الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إبداع




شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبرونا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع للاحتفال بشاعرين راحلين، الأول شاعر مصرى من أصول شركسية هو الشاعر أحمد محرّم ابن حسن عبد الله الشركسي، من شعراءالقومية والإسلام وكانت محور شعره كله، ولد فى قرية إبيا الحمراء التابعة لمحافظة البحيرة بمصر عام 1877م، قرأ السيرة النبوية والتاريخ، وحفظ الحديث الشريف والشعر، كان لتلك النشأة أثرها فى حياته وشعره، الثانى الشاعر الفلسطينى معين بسيسو من مواليد غزة 1926 ، عاش فى مصر حيث خاض تجربة المسرح الشعري، حصل على أعلى وسام فلسطينى (درع الثورة)، وكان مسئولاً للشئون الثقافية فى الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، توفى فى 23 يناير 1984.
يصاحب القصائد لوحات للفنان الفرنسى العالمى جان أوغُسْت آنْغْرْ (1780- 1867م) من تلاميذ الرسّام جاك لوى دافيد، تميز بتمكن وكان أحد أهم فنانى المدرسة الكلاسيكية، حاول أن يصل إلى الجمال المثالى فى أعماله عن طريق إيجاد توافق بين الخطوط والألوان.
شعر أحمد محرم - معين بسيسو  - رسوم جان أوغست آنغر

المدينة المحاصرة


]البحر يحكى للنجوم حكاية الوطن السجين
والّليل كالشحّاذ يطرق بالدموع وبالأنين
أبواب غزة وهى مغلقة على الشعب الحزين
فيحرّك الأحياء ناموا فوق أنقاض السنين
وكأنّهم قبر تدقّ عليه أيدى النابشين
وتكاد أنوار الصباح تطلّ من فرط العذاب
وتطارد الّليل الذى ما زال موفور الشباب
لكّنه ما حان موعدها وما حان الذهاب
المارد الجبّار غطّى رأسه العالى التراب
كالبحر غطّاه الضباب وليس يقتله الضباب
ويخاطب الفجر المدينة وهى حيرى لا تجيب
قدّامها البحر الأجاج وملؤها الرمل الجديب
وعلى جوانبها تدبّ خطى العدوّ المستريب
ماذا يقول الفجر هل فتحت إلى الوطن الدروب
فنوّدع الصحراء حين نسير للوادى الخصيب؟
لسنابل القمح التى نضّجت وتنتظر الحصاد
فإذا بها للنّار والطير المشرّد والجراد..
ومشى إليها الليل يلبسها السواد على السواد
والنّهر وهو السائح العدّاء فى جبل وواد
ألقى عصاه على الخرائب واستحال إلى رماد
هذى هى الحسناء غزة فى مآتمها تدور
ما بين جوعى فى الخيام وبين عطشى فى القبور
ومعذّب يقتات من دمه ويعتصر الجذور
صور من الإذلال فاغضب أيها الشعب الأسير
فسياطهم كتبت مصائرنا على تلك الظهور
أقرأت أم ما زلت بكّاء على الوطن المضاع؟
الخوف كبّل ساعديك فرحت تجتنب الصراع
وتقول إنّى قد وشقّت الريح الشراع
يا أيّها المدحور فى أرض يضجّ بها الشعاع
أنشد أناشيد الكفاح وسرّ بقافلة الجياع

