الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

هل يستحق الجيش المصرى أن يحمل لقب «عسكر»؟!




كتب - مصطفى عرام

«يسقط يسقط حكم العسكر».. هتاف عرف طريقه إلى حناجر الثوار فى الميادين، فى لحظات اختلطت واختلفت فيها حسابات الجميع، فبعد أن قامت الثورة فى الـ25 من يناير، كان ان رحل مبارك فى الـ11 من فبراير، وكان من العوامل المهمة والمؤثرة فى رحيله الجيش المصرى، فهتف الثوار بعدها بأسبوع واحد فقط «الجيش والشعب.. إيد واحدة»


مولد الهتاف

،ثم بدأت الاحداث تتجه ناحية ترشيح شخصيات لمنصب رئيس الجمهورية، كان على رأسها الفريق أحمد شفيق، فهاج وماج الثوار رافضين ترشحه، ناسبين إليه «موقعة الجمل»، وحينها كان الفريق شفيق يلقى تأييدا من المجلس العسكرى (برئاسة طنطاوى)، فظهر هتاف «يسقط يسقط حكم العسكر»، وتصاعدت المطالب فى الميادين وصولا إلى محاكمة مبارك، فبدأت محاكمته، ثم المطالبة بالحد الأدنى، ثم بدأت الأمور تتجه إلى مواجهات مباشرة بين الثوار وجنود القوات المسلحة الذين لا دخل لهم فى امور السياسة، بعد ان كانوا هم من يحمون الثوار من البلطجية ومحاولات التعدى عليهم، ليعود الهتاف إلى الظهور من جديد «يسقط يسقط حكم العسكر»، فى حين كان الإخوان قد تركوا كل هذا وذهبوا إلى الجلوس مع المجلس العسكرى والمعارضة والقوى الإسلامية الذين كانوا بمثابة حصان طروادة، ونجح الإخوان فى الدفع بهم إلى الميادين ليهتفوا أيضا «يسقط يسقط حكم العسكر» كلما حدث خلاف مع المجلس العسكرى. 

لتأتى أحداث ماسبيرو التى كانت بمثابة ضربة قاصمة وقاسمة، استغلها الاخوان وبعض المعارضين فى التفاوض والصعود إلى سدة الحكم، كان الإخوان فى هذه الفترة يستخدمون كل ما أمكن من وسائل للسيطرة على الشارع فى الانتخابات من اجل دخول البرلمان، وفى مليونية قندهار، استغل الاخوان الجمعات الإسلامية كالعادة بحجة ان مواد الجيش فى الدستور خطأ..وهتفوا بكل قوة «يسقط يسقط حكة العسكر»، وبالفعل أرغموا المجلس على الغائها، وعندما لم يتم تسليم السلطة بعد وضع الدستور، افتعلوا محمد محمود، التى راح ضحيتها اكتر من اربعين شخص، وبالضغط بالماء تحددت انتخابات الرئاسه ونسوا الدستور وهللوا فرحا.
ثم أصبحوا يستغلون الهتاف فى أحداث تالية منها:

أحداث مجلس الوزراء التى حدث فيها من عنف من الطرفين، وتوالت الايام والاسابيع وهم لا يشاهدون اى شىء الا ان يسقطوا ما يسمونه حكم العسكر وجاءت اجواء انتخابات الرئاسية.. وظهر عمر سليمان، وبدأ الرعب يتغلغل فى صفوف الاخوان وفزعوا وهبوا ومرروا قانونا فاسدا للإطاحة بسليمان. وعندما انتهت الجولة الاول من الانتخابات الرئاسية وبقى وبقى شفيق ومرسي، ظهر الهتاف مرة أخرى.

العسكر فى اللغة

لكن.. حقيقة الأمر ان كلمة العسكر فى حد ذاتها.. لم تكن أبدا ترمز إلى جيش مصر على مر العصور، ففى «لسان العرب»، العَسْكَرةُ: الشدة والجدب؛ قال طرفة بن العبد: (ظلَّ فى عَسْكَرةٍ من حُبِّها، ونأَتْ شَحْطَ مَزارِ المُدَّكِرْ)، أَى ظلّ فى شدة من حُبّها، والعَسْكَرُ كلمة جمع، أصلها فارسي؛ قال ثعلب: يقال العَسْكَرُ مُقْبِلٌ ومُقْبِلون، وقال ابن الأَعرابي: العَسْكر الكثيرُ من كل شيء. يقال: عَسْكَرٌ من رجال وخيل وكلاب.

