الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أسرار رفض د.سامى عبدالعزيز إسقاط ديون المؤسسات الصحفية القومية




فى الدول المتقدمة يقول الطبيب للمريض المصاب بالسرطان «أنت فى المرحلة الثالثة.. ولايوجد علاج لحالتك» أما فى بلادنا فيقول الطبيب لنفس المريض «أنت زى الفُل.. ولست فى حاجة إلى العلاج».. الطبيب فى البلاد المتقدمة صادق وصادم بالحقيقة.. رغم قسوة المواجهة.. والطبيب فى بلادنا مجامل يكتم الحقيقة.. فهو يستف الأوراق ليجمل الصورة.. وربما هذا سر تأخرنا ومفتاح تقدمهم.
ونحن نناقش مشكلاتنا وأوجاعنا لابد أن تكون الأولوية فيما أتصور لمعرفة الداء وتشخيصه مهما تكن المرارة وطعم العلقم.
وإذا كان الأمر كذلك فأولى بنا ونحن نناقش أوجاع ومشكلات المهنة و«المؤسسات الصحفية القومية».. أن نأخذ بمنهج الطبيب فى الدول المتقدمة.
بعد كتابة مقالى الأربعاء الماضى عن «المجلس الأعلى للصحافة والتغيير وإسقاط ديون المؤسسات الصحفية» توالت الردود من شيوخ وشباب المهنة وخبرائها.. ولم تقتصر على الاتصالات بل تعدتها إلى لقاءات معهم ومع بعض المسئولين.. لأهمية المشكلة وخطورتها على مستقبل الصحافة القومية ويبدو أننا ألقينا حجرا فى بحيرة مشاكل الصحافة القومية فتجاوزت مرحلة الاتصالات والمقابلات إلى طرح المشكلة للمناقشة العلنية من خلال المقالات الصحفية وبالأمس كانت مقالة الدكتور سامى عبدالعزيز «بجريدة المصرى اليوم» عميد كلية الإعلام سابقا والخبير الإعلامى المتميز فقد التقيته مرات قليلة وكان اللقاء فى المؤسسة الصحفية التى كنت أعمل بها بإحدى دول الخليج فى إحدى زيارات العمل من الدكتور محمود علم الدين الخبير الإعلامى وكان بصحبته الصديق الدكتور زامل أبوزنادة وهو أستاذ بالجامعة وخبير إعلامى أيضا وكان برفقتهم شخص ثالث عرفنى عليه الدكتور محمود بأنه الدكتور سامى عبدالعزيز وللأمانة كان منصفا وصادقا فى مناقشته معنا وتوصيفه لأوجاع المهنة هذا فى تسعينيات القرن الماضى وقد تأكدت من صدقه بعد الموقف المؤسف الذى حدث معه بعد أحداث ثورة 25 يناير من بعض أبنائه الطلبة وقت أن كان عميدا لكلية الإعلام وتظاهرهم ضده لأنه كان عضوا بلجنة السياسات بالحزب الوطنى «المنحل» وأعلن فى حينه أنه لا يعترض على تظاهر الطلبة ويقدر مشاعرهم وتقدم باستقالته إلا أن رئيس الجامعة رفضها تمسكا بأعراف وتقاليد الجامعة.. وربما غاب عن الطلبة ساعتها أن الدكتور سامى عبدالعزيز فضل الإشراف على الحملة الدعائية فى الانتخابات الرئاسية التى جرت فى العام 2005 للدكتور نعمان جمعة رئيس حزب الوفد الذى يمثل المعارضة والتى حملت شعار «اتخنقنا» وقد تلقى الدكتور سامى تهديدات من أحمد عز لأنه أشرف على حملة الدكتور نعمان جمعة ولم يشارك فى حملة مبارك. وكتبنا وأنصفنا الرجل وأعطيناه حقه وقتها.. ونحن هنا لسنا معنيين بتقييم حملة الدكتور نعمان أو مبارك فى انتخابات 2005 ولكن هو حق الدكتور سامى فى أن نذكر بمواقفه وما تحمله فى سبيلها.
نعود إلى مقال الدكتور سامى أمس حول أزمة ديون المؤسسات الصحفية القومية.. فهو يرى أنه لا فائدة من إسقاط الديون لأنها أى الديون عرض لمرض وقام بتشخيص المشكلة فى عدة أمراض هى:
المرض الأول: وهو الفكرة المسيطرة على معظم قيادات هذه الصحف المتمثلة فى الإبقاء على العديد من الإصدارات الفاشلة بالمقاييس المهنية.
وهنا نسأل ما علاقة العاملين بهذه الصحف بفكر هذه القيادات.. إنهم لم يختاروهم.
المرض الثانى: التواضع الواضح فى الأداء المهنى لبعض هذه المؤسسات الصحفية القومية بشكل عام ولكثير من العاملين فى هذه المؤسسات بشكل خاص.
