن إلي تذكير من يمارسها أن عليه واجبات وأنه ليس عليه أن يتهور فيفسدها بشعار «أنا حر».. نعم حر.. ولكن المجتمع لديه مصالحه وإذا كان قد منحك الحرية فلابد أن تعطيه الفرصة لحماية هذه الحرية.

لكي تظل حرًا.. يجب أن تحافظ علي هذه الحرية بالمسئولية الواجبة.. أعتي الفلاسفة الذين وضعوا أسس الحرية قالوا ذلك منذ زمن بعيد.

الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى: [email protected]