السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عروسة المولد




 تحقيق-أسماء قنديل وسهام وهدان

الاحتفال بالمولد النبوى الشريف فرصة للاستمتاع بالحلوى والاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم وهى مناسبة احتفل بها المصريون منذ العصر الفاطمى، واحتلت العروسة والحصان المشهد وغنى لهما المطربون الشعبيون ومن اجمل ما قيل للشاعر صلاح جاهين والتى غناها محمد قنديل «حلاوة زمان.. حلاوة زمان.. عروسة حصان.. وآن الأوان تدوق يا ولد تعالى لعمك و دوق الحلاوة وعيط لأمك عشان الحلاوة .
«وعكرت دمك علشان الحلاوة» «آن الآوان تدوق يا ولد»
«حلاوة زمان.. حلاوة زمان ...عروسة حصان.. وآن الأوان تدوق يا ولد»
«مليش دعوة ياما ...يووه بطل دناوة»
«حلاوة زمان.. حلاوة زمان .. عروسة حصان.. وآن الأوان تدوق يا ولد» ، وكانت عروسة المولد النبوى تصنع من السكر الخام على هيئة حلوى وتجمل بالألوان وأشكالها لا تتغير حيث تكون العروسة يداها فى خصرها، وتتزين بأوراق الكريشة الملونة والمراوح الورق الملتصقة بظهرها، ولكن طرأت تغييرات كثيرة على أشكال عروسة المولد التى تنتظرها العرائس أو الأطفال ،فهناك أشكال متنوعة من العرائس التى تناسب جميع الأذواق والأعمار.

والطريف هذا العام أن العرائس توجد منها أشكال جديدة للملابس التى ترتديها عروسة المولد فإما نجد عروسة المولد ترتدى فستان فرح أبيض منفوش مصنوع من التل أو الساتان ومطرز بالورود الحمراء الصغيرة، أو فساتين متعددة الألوان مثل اللون الروز، واللبنى  والأحمر، كما نجد العروسة التى ترتدى زى البدوية بالإضافة إلى عرائس «باربى» التى ترتدى فساتين منفوشة، و«العروسة المحجبة»  و«الحصان» بألونه المتعددة.
عروسة المولد فى الفلكلور المصرى
يعود الاحتفال بهذه المناسبة عقب دخول الخليفة المعز لدين لله الفاطمى لمصر، وكان الإحتفال بالمولد من أهم الإحتفالات التى ازدهرت فى العصر الفاطمى للترفيه عن الطبقات الشعبية، وتعد مصر من أوائل الدول التى احتفلت به فى سنة 973 هـ، وقد سبق للدولة الفاطمية الاحتفال بالمولد النبوى قبل وصول الفاطميين لمصر وذلك عندما كانوا يحكمون المغرب وعندما وصلوا لمصر بدأوا ينظمون هذه الاحتفالات التى كانت تسبق المولد النبوى وتليه، حيث تقام السرادقات والولائم للبسطاء وعامة الناس، وفى يوم المولد يخرج موكب الخليفة، وخرجت فكرة  العروسة والحصان المصنوعين من الحلاوة وقتذاك، حيث كان يحب الحاكم بأمر الله إحدى زوجاته فأمر بخروجها معه فى يوم المولد النبوى، فتألقت فى الموكب بردائها الأبيض وعلى رأسها تاج من الياسمين، فقام صناع الحلوى برسم الأميرة فى قالب الحلوى، بينما قام آخرون برسم الحاكم بأمر الله وهو يمتطى حصانه وصنعوه من الحلوى. ويقول البعض أنه نبعت فكرة «عرائس المولد» لتعكس الفرحة والبهجة فى التراث المصرى القديم حيث كانت تقام الأفراح فى هذه المناسبة، لذلك أبدع صناع الحلوى فى تشكيل عرائس المولد وتغطيتها بأزياء تعكس روح هذا العصر والتراث.
فيما يقول مصدر قبطى أنه يوجد بالمتحف القبطى بمصر القديمة لعب وعرائس عُثر عليها فى حفائر منطقة «ابو مينا» وكانت معظمها مصنوعة من العاج والعظم، وأحد هذه العرائس عروسة من الفخار المحروق  يُوجد عليها حول الرأس شكل هالة مستديرة تزينها دوائر ملونة تشبه تلك التى تتزين بها  رأس عروسة المولد.