وقال الأَزهري: عَسْكَرُ الرجلِ جماعةُ مالِه ونَعَمِه؛ وإِذا كان الرجلُ قليلَ الماشية قيل: إِنه لقليل العَسْكَرِ. وعَسْكَرُ الليلِ: ظلمته؛ وعَسْكَرَ بالمكان: تجمَّع، والعَسْكَر مُجْتَمَعُ الجيش، والعَسْكَرانِ عرفةُ ومِنى، والعَسْكَرُ الجَيْش؛ وعَسْكَرَ الرجلُ، فهو مُعَسْكِرٌ، والموضع مُعَسْكَرٌ، بفتح الكاف، وعَسْكَر مُكْرَم: اسم بلد معروف، وكأَنه معرب.

أما فى (القاموس المحيط)، فالعَسْكَرُ: الجمعُ، والكثيرُ من كلِّ شيءٍ، وهو فارسيٌّ، و~ من الليلِ: ظُلْمَتُه. والعَسْكَرانِ: عَرَفَةُ ومِنىً، والعَسْكَرَةُ: الشِّدَّةُ، والجَدْبُ، وعَسْكَرَ الليلُ: تَرَاكَبَتْ ظُلْمَتُه، وعسكر القومُ: تَجَمَّعُوا، أو وَقَعُوا فى شِدَّةٍ، والمَوْضِعُ: مُعَسْكَرٌ، بفتح الكافِ، وعَسْكَرٌ: مَحَلَّةٌ بنيسابورَ، ومَحَلَّةٌ بِمِصْرَ، منها: محمدُ بنُ عليٍّ، والحسنُ بن رَشيقٍ العَسْكَرِيَّانِ، وبالرَّمْلَةِ، وبالبَصْرَةِ.

وفى (تاج العروس)، العَسكَرُ: الجَمْعُ فارِسِيٌّ عُرِّبَ وأَصلُه لَشْكَر، ويُرِيدُون به الجَيْشَ ويَقْرُبُ منه قول ابنِ الأَعْرَابِيّ إِنّه الكَثِيرُ من كُلِّ شيْءٍ . يقال عَسْكَرٌ من رِجال ومالٍ وخَيْل وكِلابٍ وقال الأَزهريّ : عَسْكَرُ الرجلِ جَماعَةُ مالِه ونَعَمِه، إِنّه لقَلِيلُ العَسْكَر قيل: إِنّه فارِسيٌّ أَصله لَشْكَر كما تقدّم.

إذا، فإن المعاجم تحيل اصل الكلمة إلى اللغة الفارسية، بينما يشير البعض إلى أن كلمة «عسكر» هى فى الأصل كلمة تركية تعنى جمع عسكري، أى المتطوع للعمل فى الجيش بأجر. هذا أصل التسمية. وقد أخذ العرب هذه التسمية من «الروم» أى «الأتراك» حاليا. وكان ذلك واضحا فى تسمية «مدينة العسكر» التى أنشأها صالح بن على أول والى للعباسيين فى مصر شمال الفسطاط وكانت فى البدء مقصورة على الجنود العباسيين، وهى إحدى المدن التى شكلت قاهرة المعز فيما بعد. ولا يعرف أحد ما هو السبب الذى جعل العباسيين يستخدمون كلمة عسكر، رغم أن اللغة العربية كان فيها كلمة «جند» (جمع جندي) وهناك حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذى قال فيه (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيرا ، فذلك الجند خير أجناد الأرض)، وفى هذا الحديث نجد كلمة «جند» وهى جمع «جندي»، وكلمة «أجناد» وهى جمع «جند».

إذا فالكلمة تتأرجح فى اصولها بين الفارسية والتركية، وإذا كانت تنتمى إلى إحدى اللغتين، فربما أخذتها عنها اللغة الأخرى، ومن ثم انتقلت إلى اللغة العربية التداخل والفتوحات وانتقال الكثير من الفرس والأتراك إلى البلاد العربية سواء لطلب العلم أو الاستقرار والإقامة أو لغرض التجارة أو حتى للانضمام إلى الجيوش العربية.

