الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الكردى: تطوير الأداء يستلزم إلغاء وزارة الثقافة




حوار- أحمد سميح

برؤية الناقد المحلل لحال الثقافة المصرية يلخص الشاعر الدكتور عبد الرحيم الكردى أحوالنا الثقافية بعبارته الشهيرة «نحن نعيش على صنيعة الموتى»، تلك العبارة التى تحمل بين طياتها الكثير من المعانى والإسقاطات، خاصة أن قائلها  له ما يقرب من عشرين مؤلفا تتنوع موضوعاتها حول بنيان اللغة العربية ومناهج النقد إجمالا وبين مجالات الرواية والقصة القصيرة والسرد، فهو يشغل منصب مدير مركز اللغة العربية والترجمة بجامعة قناة السويس، أحد مؤسسى الجمعية المصرية للسرديات ورئيس مجلس إدارتها الحالي، كما شغل منصب العميد المؤسس لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة قناة السويس، كما شغل غيرها الكثير من المناصب التعليمية، وهو إلى جوار تاريخه الطويل فى مجالى اللغة العربية والتربية صاحب رؤية تاريخية ناقدة لأحداثنا وأحوالنا الثقافية، فى «روزاليوسف» تحاورنا معه وتطرقنا لقضايا وهموم الثقافة المصرية ومثقفيها، بحثا عن مواطن الخلل فيها وسبيل رقيها.. فإلى نص الحوار:

■ لك مقولة شهيرة وهى «إننا نعيش على صنيعة الموتى» كيف تفسر ذلك؟

- أرى أن قامة مصر الثقافية التى تشغلها وعرفها العالم ليست صنيعة الشباب والأحياء الذين يعيشون فى العصر الحاضر وإنما من خلال قراءاتهم لما فعله المصريون القدماء والذى بهر العالم أجمع، فإذا ذهبنا إلى أى عاصمة من عواصم العالم نجد أن الطفل الصغير يعرف عن حضارة مصر أكثر مما يعرفه أصحابها، نتيجة لدراسته لذلك فى مراحل الدراسة المتعددة، ونتيجة لأن المتاحف الغربية تكاد تكون متاحف مصرية، فإذا ذهبنا إلى متحف فى أى مدينة من المدن البريطانية على سبيل المثال نجد أننا يمكن أن نسميه بالمتحف المصري، لأن أغلب الأعمال الموجودة به أعمال مصرية، وبالتالى أرى أن الذى صنع لمصر هذه القامة الكبيرة حول العالم ليس الأحياء، أو أنهم بشكل آخر لم يكونوا بقامة القدماء المصريين، ولو أن المصريين المعاصرين أبدعوا كما أبدع أجدادهم لكانت مصر الآن قد تقدمت على دول العالم المتقدمة.

■ وكيف ترى صنيعة الحضارة المصرية وتأثيرها على غيرها من الحضارات؟

- الكتاب الفرنسيون كتبوا كتابا عن القصة المصرية القديمة والرواية وترجموا فيها أجود ما كتبه العالم القديم فى فن القصة، وكذلك فى الشعر عندما نقرأ الغزل المصرى القديم خاصة غزل السيدات للرجال وكيف ترجم إلى اللغة الفرنسية، فالغزل المصرى القديم لم يكن فقط تغزلا من الرجل تجاه المرأة وإنما العكس، نجد ذلك أيضا فى قراءانا للحكم التى ترجمت من الثقافة المصرية القديمة والتى تكاد تكون معاصرة، شكاوى المصرى الفصيح التى تعد أول دستور فى العالم، والتى ترسم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، المشكلة أن التراث المصرى القديم سرق، وهو ما ذكره  كاتب الانجليز واصف بأن اليونانيين أخذوا عن المصريين و أنكروا ذلك، فالمصرين أبدعوا أدبا وأبدعوا هندسة وأبدعوا رياضيات، وفلسفة.
 
■ ألا ترى أن نظريتك تلك فيها ظلم لأدباء مصر خاصة فى فترة الستينيات وما بعدها وصولا إلى الوقت الحالي؟
 
- ليس ظلما، فما قدموه ليس فى قامة مصر، قامة مصر اكبر مما قدم حتى الآن، حتى الذين أبدعوا على المستوى المحلى عندما يقرأون على المستوى العالمى لا ينظر إليهم ﻷسباب، منها أنهم يصدرون إلى الغرب بضاعة، فعندما تمرد قامة كبيرة جدا وأكثر شعراء الستينيات إبداعا وهو صلاح عبد الصبور كاتبا قصيدته التى يقول فيها «وشربت شايا فى الطريق» عندما يقرؤها المصرى يرى أن فيها جديدا ﻷنه كسر عامود القصيدة العربية وأتى بشيء شعبى من الشارع، لكنه عندما يقرأها القارئ اﻷمريكى مثلا ويكون قد قرأ للشاعر العالمى إليوت قبل ذلك وهو يقول أيضا «وشربت قهوة فى الطريق»، فماذا سوف يرى من جديد، ما سيراه هو تقليد وليس ثورة على التقليد، إذا هذا هو السر أننا عندما نصدر ونترجم إلى اﻻخر نترجم له بضاعة هو الذى أنتجها وكأنه حين يقرؤها يقول «بضاعتنا ردت إلينا».

