الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

وثيقة المدينة.. دستور علم العالم الديمقراطية




كتب - مصطفى عرام

بعد تجربة استمرت ثلاث سنوات، حاول فيها المصريون أن يكتبوا دستورهم، ساعين إلى صيغة توافقية تعتمد على المواطنة وإقرار حقوق الأفراد وحرياتهم، وكذلك واجباتهم وتوضح حدود العلاقة بين الأفراد من جهة، وبينهم وبين الدولة ومؤسساتها وهيئاتها من جهة أخرى، وهو ما يمكن تسميته بـ(الحق فى المواطنة)، دون النظر إلى الانتماء الدينى أو العرقى أو المذهبى أو أى اعتبارات أخرى، ليكون الاعتبار الوحيد هنا هو الإنسانية والمواطنة.. فإنهم خلال ساعات سيحسمون أمرهم بالتصويت على الدستور الجديد.

وفى هذا الصدد، أرشدنا الإسلام إلى هذا الحق ورسخه منذ 14 قرنا، فعندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وجد فيها عقائد مختلفة وقبائل شتى، تبلورت فى ثلاث فئات فى ذلك المجتمع الجديد، هم: المسـلمون، واليهود، والعرب المشركون، ويتآلف المسلمون من المهاجرين والأنصار، الذين يتكونون بدورهم من الأوس والخزرج، وهو ما يمثل نسيجا غريبا ومخالفا لتقاليد العرب وأعرافهم فى ذلك الوقت فى الجزيرة العربية.

المدينة طوائف متناحرة

كانت العلاقاتُ بين الأوس والخزرج من جانب، ثم قبائلِ الأوس فيما بينها، وقبائل الخزرج فيما بينها من جانب آخر، وبين هؤلاءِ جميعًا واليهودِ من جانب ثالث، علاقاتِ حربٍ وعِدَاءٍ ظاهرةً وواضحة، انعكست هذه العلاقاwتُ المتوترةُ والعدائيةُ بين الأوس والخزرج من جهة وبينهما وبين اليهودِ من جهة أخرى، على التوزيع السكانى لهذه الجماعات بحيثُ كانت كلُ مجموعةٍ من هذه العشائر تسكنُ فى مجمعٍ سكنيٍّ خاصٍّ بها، وكانت المجمعاتُ السكنيةُ متباعدةً بعضُها عن بعض. وكان الوضعُ الأمنيُ لهذه الجماعات مقلقًا ومهزوزًا وغيرَ مستقر. ما دفع بهذه الجماعات إلى أن تبنى فى مجمعاتها السكنية المنفصلة ما يُشْبِهُ الحصونَ العسكريةَ الدفاعيةَ سمّوها (الآطام)، ومن ثم يمكنُ اعتبارُ المدينةِ المنورة آنذاك مجموعةَ قُرىَ يسودُ علاقاتِها التوترُ والتربّصُ أكثرَ من اعتبارها بلدًا مستقرًا، وهذه مشكلةٌ كان لا بدّ لها من حل.

إعداد الوثيقة السياسية «عهد الإخاء»

عالج النبيَ (صلى الله عليه وسلم) هذه المشكلة بخطوةٍ بارعةٍ وسياسةٍ حكيمة، ففى السنة الأولى للهجرة وبعد المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وقبل حصول معركة بدر وضع النبيُ (صلى الله عليه وسلم) وثيقةً سياسيةً مهمةً سمّيت «عهد الإخاء» وقد كتبها النبيُ (صلى الله عليه وسلم) بين المسلمين المهاجرين والأنصار، وبينهم وبين اليهود، أى بين الطوائفِ الثلاثِ التى كانت تعيش فى المدينة آنذاك، وقد تضمّنت هذه الوثيقةُ قواعدَ كليةً وأُسُسًا عمليةً لتنظيم العلاقة بين المسلمين أنفسِهم أى بين المهاجرين والأنصار من جهة وبين المسلمين واليهود من جهة أُخرى، باعتبار أنّ الجميع يمثّلون مجتمعًا سياسيًا واحدًا متنوّعًا فى انتمائِهِ الدينى.