ومن يقول إن الجيش المصرى «عسكر» فهو لا يعرف شيئا عن تاريخ بلده، بل ولا لغتها التى يظنّ أنه يجيدها، كما أنه لا يحقّ له أن يعيش فى مصر أو ينتسب إليها لأن هذا الجيش الذى يسمونه «عسكر» هو الذى يحمى أراضى مصر ويدافع عن حدودها برّا وجوّا وبحرا، وهو الذى يضمن حرية وسلامة المصريين على أراضيهم وعدم تعرضهم للعدوان من الخارج، وإذا وقع التعرض قام بالدفاع عنهم. فإذا وصفوه بعد ذلك بأنه «عسكر» إذن فهم لا يستحقون أن يبقوا يوما واحدا على أرض دولة يحميها مرتزقة، وإذا بقوا فهم أشدّ نفاقا، أليس غباء أن يثق الشخص فى مرتزقة يعلم أنهم يعملون لحساب من يدفع أكثر؟ 

العسكر قديما

وتشير المصادر كذلك إلى ان الاستخدام الكثيف لهذه الكلمة كان فى فى عهد الدولة المملوكية فى مصر لمدة نحو قرنين ونصف القرن من الزمان، من سنة 1250 عندما جلست شجر الدر على عرش مصر حتى سنة 1517 عندما غزا الاتراك (العثمانيون) مصر واحتلوها. فهذه الفترة شهدت حروبا كتيرة وضخمة، بسبب محاولات غزو مصر والمنطقة العربية عن طريق قوى كبرى مثل الصليبيين والمغول. ومن معارك هذه الفترة معارك المنصورة وفارسكور، ومعركة عين جالوت، والأبلستين، ومعركة فتح عكا ووادى الخزندار، ومرج الصفر وغيرها.

وكان الجيش فى هذه الفترة يتألف من طبقتين، الأولى المماليك السلطانية وأجناد الحلقة. المماليك السلطانيه كانوا مماليك السلطان المميزين الذين يدينون بالولاء له، فكان منهم فئة المقربين إليه وخاصكيته. وكانوا فى المتوسط نحو 1000، وكانوا هم خلاصة العسكر وحراس السلطان، وبالمفاهيم السائدة الآن كانوا مثل الحرس الوطنى والقوات الخاصة.

الفئة الثانية من العسكر هم «أجناد الحلقة»، وكان عددهم ضخما وكانوا بوجه عام مصريين، مع عناصر أخرى غير مماليك، وكانوا يخدمون فى مختلف الفروع، ويعتبرون قلب الجيش المصرى، وعموده الفقرى غير مماليك.

بينما كانت توجد فئة ثالثة تنضم للجيش وقت الحروب، وهى فئة يمكن أن تسمى «عساكر الاستدعاء»، (الرديف: مثل عساكر الاحتياط حاليا)، وهم كانوا عامة المصريين، يعيشون فى قرى فى نواحى مصر، ويتم استدعاؤهم للانضمام للجيش وقت الحرب، ومن ضمنهم كان يوجد عسكر ينتمون لفئة أجناد الحلقة.

كان العباسيون أول من اتخذوا من المماليك جندا وذلك فى القرن التاسع. وكانوا من العبيد البيض غير المسلمين. وقد أسروا من تركيا البيزنطية وشرق أوروبا والقوقاز. وكانوا يتخذون جندا للحرب فى حركات الانفصال.عملا بحكم منع المسلمين من أن يتقاتلوا مع أنفسهم. وبعيدا عن الإنتماءات القبلية أو الحركات الانفصالية كان هؤلاء المماليك ولاؤهم لسيدهم أو أستاذهم كما كانوا يسمونه. وبعد إسلامهم تدربوا على الفروسية. ولم يعودوا عبيدا، لكنهم ظلوا فى خدمة السلاطين كحرس سلطانى خاص يدافعون عنه ضد أى تمرد. وكثير منهم من ارتقى لأعلى المناصب القيادية بالسلطنة. وتولى المماليك حكم مصر. وفى أثناء حكمهم كانوا يشترون المماليك لقواتهم. وكانوا يعتبرون أنفسهم أصحاب مصر وملاكها، وقد وزعوا أرضها فيما بينهم وكانوا يسخرون الفلاحين للعمل فيها.

بداية الجيش المصرى الحديث

وعلى الصعيد العسكرى بعد الحملة الفرنسية.. كان بمصر ثلاث قوى عسكرية قوات المماليك والبدو فى الصعيد والثانية قوة الأتراك العثمانيين ومعهم قوة ثالثة قوة الألبان (الأرناؤط) وكان بينها محمد على قد أتى معها شابا عام 1799وكان عمره وقتها ثلاثين عاما، ومحمد على من مواليد تسالونيك بشمال اليونان وأصله من ألبانبا، عاش فى قولة كبائع للدخان واشتغل جابيا للضرائب وهذه الوظيفة طبعته بالقسوة التى لازمته طوال حياته.

كان أول جيش نظامى حديث فى عهد محمد على (تولى عام 1805)، وغير العقيدة القتالية بإحداث التوازن العسكرى ولاسيما بعد فتحه للسودان. وكان أكبر تاجرمورد للعبيد للجيوش العالمية والسلطنة والجيش. وكانت نظريته أن أولاد البلد سيحافظون عليها، كما أن جيشه كان يتكون من فرسان ومدفعية ومشاة وبحرية وفرسان من القوقاز والمشاة من السودانيين يجيدون الرمح. فلقد بدأ محمد على بتكوين أول جيش نظامى فى مصر الحديثة يضم الشركس والألبانيين والسودانيين والمصريين. وكان بداية العسكرية المصرية ومما ساعده فى تكوين هذا الجيش أن أشرف عليه الخبراء الفرنسيون بعدما حل الجيش الفرنسى فى أعقاب هزيمة نابليون فى وترلوا وروسيا. وإنشاء الترسانة البحرية بالقاهرة والإسكندرية.

مدينة العسكر

مدينة العسكر هى المدينة التى أسسها صالح بن على أول وال للعباسيين فى مصر سنة (133 هـ - 750 م) شمال الفسطاط وانتهى منها عام 135هـ وهى أحد المدن الثلاثة التى كونت قاهرة المعز.وكانت فى البداية مقصورة على الجنود العباسيين، ولعل هذا السبب الذى جعل الناس يطلقون عليها العسكر، واستمر ذلك الحال حتى جاء السرى بن الحكم واليا على مصر عام (201 هـ - 816 م) فأذن للناس بالبناء فتهافت الناس على البناء بالقرب من مقر الحكم ونمت المدينة حتى اتصلت بالفسطاط.

أخيرا

فإن الجيش المصرى الوطنى تألف من جنود ينتمون للشعب يذهبون إجبارا لقضاء فترة الجندية التى تتراوح من سنة الى ثلاث سنوات؛ وبما ان كلمة العسكر دوما تطلق على العسكر فى العصور الوسطى خاصة العصر المملوكى، الذين عاثوا فسادا فى البلاد و جمعوا الضرائب غصبا من التجار وسرقوا ونهبوا البيوت محتمين محصنين بسلطانهم، وبذلك اكتسبوا عن جدارة كره وبغض عموم المصريين، فأصبحت كلمة العسكر كلمة ذات مدلول كريه فى النفس  المصرية.

لكن.. شاءت الأقدرا ان يتغير المدلول على يد نظام حكم الإخوان، فمثلما نجحوا فى إفساد العلاقة بين الجيش والشعب لفترة، كانوا أيضا هم السبب فى عودة هذه العلاقة أكثر متانة وقوة، فبعد تجربة عام من حكم الإخوان، كانت المؤسسة الوحيدة المتماسكة القادرة على تنفيذ طموحات ومطالب الشعب فى الوصول إلى حكم ديمقراطى بعيدا عن محاولات الأخونة وفرض الأمر الواقع.. هى المؤسسة العسكرية، ومن ثم توالت الدعوات من القوى السياسية والأحزاب والثوار إلى الجيش نظام حكم الإخوان بما فيه رئيسهم، ولما استجاب الشعب لـ»تمرد» كأمل أخير ووقع استماراتها، ونزلوا بكثافة فاقت مظاهرات ثورة 25 يناير، وعادت الهتاف إلى الميدان «الجيش والشعب إيد واحدة»، كان ان لبت القوات المسلحة بمجلسها العسكرى برئاسة السيسى وزير الدفاع، نداء شعبها رأفة به ونزولا على رغبته بعد عام من الأزمات المهلكة، وخرج وزير الدفاع السيسى ليمنح القوى السياسية فرصة الاتفاق على خارطة طريق وتنفيذ مطالب الشعب، ولما انقضت المدة ولم تبد الرئاسة حينها اهتماما بالنداء، خرج الفريق السيسى فى الـ3 من يوليو ليعلن عزل نظام حكم الإخوان ويضع خارطة طريق ترسم مستقبل الوطن وصولا إلى نظام حكم ديمقراطى.. ليتحول إلى رمز وايقونة للزعامة، ربط الشعب بينه وبين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

والآن.. عندما يعود الهُتاف المناهض مرة أخرى ضد الجيش المصرى ومجلسه على استحياء.. فإن المستفيد الوحيد أصبح معلوما ولا حاجة لنا لذكر اسمه.. لأن الشعب سيظل يهتف «الجيش والشعب إيد واحدة».