الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أحول.. وله «كرش»




لا يتعب كثير من المؤلفين أنفسهم، وغالبًا لا يجتهد الخيال في البحث عن أشكال جديدة، بحيث يفضلون أن يقدموا أعضاء الحزب الوطني في الدراما التليفزيونية أو السينمائية، في صورة نمطية ثابتة.. تتعمد التحقير.. والتشويه.. وتحميله جميع أعباء المشكلات التي يتصدي لها العمل الدرامي.

لقد تكثفت هذه الظاهرة وتكررت، بحيث بلغت ذروتها في موسم الدراما الرمضانية، ناهيك بمتفرقات تتناثر طوال العام.. ومن المذهل أن هذه الصورة النمطية تجدها كما هي في مختلف الأعمال.. أيا كان مستوي المؤلف أو درجة حرفية المخرج.. وهكذا تصادف تطابقًا بين ما يظهر عن عضو الحزب الوطني في مسلسل بسيط إلي درجة السذاجة اسمه (أزمة سكر).. أو عمل كبير وله مواصفات مختلفة مثل (الجماعة).. بل إن الممثل الذي يؤدي الدور في الحالتين واحد هو (فايق عزب).. وكم من مرة قام بهذا الدور في أعمال مختلفة.

إن قيادات لها وزنها وحيثيتها في الحزب الذي يمثل الأغلبية وهي نفسها من أعمدة نخبة البلد، لا بد أنها تنزعج وهي تري أن الصورة التي تقدم بها ويقدم بها حزبها في الدراما تصر علي أن تنحصر في صورة الفاسد، الذي يأكل حقوق الناس، ويحاول أن يتعدي علي أرض ونساء ومكسب غيره، لا يقف أمامه عائق، ويهدر القانون، يعلق في رقبته السلاسل وفي معصمه الأنسيالات وتتعثر أصابعه في أحمال الذهب المكنوز في الخواتم.. وهو غالبًا ما يكون (أحول) وله (كرش).

وهذا الحزب الذي تمتد عضويته لتشمل نحو 3 ملايين نسمة، ليس فيلقًا من الأطهار المرسلين من السماء، وبالتأكيد فيه الطيب وفيه السيئ، لكن هؤلاء المصريين الذين يهانون يوميًا علي شاشات التليفزيون لأنهم قرروا أن يعبروا عن موقف سياسي لا يرضي مؤلفي الدراما، هؤلاء من حقهم أن يستاءوا بسبب تصويرهم علي أنهم نموذج الشر والفساد في كل جوانب حياة مصر.

ثلاثة الملايين ليسوا جميعًا صورة واحدة، وأعتقد جازمًا أنهم تعبير حقيقي عن مقومات البلد، بكل ما فيه من حلو ومر.. الصحيح بالطبع أن المنظار يسلط عدسته علي من في يده السلطة والأغلبية، ولكن حقيقة الأمور التي لا فرار منها أن كل الأحزاب والتيارات الأخري لا تخلو من عيوب ونماذج من تلك التي يوفر الحزب الوطني آليات لمحاسبتها إذا ما خالفت القانون.. ببساطة لأن هذه هي مصر.. وهذا هو مجتمعها.. والانتماءات السياسية لا تعني أن أولئك ملائكة وهؤلاء شياطين.

هذا الاستسهال المدهش من قبل المؤلفين لا يقتصر علي أعضاء الحزب الوطني.. بل إن المعاناة من الصور النمطية في الدراما المصرية تمتد إلي فئات أخري عديدة.. ضابط الشرطة هو غالبًا شخص صلف يقهر الآخرين وأبسط تصرفاته هو أن يصفع من أمامه بالقلم وأقرب كلماته (اتكلم يا روح أمك).. والصحفي صورته في الأغلب الأعم تعبر عن شخص تافه يحمل حقيبة حقيرة وشعره طويل ويلهث وراء خمسين جنيهًا.. ورجل الأعمال هو دائمًا إمبراطور صغير ينحني له الناس فإن لم يفعلوا فإنه يعصف بهم، ومن المؤكد حسبما تقول كل أنواع الدراما أنه قد حقق ثروته بطرق غير مشروعة.. إلخ.

بل إن اللجوء إلي هذه الصور النمطية المكررة لا يقف عند حد.. ويصل كذلك حتي إلي كُتّاب السيناريو أنفسهم.. والمخرجين الذين يقدمون أعمالهم.. فالمؤلف في الدراما هو شخص يكتب بساندوتش وقلمه معلق فوق أذنه وهو مستعد لأن يمزق ورقه من أجل النجمة والعربون.. والمخرج شخص أحمق يصرخ غالبًا وتداعبه فتاة تجلس إلي جواره كما لو أنها من جواري ملك في عصور مضت ولن تعود.

الظاهرة إذن عامة، ولا تقتصر علي فئة دون غيرها، لكن الإلحاح المتكرر في هذه الأيام يتعلق بالصورة النمطية للحزب الوطني.. خصوصًا أن الأعمال ــ علي اختلاف أنواعها ــ تميل إلي الانغماس في السياسة أو هي بأكملها أعمال سياسية.. ومن ثم يتكثف الإحساس بالظلم لدي أعضاء الحزب.. وتمتلئ صدورهم بغضب من محطات التليفزيون الرسمية والخاصة.

إذا تذكر المسئولون عن هذه الأمور أنهم أعضاء في الحزب الوطني وأن من أتوا بهم في مواقعهم هم من الحزب الوطني فإنهم قد يتخذون إجراء ما.. علي الأقل لكي يدافعوا عن أنفسهم.. إلا إذا كانوا يعتقدون أنهم الاستثناء الوحيد من فيالق أصحاب الكروش والأعين الحولاء.
 
الموقع اٌلإلكترونى : www.abkamal.net
 
البريد الإلكترونى  : [email protected]