وهذه الوثيقةُ تعدُ بمثابة دستورِ عملى تضمَّنَ أُسُسَ العلاقة بين طوائفِ المجتمع، وحُدِّدَتْ فيه الحقوقُ والواجباتُ لكلِ الأطراف، كما حُدِّدَتْ فيه حقوقُ وواجباتُ كلِ طرفٍ تجاه الآخر.

وقد اعتمدت وثيقة النبى (صلى الله عليه وسلم) بين أهل المدينة على تحقيق أربعة أسس، الأول: الأمن الجماعى والتعايش السلمى بين جميع مواطنى الدولة، إذ قال (صلى الله عليه وسلم): (إنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم وأثم، وإن الله جار لمن بر واتقى)، كما حفظ حق الجار فى الأمن والحفاظ عليه كالمحافظة على النفس، إذ قال: (وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم)·

والأساس الثانى: ضمان حرية الاعتقاد والعبادة، فقرر: (لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ أى يهلك إلا نفسه وأهل بيته)· أما ثالث هذه الأسس فهو: ضمان المساواة التامة بين مواطنى دولة المدينة فى المشاركة الفاعلة فى مجالات الحياة المختلفة، تحقيقا لمبدأ أصيل تقوم عليه الدول الحديثة فى عالم اليوم، وهو مبدأ المواطنة الكاملة، والذى لم يكن جليا حينئذ، إلا أن دستور المدينة الذى وضعه المصطفى ضمن هذا الحق لكل ساكنيها، فى وقت لم يكن العالم يعى معنى كلمة الوطن بالتزاماته وواجباته·

ورسخ الأساس الرابع إقرار مبدأ المسئولية الفردية، وأصل هذه المسئولية الإعلان عن النظام، وأخذ الموافقة عليه، وهو ما أكدته الوثيقة: (أنه لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وأن الله على أصدق ما فى هذه الصحيفة وأبره، وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه وأن النصر للمظلوم)·

إذن.. فإن «صحيفة المدينة» هى أول دستور ينظم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، إذ اعتمد الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى الوثيقة مبدأ المواطنة، فوضعت فيها الحقوق والواجبات على أساس المواطنة الكاملة التى يتساوى فيها المسلمون مع غيرهم.

الرسـول فى المدينـة وتأسيـس الدولـة الإسلامية

كان لابد لتأسيس دولة المدينة من خطوات عملية، نفذها الرسول عليه الصلاة والسلام حتى يستقيم أمر دولته، فقام أولًا ببنـاء مسجـد المدينـة، لتظهر فيه شعائر الإسلام، ولتقام فيه الصلوات التى تربط المرء برب العالمين ولم يكن هدف الرسول (صلى الله عليه وسلم) إيجاد مكان للعبادة فقط؛ فالدين الإسلامى يجعل الأرض كلها مسجدًا للمسلمين، ولكنه (صلى الله عليه وسلم) أراد أن يبنى بيتًا لله وبيتا لجميع المسلمين يجتمعون فيه للعبادة والمشاورة فيما يهم أمر الإسلام والدولة الإسلامية، ويتخذون فيه قراراتهم، ويناقشون فيه مشاكلهم، ويستقبلون فيه وفود القبائل وسفراء الملوك والأمراء من هنا وهناك، وبأسلوب العصر الحديث اتخذ مقرًا للحكومة بالمدينة، فكان المسجد بهذا الوضع أشبه بمدرسة يتعلم فيها المسلمون.

وبنى بيوتًا إلى جانب المسجد، فلما فرغ من البناء انتقل الرسول (صلى الله عليه وسلم) من بيت أبى أيوب إلى مساكنه بعد أن مكث فى بيت أبى أيوب سبعة أشهر كما ذكر الواقدي، وكان فى المسجد موضع مظلل يأوى إليه المساكين، يُسمى «الصفة»، وكان أهله يسمون «أهل الصفة»، وكان عليه السلام يدعوهم بالليل فيفرقهم على أصحابه لاحتياجهم لعدم وجود ما يكفيهم عنده وتتعشى طائفة منهم معه عليه السلام.

