الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فاروق.. المحير!




يحيرنا الوزير فاروق حسني.. ونحيره.. أظنه لا يعتقد أو يتوقع من أي من الصحف أن تمتدحه الآن.. بينما واحدة من أهم كنوز ممتلكات الدولة الفنية قد (أخذها غراب وطار) .. كما أنه ليس عليه أن يتوقع من الصحافة أن تخلي مسئوليته مما وقع.. حتي وإن كان رئيس قطاع الفنون التشكيلية هو المسئول الأساسي عن الإهمال الجسيم الذي أدي إلي وقوع السرقة.. وربما إلي ارتباك تصريحات الوزير في ما بعد السرقة وحديثه عن أن اللوحة قد عادت.

وأوجه الحيرة عديدة.. وأولها أنه باعتباره مسئولاً له حيثية قانونية، يواجه مسألة قانونية، يتعامل مع التحقيق في السرقة بالطريقة القانونية.. أي أننا لا نتوقع من الوزير أن يذهب مثلا للنائب العام ليقول أنا المسئول، بالتأكيد سوف يظهر الأوراق التي تثبت أن كل رئيس قطاع مسئول عما يجري في قطاعه، لكن هذه الطريقة القانونية المفيدة في الإجراء.. لا تعني أنه يمكن أن نخلي الوزير من مسئوليته المعنوية والسياسية.

يحيرنا الوزير لأنه قام في تاريخه الوزاري الممتد بأعمال مختلفة بطول البلاد وعرضها، أقله مثلاً أن متحف محمود خليل لم يكن علي هذا الرونق من البهاء والتنظيم - بغض النظر عن خروق نظام التأمين - قبل أن يعيد فاروق حسني تجديده وتقديمه.. فقد كان فيما مضي مكتباً تابعاً لشئون الرئيس السادات الإدارية، ولكن الوزير في ذات الوقت ومع تكرار الوقائع المزعجة في مسألة التأمين لم يتدخل مباشرة وبيده لكي يعمم أساليب الدقة والمتابعة، كما لو أن عليه أن يختار الشخص ويعطيه الصلاحيات وينتهي الأمر عند هذا.

يحيرنا الوزير لأنه يتيح الفرص لشخصيات مختلفة، في قطاعات مختلفة.. ورغم ذلك فإن دائرة شخصياته قد ضاقت في السنوات الأخيرة، وحتي لو كان محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية مداناً.. وفقاً للوثائق التي أعلنها الوزير فإنه - أي المحير - يكون مسئولاً عن أن أجهزة وزارته لم تتابع رئيس القطاع ممنوح الصلاحيات.

يحيرنا فاروق حسني لأنه رجل مستنير.. ولأنه صاحب رؤية ضد التطرف.. ولأن منتوجه الثقافي ـــ اختلفت أو اتفقت معه ـــ يتميز بأنه عصري ومميز.. لكنه من جانب آخر منتوج تنسي وزارة الثقافة بعد أن تقدمه أن ترعاه وأن تديره، وأن تتيقن من أنه لا يتعرض للإهدار .

يحيرنا الوزير لأنه بطبيعته مصلح ولكنه يبدو كما لو أنه يرفض أفكار الإصلاح.. ولأنه بطبيعته مبادر ولكنه توقف عن أن يبادر.. ولأنه كان يريد أن يكون مديراً عاماً لليونسكو أي قيماً علي تراث العالم.. فكيف به لا يكون قيماً بنفس الدرجة علي تراث بلده الذي هو كان من أهم من نفض عنه الغبار.

حتي تنتهي الحيرة، وبغض النظر عن تعامل الوزير معها من النواحي القانونية، وبغض النظر عن أن محسن شعلان سوف يثير صخباً في التحقيق لكي يحمي نفسه واسمه.. هذا تصرف طبيعي، وبغض النظر عن أن اللوحة عادت أو لم تعد.. فإن علي الوزير في الفترة المتبقية من عمله الوزاري أن يتبني مبادرات من هذا النوع الذي بني به تاريخه.. أن يقدم للرأي العام زخماً من الأفعال ذات الطابع الذي يمكن أن ينسينا ثغرات مختلفة.. أن يعيد لأم ما انفرط نتيجة تخاذل بعض من حوله أو بعض من يعملون تحت سلطاته وقد منحهم صلاحياته.

ننتظر من فاروق حسني الإعلان عن مبادرة متسعة وشاملة لتأمين كل التراث الثقافي المصري، أياً كان مصدره، وأن يتبني مبادرة لاستيعاب كل أفكار الإصلاح والتطوير.. وأن يكون كما بدا متسع الصدر مفتوح الأفق.. علي الأقل لكي يحمي إنجازه وهو كبير.. غير أن هذه التعرضات والانتكاسات المفاجئة تسبب نسياناً يمكن تفهمه لما تم إنجازه.
هذه كانت تحية للوزير.. وأيضا ملاحظة عليه.. ونداء إليه، وليست تلك محاولة منا لأن نحيره كما يحيرنا.
الموقع اٌلإلكترونى : www.abkamal.net

البريد الإلكترونى : [email protected]