والسؤال هل عدمت هذه المؤسسات الموهوبين والكفاءات إنها مشكلة من إختاروا هذه القيادات وإذا كان هناك ضعف مهنى لدى بعض العاملين اسأل عن الواسطة والمحسوبية فى التعينيات.
المرض الثالث: غياب الرؤية الإبداعية لدى معظم هذه المؤسسات واعتمادها على نظرية «تسيير الأمور» فيما يتعلق بالتخطيط المستقبلى.
وأيضا هل تم محاسبة هذه المؤسسات على افتقاد الإبداع والتخطيط للمستقبل.
المرض الرابع: الترهل التسويقى للمؤسسات واصداراتها وأصبحت الصحف كلها «تتشابه» بلا تفرد فى الشخصية ولا تميز فى الشكل للإصدارات والمنطق يدعونا للسؤال هل تملك هذه المؤسسات أموالاً للدعاية وتسويق اصداراتها وأيضا عدم وجود الشخصية الواضحة للاصدارات وتشابهما أليس هذا ناتجا عن سوء اختيار قمة الهرم القيادى.
المرض الخامس: غياب مفهوم الإدارة بالأهداف واستبداله بمفهوم الإدارة بالتساهيل وينطبق ما قلناه على أولا وثانيا وثالثا ورابعا على المرض الخامس.
لا نختلف مطلقا مع الدكتور سامى عبدالعزيز وما ذكره من أمراض المؤسسات الصحفية القومية بل من الممكن أن نضيف إليها.. ولكننا نريد حلولا تتناسب مع المرحلة الجديدة فى حياتنا السياسية والاقتصادية وكذلك المهنية.. وأيضا يجب أن نفكر فى حلول سريعة وعاجلة لأن المرض فتاك يهدد هذه المؤسسات بالموت.
والحل الذى أتصوره لخروج هذه المؤسسات الصحفية القومية والكيانات المهمة جدا للوطن أن تكون الخطوة الأولى لأعضاء المجلس الأعلى للصحافة الذهاب إلى هذه المؤسسات فى جلسات استماع لمناقشة أصحاب المصلحة الحقيقية فى هذه المعضلة الحقيقية وهم أبناء هذه المؤسسات.
ثم تأتى الخطوة الثانية بالذهاب إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بطلب محدد وهو إسقاط الديون التى تثقل كاهل المؤسسات وإعادة جدولة بعض الديون التى لا يمكن إسقاطها بعد اسقاط الفوائد منها أو اعتبارها ديونا معدومة مثلما تعاملت بعض البنوك مع بعض رجال الأعمال المتعثرين.
ويكون المنطق ليس استجداء من الحكومة لكن على أسس اقتصادية بحتة.
نعم وصلت ديون الصحف القومية لنحو 4 مليارات جنيه وأصبحت تعوق تقدمها ولو لخطوة واحدة للأمام وإذا كان يعمل بالمؤسسات الصحفية القومية نحو 30 ألف عامل وموظف وصحفى وبحسبة اقتصادية بسيطة إذا أرادت الحكومة توفير 30 ألف فرصة عمل لهؤلاء بعد تشريدهم وتفكيك مؤسساتهم وعدم انقاذها وعلى اعتبار أن تكلفة فرصة العمل الواحدة 200 ألف جنيه يكون احتياج الحكومة نحو 6 مليارات جنيه لتوفير 30 ألف فرصة عمل.
وبالتالى لو تنازلت الحكومة والبنوك عن هذه الديون واعتبرتها ديونا معدومة تكون الحكومة قد كسبت نحو 2 مليار جنيه.. ولدينا تجربة مشابهة وبالفعل تنازلت الحكومة عن ديون بعض شركات القطاع العام الخاسرة.. ألا يكون الأوفق والأجدى التعامل مع المؤسسات الصحفية القومية التى تمثل أحد أذرع الأمن القومى المصرى بنفس المنطق.
ويجب هنا أن ننبه إلى أن هذه الديون مبالغ فيها وتتمثل فى فوائد مركبة وغرامات تأخير.. وهى من وجهة النظر المصرفية تعتبر ديونا معدومة.. اضافة إلى أن أصل تلك الديون لا يشكل سوى 10٪ من حجم تلك الديون التى وصلت إلينا مؤخرا.
أعتقد أن الدكتور سامىيعلم جيدا أن الخلاف فى الرأى لايفسد للود قضية.. ويجب التعامل مع المؤسسات الصحفية القومية بقيمتها الحقيقية وما تسهم به فى الحفاظ على الأمن القومى المصرى وتثقيف وتوعية المواطنين.. وإذا كان هناك قصور وأمراض فنحن نعترف بها ولكن هى ليست من صنع أبناء هذه المؤسسات ولكنها بالتأكيد تعود على أصحاب قرار اختيار قيادات هذه المؤسسات.. وهذا ما جعلنا نشيد بالمجلس الأعلى للصحافة بقيادة الأستاذ جلال عارف وجميع أعضائه فى اختياراتهم لرؤساء مجالس الإدارات الحاليين.
حمى الله الوطن ومؤسساته.