ثانيًا: وكانت الخطوة التالية هى صلة الأمة بعضها بالبعض الآخر، وتمثل ذلك فى المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وإحلال رابطة الإخاء ورابطة الدين محل رابطة القبيلة والعصبية القبلية مصداقًا لقوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ»، وفيها قرب بين بعض قبائل المهاجرين والبعض الآخر، كما قرب بين الأوس والخزرج؛ إذ كانت الحروب بينهما قبل الإسلام قوية، وليس هذا فحسب، بل آخى بين العرب والموالي، فمثلًا آخى بين حمزة عمه وزيد بن حارثة وبين أبى الدرداء وسلمان الفارسي، وكانت نتيجة ذلك أن تكونت «أسرة إسلامية» واحدة، وسقطت فوارق النسب واللون والوطن وتحققت وحدة المدينة، وكان الأنصار يتسابقون فى مؤاخاة المهاجرين حتى كان الأمر يؤول إلى الاقتراع بل الإيثار.

أما الأمر الثالث وهو صلة الأمة بالأجانب عنها الذين لا يدينون بدينها، فإن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قبل عن طيب خاطر وجودهم، وعقد الرسول (صلى الله عليه وسلم) معاهدة مع اليهود الموجودين فى المدينة، أقرهم فيها على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم، وكان أساس هذه المعاهدة الأخوة فى السلم، والدفاع عن المدينة وقت الحرب، والتعاون التام بين الفريقين إذا نزلت شدة بأحدهما أو كليهما، ولكن اليهود لم يحافظوا على الوفاء بعهدهم، فاضطر الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى حربهم وإجلائهم عن المدينة.

معضلات واجهت الدولة
كان من المشكلات التى واجهت النبى عليه الصلاة والسلام فى تأسيس دولته، اليهود، والمنافقون، وعـداء المشركين الثابت، ومع تعدد هذه الجبهات كان لابد للمسلمين أن يستعدوا ويجهزوا أنفسهم لنضال طويل وكفاح دامٍ، وأن يتأهبوا لكل طارئ؛ من أجل ذلك شرع الجهاد والإذن بالقتال للمسلمين لاثنتى عشرة ليلة مضت من صفر من السنة الثانية للهجرة للدفاع عن الحق وحماية الدعوة فقط ولم يفرض عليهم، فنزل قول الله تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ}

وهى أول ما أنزل فى أمر القتال، وبعد أن جاء الإذن بالقتال نبه النبى (صلى الله عليه وسلم) إلى أن قتاله إنما هو للدفاع فقط وأنه لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم. فقال تعالى:{وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}

ولما نقض يهود المدينة العهد الذى أخذه الرسول (صلى الله عليه وسلم) عليهم وانضموا إلى مشركى قريش لقتاله، نزل قوله تعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}

ومن هنا فان ما يردده أعداء الإسلام قديمًا وحديثًا أن الإسلام انتشر بحد السيف دعوى باطلة لا تقوم على بحث منصف ونظرة متأنية عادلة، بل إن الحقيقة الواضحة هى أن الإسلام انتصر على السيف، بل إن الاستدلال العلمى والاستقراء التاريخى للحروب التى اشتبك فيها الإسلام على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أثبت أنها كانت فريضة لحماية الحق ورد المظالم ومنع الفتنة وقمع الطغاة وكسرة الجبابرة، وأن الغزوات كانت تحقق ما يسمى فى لغة العصر الدفاع الواقى.

أهم بنود الوثيقة:

 ومن أهمَّ ما تضمّنته هذه الوثيقةُ من بنود بشكل مختصر: أولًا: قرّرت هذه الوثيقةُ أن المسلمين أمّةٌ واحدة، برغم اختلافِ قبائلهم وطبقاتِهم وانتماءاتِهم، وتفاوتِ مستوياتهم، وبرغم اختلافِ أوضاعِهم الاجتماعيةِ والمعيشية.