■ وكيف ترى الوضع الثقافى المصرى ودور وزارة الثقافة؟

- فالوضع الثقافى سيئ جدا، فقد زرت معظم بلاد العالم وكنت مديرا لإحدى المؤسسات الثقافية فى مصر والتى تنتمى لدولة أخرى، فقد كنت مديرا لمعهد كونفيشيوس للثقافة وكنت اذهب كل شهرين أو ثلاثة لحضور دورات فى إدارة الثقافة، كيفية إدارة الثقافة وكيفية النشر وغير ذلك، فوزارة الثقافة مقصرة، وما تقوم به عبث وإهدار للمال العام، والإدارة الثقافية تخدم نفسها ولا تخدم المثقفين، ولأوضح ذلك أخذكم معى لقصة حدثت معي، فقد كنت فى إحدى السنين عميدا لكلية كانت منشأة حديثا، وقمنا بتعيين ثلاثة أو أربعة أعضاء هيئة تدريس، فاضطررت تحت وطأة كثرة الموظفين فى الجامعة أن انقل إلى هذه الكلية 170 موظفا، وبالتالى أصبح فيها إدارة لشئون العاملين لإدارتهم وصراف رواتبهم، وهكذا، تتوالى الأمور،  فهؤلاء الموظفون مثلهم مثل الثقافة لا هم لهم إلا خدمة أنفسهم، لو أنهم ذهبوا وبقى اثنان او ثلاثة من الموظفين لكانوا قد كفوا، هكذا وزارة الثقافة أصبحت وحدة مجموعة من الموظفين لها ميزانيتها الخاصة، لها مشاكلها الداخلية، تنشر كتبها، تروج لنفسها، وهى فى واد والمثقفون فى واد آخر.

■ وكيف نعمل على تطوير أداء دور الثقافة المصرية ووزارة الثقافة؟

- بإلغاء وزارة الثقافة، والبديل من خلال مجلس أعلى للثقافة، هذا المجلس يكون من المثقفين حتى ولو كان من غير ميزانيات، حتى لا يحدث عليه تنافس، ولا يكون أعضاؤه بالتعيين لأن التعيين مفسدة، بدأ من المؤسسات الثقافية من الأسفل، وننظر للمشكلات الحقيقية للثقافة المصرية والمجتمع، ننظر للثقافة الحقيقية للمجتمع المصري، لسلوكياته، وهذا المجلس يكون له سلطة لكل شئون الثقافة فى التعليم والإعلام، لأنه اذا كانت هناك خطة ثقافية مثلا لمدة عشرين عاما لإصلاح سلوكيات الإنسان المصري، فالأزمة فى مصر ليست ازمة سياسية او اقتصادية بل هى أزمة ثقافية، تخيل مثلا الأزمة الثقافية تجاه الرشوة، عندما يستحل احد الرشوة ويعتبرها حلال ولا تحط من منزلته، ولا ترتعش يده وهو يأخذها ذلك ثقافة، عندما يذهب الموظف إلى عمله ولا يعمل ذلك ثقافة أيضا، ثقافة العمل، عندما يلقى إحدى القاذورات فى الشارع، وهكذا كل ذلك ثقافة، حتى الملبس، فعندما نرى الفتاة فى مصر تلبس منة أعلى لبسا إسلاميا، ونصفها الأسفل باريسى فهذا معناه تشويه وشيزوفرينيا ثقافية.

■ وكيف ترى دور التربية والتعليم فى النهوض بالمجتمع؟

- الثقافة هى اﻷهم والأوسع فهى تشمل كل شيء حتى السلوكيات لدى الكبار والصغار، أما التربية فهى جزء أساسى من الثقافة، لكنها ليست كل الثقافة.

■ هل نفتقر إلى النقد فى ثقافتنا المصرية؟

- النقد هو جوهر الثقافة، لان النقد تحقق لأهم شيء فى الإنسان وهى الحرية وليس مجرد ترصد للعيوب كما يراه الناس، أن استطيع إبداء رأيى دون وجود ضغوط سواء كانت على شكل تهديد أو حتى على شكل مرغبات، أن أبدى رأيى بحرية كاملة هو أول درجة من درجات الإصلاح، لكن النقد يحارب منذ دولة محمد على، فلماذا طرد رفاعة الطهطاوى من مصر، طبعا لأنه انتقد، لأنه ترجم رواية «مواقع الفاء فى وقائع تليماك» والتى كانت تنتقد لويس الرابع عشر، لاعتقادهم أن الناس عند قراءتهم للرواية كانوا يضعون الخديوى مكان لويس الرابع عشر، وبالتالى اعتبر أن ذلك انتقادا غير مباشر، ولهذا نفي.

■ وهل يوجد نقاد فى الوسط الثقافى؟

- يوجد نقاد يؤذنون فى زجاجة، لأنه لا تتاح لهم فرصة الإعلام، على الرغم من وجود منافس وليس قنوات أو منافذ ثقافية لا هنا ولا حتى للكاتب المصرى فى الخارج.

■ كيف السبيل لخروج المثقف من عنق الزجاجة كا ترى؟

- مدخله استخدام اﻷقنعة، وهو ما يستخدمه المثقف منذ اﻷزل، عندما تسد أمامه السبل فإنه يحتال، فصلاح عبد الصبور مثلا عندما كتب «الملك والشاعر» فى أيام عبد الناصر لم يسجن بسببها لأنه كتبها بطريقة مغطاة، فالأقنعة والاحتيال الذى يسمع من خلالها صوته ولا يرى، وقد أخذ هذا التيار النقدى فى الشعر يتنامى ويزداد حتى بلغ ذروته مع قيام ثورة يناير.

■ وكيف ترى حال أدباء الأقاليم؟

- مظلومون، فهناك الكثير منهم يعانون من اجل لقمة العيش والكلمة، وبعضهم أفضل بكثير من غيرهم المقيمين فى العاصمة، خاصة أن الثقافة فى مصر مركزية.