شعر – معين بسيسو


أراك على المغيب فهل ترانى


أراك على المغيب فهل ترانى     وهل يخفى على أحدٍ مكاني
دعا الداعى فأسمع حين نادى     بنى الأقطار من قاصٍ ودان
مضوا زمراً إلى واديك شتى      فهل وجدوا به ريح الجنان
وظلوا عاكفين عليك حتى     كأنك كنت من خير الأماني
فمن ملكٍ أغر ومن أميرٍ                     أعز وكاتبٍ ذرب البيان
أتوك وعاقنى حدثان دهر                      يصرف لا كما أرضى عناني
يعز عليك أنى عنك ناءٍ                      ترى تلك الوفود ولا تراني
رويدك إن شخصك ملء عينى     وذكرك ما يزال على لساني
أيشغل شاعر الوطن المفدى             سواك وأنت شغل بنى الزمان
وراءك فطنة ٌ تغنيه عما                      أتيح لزائريك من العيان
حدا أسرابهم برح اشتياق                      إليك وقادهم فرط افتنان
سيكفيك الذى تخشى وترجو             من الأدب المهذب ما كفاني
فهل لك أيها الخزان عهدٌ                       بحفظٍ للصنيعة أو صيان
وقبلك ضاع شعرى فى ديارٍ      شجانى من بنيها ما شجاني
تعامى معشرٌ عنى وعنه                        فيا عجبى أيخفى النيران
بربك هل يريد ذووك خيراً       بشعبٍ عاثر الآمال عان
وهل تروى الكنانة وهى ظمأى       فتروى عن صنائعك الحسان
أحقا أنت داهية ٌ جناها                       علينا من بنى التاميز جان
أحقا أنهم صدقوا فجاءوا                        بأحسن ما بنى للخير بان
ستخبرنا اليقين صروف دهرٍ              يكر بها قضاء غير وان
لنا إن رمت شكراً لا علينا                        كفانا من بناتك ما نعاني
فيا صنع الجبابرة استعانوا                عليك بخير ردءٍ مستعان
قوى أيديهم وقوى نهاهم                         كلا الأمرين عدة كل شان
ستبقى يا عروس النيل تبدى         جمال الفن آناً بعد آن
تمر الحادثات عليك سلماً        تقلب عين ذى الفزع الجبان
وليس لها وإن جهلت علينا          بما لا تبتغى منها يدان
أعر مصراً كيانك إن مصراً          وقاها الله واهية الكيان
أرى الهرمين قد هرما وشاخا           وأنت من الصبى فى عنفوان
فناجهما ولو قدرا لخفا                          إليك فأقبلا يتباريان
على الجد يعجب سامعيه        وليس على وصف المهرجان

شعر –أحمد محرم

أعلل نفسى بالعواقب أرتجى


أعلل نفسى بالعواقب أرتجى                  لأدواء قومى من يد الله شافيا
عسى واضحٌ من نوره أن يظلنا                 فيصدع عن آمال مصر الدياجيا
أراها كسارى الليل لا يأمن الردى           ولا هو يرجو من سنا النجم هاديا
تلف الدجى فى غمرة الهم بالدجى          وتلبس أهوال السرى والدواهيا
وتعزف تدعو الجن أن يكشفوا الأذى         تعالج من كرب يهول الأناسيا

شعر –أحمد محرم
دعا فأثار الساكنين دعاؤه


دعا فأثار الساكنين دعاؤه                     ونادى فراع الآمنين نداؤه
أخو وصبٍ ما إن يحم انقضاؤه     وذو أربٍ ما إن يحين قضاؤه
به من بنى مصرٍ عناءٌ مبرحٌ      فيا ليت شعرى هل يزول عناؤه
أما إنه لو كان يشفى غليله                      بكاءٌ على مصر لطال بكاؤه
تقسمها الأقوام لا ذو حمية ٍ            فيحمى ولا واقٍ فيرجى وقاؤه
وما مصر إلا موطن نحن أهله     عزيزٌ علينا أرضه وسماؤه
فيا حبذا قبل الشقاء نعيمه                  ويا حبذا بعد النعيم شقاؤه
ثوى فيه أقوامٌ مللنا ثواءهم                 ويا رب ثاوٍ لا يمل ثواؤه
لقد كان يابى أن يذل لغاصبٍ      فيا ليت شعرى أين ضاع إباؤه
ويا ليت شعرى أية بان عزه         وأين تولى مجده وعلاؤه
لقد كان يرعاه رجالٌ أعزة ٌ             بهم من صروف الدهر كان احتماؤه
همو ضاربوا عنه فصانوا ذماره     بصارم عزمٍ ما يرد مضاؤه
بنى وطنى لا تسخطوه عليكمو     فليس سواءً سخطه ورضاؤه
بنى وطنى خلوا التخاذل إنه       بلاؤكمو يجتاحكم وبلاؤه

شعر – أحمد محرم



صليل الحبال


أخى من خلال حبال السياط ومن حلقات القيود الثقال
تطلّع إلى وطن الكادحين وقد شنقوه بسود الحبال
ولفّوه بالخرق الباليات وألقوه فى ظلمات الحفر
وهالوا عليه التراب الكثيف كأن لم يكن فى ربيع العمر
أخى من خلال الجدار الكئيب ومن فجوات الدّجى والحطام
تطلّع إلى الأعين الغائرات وقد علقّت بسقوف الخيام
هنا يمضغ الجائعون التراب هنا يعصر الظامئون الحجر
هنا تكتسى بالظلام العراة أخى من هنا سوف يمشى الشرر
أخى من هنا سوف تجرى السيول
فتجرف أغلالنا والوحول
ويثأر من قاتليه القتيل
فنقرع أجراسنا والطّبول
ولن نحرث الأرض للمرتوين
من الدّم يجرى على كلّ طين
ولكن لأطفالنا الجائعين
وقد ملأوا بالتراب البطون
ولن نستقى قطرات المطر
ولن نكتفى بجذور الشجر
ولكن بكلّ شهيّ الثمر
سقيناه حتى ارتوى وازدهر

شعر- معين بسيسو
المسافر


فتح الإنسان عينيه وقال
لا أرى أثار طفلى فى الرمال
أين ولىّ أين يا شمس وهل
من لظى عينيك تحميه الظلال
أين ولىّ أين يا ريح وهل
حين تشتدّين تأويه الجبال
أين ولىّ أين يا سحب قفي
واسمعى منه أغانيه الطوال
فهو صوت البحر سهران على
صرخة الطائر تدميه الحبال
وارتعاش القفر مسّت قلبه
نسمات من سراب وخيال
واهتزاز الجبل السكران في
قلبه البركان قد غنّى ومال
وانتفاض الكوكب النائى رأى
قدم الكلب على عنق الغزال
وصراخ العبد فى النار هوى
حاضنا أغلاله السود الثقال
وغفا الإنسان إلاّ شمعة
زادها الفجر اشتعالا فى اشتعال
وعلى أضوائها الحمر مشى
ذلك الطفل السماويّ الجمال
حاملا إكليل زهر لم يلد
مثله غصن على تلك التلال
وإذا ما اشتبكت أظلاله
بظلال الفجر ألقاه وقال
حمل الناس الأمانى مثلما
حملت عودا من القش النمال
أمطرى يا هذه السحب فلن
تطمسى آثارهم فوق الرمال

شعر -  معين بسيسو

أغنية إلى جبل النار
جبل النار
يا خيمة دم
فى ريح الثورة منصوبه
ما زال وراء المتراس الثائر
ومن الوطن الهادر
وطن الزنبق
والأفق الأزرق
والأيدى المسنونة كالصخر الأحمر
فى ليل الخنجر
فى الليل الأصفر
من كلّ معسكر
يهديك ضحايانا قمصان الدم
والفجر الأحمر أنشوده
جبل النار
والصيحة فى القلب
يا شعلة ورد
تتوهّج فى أشواقي
ويضيء شذاها القلب
فترفرف فى عينيّ الدرب
وترفرف أصوات رفاق
أسراب رعود
فى آفاقي
جبل النار
يا صوت الزيتون الأخضر
يا صوت « زيادين « الهدّار
يا ظلّ السيف على عنق الخائن
لبيك أضأت لك البيرق
وأنا فى الدرب

شعر – معين بسيسو

 


أعلل نفسى والأمانى طماعة


أعلل نفسى والأمانى طماعة ٌ      ونفس الفتى تلهو وذو العيش يأمل
أعللها بالصالحات من المنى           وبالدهر من بعد الإساءة يجمل
وما حاجتى أن أرتعى العيش ناضراً      أعل بماء الخفض فيه وأنهل
ولكننى أرجو الحياة لأمة ٍ           تقاد إلى الجلاد ظلماً وتقتل
يكيد لها أعداؤها ويخونها        بنوها فما تدرى على من تعول
أرى سوءة ً شنعاء لست إخالها      بغير الدم المهراق عن مصر تغسل

    شعر – أحمد محرم
 
من مذكرة الليل


على جدار ليلى الرهيب
رسمت صوتك الحبيب
وآسمك الحبيب زنبقه
من شطّ بحرنا وموجة مؤرّقه
على رمال سهدها الطويل تنتظر
من الغيوم فارس القمر
رسمت صوتك الحبيب
واسمك الحبيب
برعما من النسيم
منوّرا فى جحيم

صحراء عزلتى وليلى الرهيب شعر – معين بسيسو