ثانيًا: نصّت الصحيفةُ على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) هو قائدُ هذه الأمة ورئيسُ الدولة والشخصُ الوحيدُ الذى يمثّل المرجعيةَ العليا، فهو المرجعُ فى حل كلِ الخلافات التى تقعُ فى حدود الدولة الإسلامية سواءٌ كانت شخصيةً أم عامّة، وهو المرجعُ فى كلِ الحوادث الأمنية، والخلافاتِ السياسية التى تحدثُ بين المسلمين أو بينهم وبين اليهود. وقرّرت الوثيقةُ أنه لا يُسمحُ لأحد من اليهود بالخروج من المدينة إلا بإذن رسولِ الله، ولعلّ هذا القرارَ قد اتخذَ من أجل ألا يُفسحَ المجالُ أمامَ اليهود لممارسة دور الإفساد والجاسوسيةِ من الداخل لمصلحة الأعداء فى الخارج.

ثالثًا: قرّرت الوثيقةُ أيضًا: أنّ مسؤولية دفعِ الظلم والبغى والعدوان تقعُ على عاتق الجميع ولا تختصُ بمن وقعَ عليه الظلم. كما قرّرت الوثيقةُ أن على جميع المؤمنين أن يلاحقوا القاتلَ أيًا كان ومهما كان موقعُهُ، وهذا يعنى إلغاءَ الاعتباراتِ القبلية التى كانت تُوجبُ على القبيلة الانتصارَ لأبنائها حتى ولو كانوا المعتدين على غيرهم.

رابعًا: حمَّلتْ الصحيفةُ جميعَ الطوائفِ والقبائلِ المسؤوليةَ تجاه أسيرها فالمهاجرون مسؤولون عن فداء أسراهم، وجميعُ القبائل والطوائف الأخرى مسؤولةٌ عن فداء أسراها أيضًا بالقِسط والمعروف.

خامسًا: مَنحَتْ الوثيقةُ اليهودَ الحقوقَ المدنيةَ العامّة، وضَمِنَتْ لهم الأمنَ والحرية، حريةَ العقيدة وحريةَ الرأى والحريةَ الشخصيّة، ومنحتهم صفةَ المواطنِ الذى يتمتعُ بجميع حقوقِ المواطنيّة بشرطِ أن يلتزموا بقوانين الدولة، ولا يتآمروا على الإسلام والمسلمين.

فكان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يدير أمر الدنيا والآخرة معا، وكتب المفكر (نهرو) رئيس وزراء الهند فى كتابه (نظرة فى تاريخ العالم) عن الحكومة العادلة لنبى الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) فى المدينة قائلًا:

«نادى الإسلام بالأخوة والمساواة لكل الذين أسلموا، فأوجد نظامًا ديمقراطيًا للناس»، إذن.. فالإسلام من بدء الأمر كان يهتم بمسألة الحكومة والتشكيلات الاجتماعية وكانت هذه موجودة فى برنامج النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك لأن الإسلام دين للدنيا والآخرة، فقد أوجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا النظام الأخوى فى المجتمع المدنى والمهاجر من مكة، بأمر من الله تعالى، وذلك لبناء أفضل مجتمع عرفه البشر ولإبعاد الغربة والوحشة عنهم سيما وانهم تركوا الأهل والوطن، وبإيجاد روح الأخوة الإسلامية نتج الإنس والألفة والتفاهم والتعاون فيما بينهم.

وذكر المؤرخون أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أوجد روح الأخوة الإسلامية مرتين، مرة بين المهاجرين، ومرة بين المهاجرين والأنصار. يقول مؤلف: كتاب (محمد النبى يجب أن يعرف من جديد):

«الانقلاب الذى أحدثه محمد (صلى الله عليه وسلم) فى ذلك الوقت فى الجزيرة العربية مع ملاحظة العادات والتقاليد العربية والنفوذ الكثير لرؤساء القبائل، يكون قد شكل وحدة اجتماعية متماسكة من كل قبيلة وهذا الانقلاب الذى جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم) يفوق الانقلاب الفرنسي، إذ إن الانقلاب الفرنسى لم يتمكن من إيجاد المساواة بين الفرنسيين، كما أوجدها محمد (صلى الله عليه وسلم) بين المسلمين، فقد أزاح عن الوجود التمايز العائلى والطبقى والمادي».
تكوين الأمة

كانت القبيلة أو القبائل التى تقوم بحماية الفرد أو الأسرة تطلق عليه اسم الحليف، وكان فى مقابل ذلك يجب على الفرد أو الأسرة الولاء المطلق لهذه القبيلة فى كل شيء صحيح أو باطل.

