الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

المسيح وثورة التحرير والتنوير!




القس - رفعت فكرى سعيد

راعى الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف
[email protected]
 

لا يختلف القاصى والدانى على أن السيد المسيح شخصية فريدة متميزة فى كل شئ، لم لا وهوكلمة الله، فلقد ولد السيد المسيح من عذراء لم يمسسها بشر دون سائر الناس، كما أنه عاش حياة طاهرة نقية ولم يتلطخ بالأوزار والآثام، فكان معصوماً من كل خطأ فى سيرته وسريرته، وصنع معجزات مبهرات من خلق وشفاء وإبراء للأكمه والأبرص وإقامة الموتى، وبتأمل هادئ فى حياة السيد المسيح نجد أنه كان مصلحاً ثورياً بكل ما تحمله العبارة من معان، يقول عنه جرهام مادوكس أستاذ العلوم السياسية جامعة نيوإنجلاند، أستراليا:  « لقد انحاز أنبياء بنى إسرائيل للفقراء فى وجه الظلم المنظّم من قبل النُخب الحاكمة، وجاء السيد المسيح ليقف بقوة فى هذا التراث النبوي، ولكن ليس فقط لينحاز للفقراء بل إنه - بمولده فى مزود للبقر والحياة البسيطة التى عاشها- صار واحداً منهم» وفى تعاليمه جعل السيد المسيح مشاركة الغنى للفقير فرض عين لا فرض كفاية فلم يتكلم عن الإحسان بل نادى بالمشاركة، لا كفرض واجب بل فريضة قلب وحب، فالعطاء لابد أن يكون دافعه من وحى الضمير والفؤاد.

وكان خلاص الإنسان وتحريره هومحور رسالة السيد المسيح فلقد اهتم بتحرير الإنسان من عبودية الخطيئة، ومن الخوف، فعند مولده بشر الملاك الرعاة ببشارة الفرح قائلة لهم: «فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: إنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِى مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ» (لوقا 10:2-11» ولذلك فإن المؤمنين بالمسيح لايخافون من إرهاب، ولا يخشون من قتل، ولا يرتعبون من ترويع. 

كما اهتم المسيح بتحرير الانسان من جهله ومرضه، فبميلاد المسيح ولدت الحرية فى العالم، لأنه أول من نادى بأبوة الله لجميع البشر لأنه هوخالقهم فى أروع صورة، كما تصدى السيد المسيح ووقف بكل صرامة ضد كل القوانين البالية التى تنتهك كرامة الإنسان وتصدى بكل حزم لكل الشرائع المتخلفة التى تجعل من الإنسان وسيلة لا هدفاً، وقاوم متطرفى عصره الذين حاولوا أن يستغلوا الإنسان باسم الدين وباسم الله، لقد عاش السيد المسيح فى عصر ساده التطرف الدينى من رجال الدين اليهود ومعلمى الشريعة والناموس، وهؤلاء القوم كان كل قصدهم وجل غايتهم هوتطبيق الشريعة بغض النظر عن مراعاة حقوق الإنسان ووضعها فى الاعتبار، فمثلاً لكى يحافظوا على تطبيق شريعة يوم السبت بعدم العمل كانوا يمنعون أى عمل حتى ولوكان متعلقاً بشفاء مريض فكان السيد المسيح يكسرحرفية شريعة السبت ويشفى المرضى وكان يقول للمتزمتين والمتطرفين: «إن السبت جُعل لأجل الإنسان وليس الإنسان لأجل السبت»، كما أن الأصوليين الدينيين فى عصره احتقروا الطفل وازدروا بالمرأة إلى الدرجة التى فيها كان يقف الرجل اليهودى يومياً وهويصلى شاكرا الله أنه خلقه رجلا وليس امرأة، فكانت المرأة مبغضة ومرذولة وكان من حق الرجل أن يطلقها لأتفه الأسباب حتى ولو زاد الملح قليلا فى الطعام! المتزمتون والمتطرفون أيام المسيح كانوا يريدون تطهير المجتمع دون أن يفكروا فى تطهير ذواتهم! كانوا يبغون إصلاح الغير دون أن يفكروا فى الالتفات إلى أنفسهم، كانوا يريدون أن يخرجوا القذى من عين الآخرين بينما الخشبة تسد عيونهم! ولعل أكبر دليل على فسادهم أنهم ذات يوم أمسكوا امرأة زانية وأتوا بها إلى السيد المسيح دون أن يأتوا بالرجل وقالوا له: إن هذه المرأة أمسكت وهى تزنى وموسى النبى أوصانا أن مثل هذه ترجم فماذا تقول أنت ؟ وتوقعوا من السيد المسيح أن يقوم برجمها كما تقول الشريعة اليهودية أو أن يطلق سراحها دون عقاب، وفى كلتا الحالتين سيصطادوه فى شباكهم فهوإما أنه لم يأت بجديد أو أنه يبيح الفساد والزنى، ولكن السيد المسيح الذى علم مكرهم انحنى إلى الأرض وكتب ثم نظر لكل واحد منهم وهم رجال الدين الأقوياء الأشداء فى تزمتهم الذين يبغون تطبيق الشريعة وقال لهم قولته الشهيرة الأثيرة: «من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر» وهنا سقطت الحجارة من أيديهم لأن أيديهم كانت تقطر دماً، وزاغت نظراتهم لأن عيونهم كانت ممتلئة بالزنى، وتركوا أماكنهم لأن الخزى غطى وجوههم فانسحبوا واحداً تلوَ الآخر بدءاً من الشيوخ إلى الآخرين، فالتفت السيد المسيح إلى المرأة التى كانت محطمة من كل وجه أدبياً واجتماعياً ونفسياً وحرص السيد المسيح ألا يزيدها تحطيماً فقال لها: أين هم أولئك المشتكون عليك ؟ أما دانك أحد؟ فأجابت: لا، قال لها المسيح: ولا أنا أدينك اذهبى ولا تخطئى ثانية، لقد استطاع السيد المسيح برحمته بالخطاة أن يصلح مسارهم ويغير حياتهم دون أن يريق دماءهم! لقد أحب السيد المسيح الإنسانية جمعاء وبذل نفسه وحياته لأجلها وفى محبته لم يفرق بين إنسان وآخر لا على أساس دين أوجنس أومذهب أولون أوعقيدة، ما أحوج المهتمين اليوم بإعطاء الأولوية المطلقة لإقامة الشعائر الدينية أن يدركوا  أن الطريق إلى إرضاء الله لا يمكن أن يكون إلا من خلال محبة حقيقية للإنسان الآخر أيا كان دينه أومعتقده، وأن علاقة الإنسان بأخيه الإنسان لهى أهم عند الله ولها الأولوية عن ممارسة الشعائر، وما أحوج المنادين اليوم بتطبيق الشرائع والمتذرعين بها أن يعلموا أن الشرائع وجدت لمصلحة الإنسان وليس العكس فكرامة الإنسان فوق الشعائر والشرائع بل وفوق حرفية النصوص !