تطورت أشكال عرائس الحلوى فى كل عصر مع احتفاظها بطابعها التقليدى، واستحدثت على هذة الصناعة زخارف عديدة والتى أضيفت إلى أشكالها المختلفة مثل:  استخدام الورق الملون، والأشرطة المفضضة، وقطع المرايا لإكساب العرائس زخرفا وبهجة وكانت تصنع عروسة المولد قديما من السكر على هيئة حلوى منفوخة وتُجمل بالألوان الصناعية، ويداها توضعان فى خصرها وتتزين بالأوراق الملونة والمراوح الملتصقة بظهرها،وكانت تنتشر الزهور على زى العروسة، و هناك حلوى أخرى كانت تصنع بجانب عروسة المولد وذلك على شكل حيوانات ومنها «الحصان والجمل» ومع الغزو الصينى استبدلت عروسة المولد بالعروسة البلاستيك والتى تتزين بالأقمشة الشفافة الملونة والمراوح الخلفية بأشكال وأحجام متعددة.
واذا نظرنا لعروسة المولد فلن نتردد لحظة فى ربطها بالتراث الإسلامى الكبير فهى جزء من الزخارف فى الخيام. كما ان تطعيمها بواسطة خامات مختلفة كى تزيد من بريقها وجمالها هو نفس الطريق فى التحف الأسلامية الأخرى التى طعمت بالذهب والفضة والعاج والصدف وغيرها. كذلك الورود والزهور المنتشرة على أزيائها تشير الى نفس الزهور والورود التى يزخر بها السجاد والنسيج والخزف الأسلامى. كما انها ترديد لنفس اللعب الأسلامية الأخرى فى الفخار او العاج او الخزف او البرنز او غيرها. وكأن الفنان الذى صاغها هو فرد من كيان واحد لعائلة الفنان الذى صاغ لعب العاج والعظام والفخار والخزف فى العصر القديم. لتصبح عروسة المولد جزءا من الكيان الكبير للفن الإسلامى ووحدة من وحداته المتعددة.
وأيضاً تعتبر عروسة المولد مورداً خصباً للدراسة والتحليل من جميع الطوائف العلمية والتاريخية الفلسفية والفنية وغيرها سندرك أن كل زاوية من العروسة تثير انتباهاً خاصاً، كما ان فنها رمزى وكل شئ فيها يشير الى رمز وفكرة وأشارة .. لينحصر التعبير فيها فى بادئ الامر فى اللون وفى الوجة مركز الحس والبصر، وايضا فى الحركة واللقاء الممثلتين فى مواجهتها. كما يظهر فى زيها التوشية والزخرفة والرمز والاشكال الهندسية وجمال الألوان وتعدد فى الكرانيش وطياتها. وكل ذلك مدفوعا ونابعا من ماض محمل بالتقاليد والأساطير والعقائد لتنتج عروسًا تحمل التعبير العميق للحياة فى أسمى مجالاتها.
أول ما يلفت الانتباه فى عروسة المولد هى المروحة او المراوح خلف رأسها والتى ترمز للحياة وإشعاعها، وقد تكون مقتبسة من فكرة مروحة الخليفة نفسه التى كانت تلازم رأسه فى الحفلات، أو انها ترمز للعمامة التى كانت ترتديها المرأة فى العصر الفاطمى. كما تذكرنا هذه المروحة فى الفن القبطى بالهالة المقدسة للعذراء مريم لتأكيد طهارة العروس مثل طهارة العذراء، وفى محاولة لأيجاد حلول فنية ذكيه قد يكون لجأ لها الفنان الفاطمى لتكون دعامة تزيد من تماسك تمثال العروس اقتداءاً بالتمثال المصرى القديم ودعامته الخلفية التى تؤكد قوته وتماسكه. وكلما ازدادت مراوح العروسة أزدادت قيمتها.
يظهر نغم الخط بشكل واضح فى العروسة والتى كانت فى بادئ الأمر من الحلوى فقط ومن غير ثياب عليها فرسم الفنان الزى نفسه على الجسم المصنوع من الحلوى.. ويأتى تنوع الخط وجريانه فى اتجاهاته على الكتف وعلى الرأس وفى الخطوط الرأسية على الجسم كما توجد خطوطاً أخرى بتنغيمات مخالفة وبذلك يحدث ما نسميه فى لغتنا الفنية «بالتنوع الخطى» وهو عنصر كامن فى جمال الطبيعة نقله الفنان فى عروسته حتى بعد ارتدائها ملابسها نجد عنصر التماسك واضحاً.
وهذا ما ساعد على وضوح عنصر الاتزان فى تكوين العروسة، فجاءت انحناءاتها خطية مستديرة وأخرى مستقيمة فلتئم خطها المنحنى مع خطها المستقيم ليكونا وحدة قوية شأن الطبيعة نفسها. لذلك جاء التكوين اولا على تخطيط هندسى يتحدد فى شكل المراوح وهيئة العروسة العام. وايدى العروسة متزنة وليست متماثلة كما انها تأتى فى حركة دائرية لترد بها على دوائر المروحة. كما ان شكلها الهرمى يبدو ممثلا بوضوح، فرأسها قمة الهرم وقاعدتها المستديرة هى قاعدة الهرم. كذلك شعرها والزخارف والمنتشرة على ملابسها ومراوحها.. كلها جاءت نتيجة وعى الفنان خالق العروسة لهذه القيم الفنية وضرورة توافرها فى كل عمل فنى.
ثم يأتى عنصر اللون كصفة غالبة فى عروسة الحلوى وسيطرته هنا تأكيداً للجانب الرمزى فيها. ولم نعثر على عروسة من الحلوى بزى ابيض بل تزين بملابس من ألوان اخرى متعددة كى يبدو الأنسجام بينها وبين لونها الابيض بسبب تصنيعها من السكر. وعلى الرغم من كثرة الوانها الا انها وزعت توزيعاُ متجانساً متزناً ساعد على نجاح العروسة كشكل عام فنى. ولا نلاحظ اى أثر للون الأسود على زينة العروسة- وربما يؤكد ذلك حقيقتها الفاطمية (لان الفاطمين كانوا يكرهون اللون الأسود فهو رمز العباسين أعداءهم).
كما ان ضيق الخصر واتساع الزى لأسفل بحيث يحجب الساقين كان من علامات الزى المملوكى عند المرأة، وكانت الاكمام ضيقة من أعلاه متسعة عند الرسغين، كما هو الحال مع عروسة المولد الحالية تماما. كما شاع فى العصر الفاطمى استخدام أكثر من «جونلة» بعضها فوق البعض الاخر تختلف فى اللون او فى درجته كما نلاحظها الآن تماما فى عرائس المولد الحالية. وربما اراد الفاطميين بأختفاء كل جسم العروسة تحت ملابسها ذات الطيات المنتشرة الرمز الى بعد المنال لكسبها.
ويأتى التاج على رأسها كرمز لتتويج وظيفة وشغل منصب هام لنشوء الحياة من جديد. كما ان الهلال الفضى على جسمها أنما يرمز للقمر وعلاقته بالحمل عند المرأة والهلال نفسه وليد جديد ومناسبة المولد مبعث جديد للحياة. وتشبه العروسة فى وقفتها بالشجرة التى يتفرع منها كل الأزهار والورود لترمز لرحيق الحياة وتفتحها وكأنها فى محراب مقدس فى معبد مصرى قديم.. وجود الكحل فى حواجب عروسة المولد وفى عيونها مصرية قديمة، كما انها تزين بضفائر مماثلة صناعية والضفيرة هى مظهر من مظاهر الجمال عند العرب.
ليبدو طبيعيا بعد ذلك ان تكون عروسة المولد بشكلها ولونها وتعبيراتها وما حملته من معانى تاريخية وأسطورية وسحرية وشعبية وجمالية مصدرا حيا لموضوع مثير يتناولة الفنانون على اختلاف ميادينهم وأساليبهم لأنه موضوع يتصل بالحس والوجدان والعاطفة، فعبر عنها الفنانون كل بخامته، فعبر عنها الفنان صانع العروسة بالحلوى، والخزاف بالطين المحروق والنساج أوضحها فى كثير من زخارفه على الأقمشة. لتصبح العروسة ثروة عظيمة لدى الفنانين ومنبعا خصبا لأفكارهم ليفرض الفن الشعبى عظمته وقوته وخلوده.