فكانت بعض مبادئ الجاهلية القائمة على التفوق السلالى والعصبيات القومية والقبلية تتناقض مع المبدأ الإسلامى الذى ألغى جميع هذه الامتيازات وحاربها فيما حاربه من نُظُم وأفكار ومعتقدات لم تكن لخير الإنسانية، وقد جاءت الشرائع السماوية من أجل عزتها وكرامتها وسعادتها وحمايتها من جور الحاكمين وجشع المتسلطين.

وكان النبى (صلى الله عليه وسلم) فى أكثر مواقفه يؤكد إلغاء الفوارق والامتيازات التى تصنف الناس إلى فئات وطبقات وشريف ووضيع، وكان آخر تلك المواقف التى كان يقفها من اجل تلك الوحدة لاجتثاث تلك النزعة الجاهلية من نفوس المسلمين: موقفه (صلى الله عليه وآله وسلم) فى حجة الوداع بين عشرات الألوف من مختلف أنحاء شبه الجزيرة: (أيها الناس! إن ربكم واحد وأباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله اتقاكم ليس لعربى على عجمى فضل إلا بالتقوى).

لقد أدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العناصر الأخلاقية فى السياسة، فالسياسة فى الإسلام أنزه سياسة عرفها البشر، فالله سبحانه منشأ القدرة، وبعده القانون وعرف نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) به، فالأحكام التى يبلغها للناس عليه أن يلتزم بها قبلهم ويكون مساويا لهم.
 



نص الوثيقة (عهد الإخاء)



هذا كتاب من محمد النبى [رسول الله]، بين المؤمنين والمسلمين من قريش و[أهل] يثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، 2.أنهم أمّة واحدة مِن دون الناس. 3.المهاجرون من قريش على رَبعتهم يتعاقلون بينهم وهم يَفدُون عانِيَهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 4.وبنو عَوف على رَبعتهم يتعاقلون معاقلَهم الأولى، وكل طائفة تَفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 5.وبنو الحارث [بنو الخزرَج] على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى


«وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 6.وبنو ساعِدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تَفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 7.وبنو جُشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 8.وبنو النّجّار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 9.وبنو عَمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 10.وبنو النَّبِيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 11.وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 12.وأنّ المؤمنين لا يتركون مُفرَحا (أى مثقلا بالدَّين وكثرة العيال) بينهم أن يعطوه بالمعروف فى فداء أو عقل. 12/ب.وأنْ لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه. 13.وأن المؤمنين المتقين [أيديهم] على [كل] مَن بغى منهم، أو ابتغى دَسيعةَ (كبيرة) ظلمٍ، أو إثمًا، أو عدوانًا، أو فسادًا بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعًا، ولو كان ولدَ أحدهم. 14.ولا يَقْتُل مؤمنٌ مؤمنًا فى كافر ولا ينصر كافرًا على مؤمن. 15.وأنّ ذمّة الله واحدة يجبر عليهم أدناهم، وأنّ المؤمنين بعضهم موالى بعض دون الناس. 16.وأنّه مَن تبعنا من يهود فإنّ له النصرَ والأسوةَ غير مظلومين ولا مُتناصرين عليهم. 17.وأنّ سِلم المؤمنين واحدةٌ، لا يُسالِم مؤمن دون مؤمن فى قتال فى سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم. 18.وأنّ كل غازية غَزَت معنا يعقب بعضها بعضًا. 19.وأن المؤمنين يُبِيء بعضهم عن بعض بما نال دماءهم فى سبيل الله. 20.وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدًى وأقومه، 20/ب.وأنّه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفسًا، ولا يحول دونه على مؤمن. 21.وأنّه مَن اعتَبط مؤمنًا قتلا عن بيّنة فإنه قَوَدٌ به إلا أن يرضى ولى المقتول [بالعقل]، وأن المؤمنين عليه كافّةً ولا يحلُّ لهم إلا قيام عليه. 22.وأنّه لا يحل لمؤمن أقرَّ بما فى هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن يَنصر مُحدِثًا (مجرما) ولا يُؤوِيه، وأن من نصره أو آواه فإنّ عليه لعنةَ الله وغضبَه يوم القيامة، ولا يُؤخذ منه صرف ولا عدل. 23.وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإنّ مردَّه إلى الله [عز و جل]وإلى محمد [ صلى الله عليه وسلم ]. 24.وأنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا مُحاربين. 25.وأنّ يهود بنى عوف أُمّة مع المؤمنين، لليهود دِينهم وللمسلمين دِينهم، مَواليهم وأنفسهم إلا من ظلَم وأثم، فإنه لا يُوتِغ (أى لا يهلك) إلا نفسه وأهل بيتِه. 26.وأنّ ليهود بنى النّجّار مثل ما ليهود بنى عوف. 27.وأنّ ليهود بنى الحارث مثل ما ليهود بنى عوف. 28.وأنّ ليهود بنى ساعدة مثل ما ليهود بنى عوف. 29.وأنّ ليهود بنى جُشَم مثل ما ليهود بنى عوف. 30.وأنّ ليهود بنى الأوس مثل ما ليهود بنى عوف. 31.وأنّ ليهود بنى ثَعلَبة مثل ما ليهود بنى عوف، إلا مَن ظلم وأَثم فإنّه لا يُوتِغ إلا نفسَه وأهلَ بيته. 32.وأنّ جَفْنَةَ بطنٌ مِن ثعلبة كأنفسهم. 33.وأنّ لبنى الشُّطَيبَة مثل ما ليهود بنى عوف، وأنّ البرَّ دون الإثم. 34.وأنّ موالى ثعلبة كأنفسهم. 35.وأن بطانة يهود كأنفسهم. 36.وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد [ صلى الله عليه وسلم ]. 36/ب.وأنّه لا يَنحَجِز على ثأرِ جُرحٍ، وأنه مَن فَتَك فبنفسه فتك وأهل بيته إلا من ظَلم، وأنّ الله على أبَرِّ هذا. 37.وأنّ على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأنّ بينهم النصر على مَن حاربَ أهل هذه الصحيفة، وأنّ بينهم النصح والنصيحة والبرّ دون الإثم. 37/ب.وأنه لم يأثم امرؤٌ بحليفه، وأنّ النصر للمظلوم. 38.وأنّ اليهود يُنفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. 39.وأنّ يَثرب حرامٌ جوفُها لأهل هذه الصحيفة. 40.وأنّ الجار كالنفس غير مضارٍّ ولا آثِم. 41.وأنّه لا تُجار حرمةٌ إلا بإذن أهلها. 42.وأنّه ما كان بين أهل هذه الصحيفة مِن حَدث أو اشتجار يُخاف فسادُه، فإنّ مَرَدَّه إلى الله [عز و جل] وإلى محمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]، وأن الله على أتقى ما فى هذه الصحيفة وأبَرِّه. 43.وأنّه لا تُجار قريش ولا مَن نَصَرها. 44.وأنّ بينهم النصر على مَن دهم يثرب. 45.وإذا دُعوا إلى صلح يُصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وأنهم إذا دَعوا إلى مثل ذلك، فإنه لهم على المؤمنين إلا مَن حاربَ فى الدِّين. 45/ب.على كل أناس حِصَّتهم مِن جانبهم الذى قِبَلهم. 46.وأنّ يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة، مع البِرّ المحض مِن أهل هذه الصحيفة، وأنّ البِرّ دون الإثم لا يَكسِب كاسب إلا على نفسه، وأنّ الله على أصدق ما فى هذه الصحيفة وأبَرِّه. 47.وأنه لا يحول هذا الكتابُ دون ظالمٍ أو آثم، وأنه مَن خرجَ آمِنٌ ومن قعد آمِنٌ بالمدينة، إلا مَن ظلم وأثم، وأنّ الله جارٌ لمن بَرَّ واتّقى ومحمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم».