السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«رحلة الحياة» فى معرض فاتن النواوى «الأوديسا والسيرك»




من المعتاد أن يناقش علم النفس قضية الوجود الإنسانى والكون بعدة نظريات فلسفية وعلمية منها كيف يتوازن الإنسان على أرض يحيطها كائنات تتحرك دائما لتصنع وجوداً، ولكن غير المعتاد ان نجد فناناً تشكيليا يطرح المفاهيم الفلسفية وعالم الميتافيزيقية ويعيد قراءة الكون بمعالجة ورؤية فنية وقيم جمالية وتقنيات وعناصر ومفردات استلهمت واستمدت من التراث والموروث الحضارى هذا ما قدمته لنا الفنانة التشكيلية فاتن النواوى فى معرضها المقام بقاعة بيكاسو تحت عنوان «الاوديسا والسيرك».

ماذا تعنى الاوديسا؟ هى تلك الرحلة الطويلة الشاقة للإنسان، ورحلة عبر التاريخ من التاريخ وأحيانا إلى التاريخ، ورحلة بين السماء والارض، ورحلة الانسان للحياة وقدرة على الاتزان والتوازن بين متناقضات الحياة أحيانا تجذبه الاشياء واحيانا آخرى تبعده وتنفره الاشياء، يبحث على نقطة ارتكاز تمكنه من الاستمرار والاستقرار، لاننا نعيش فى عالم كونى يسكنه بالأسطورة فكيف لنا ان نكون.

ونتساءل ما العلاقة بين الأوديسا والسيرك؟ لم تقصد الفنانة بالسيرك تلك اللعبة الاكروباتية السيرك مسرحاً لممارسة اللعبة الوجودية، هو مجرد رمز يحمل مضمونه ذلك العالم الذى نعيش فيه ونحاول ايجاد مكان فيه  ولايجاد هذا المكان لابد من الحركة الدائمة التى تمكننا من الاستقرار تلك هى لعبة الحياه، تشبه لاعب السيرك يرتفع الى اعلى وفى لحظات قد يسقط، إذا لم يكون فى وضع متوزان،  ونحن كبشر نقوم بنفس الفعل بشكل يومى قد توازن ونقف ضد من يحاول سرقة تاريخنا  حاملين سلاح الموروث الحضارى  عبرت عنه الفنانة باستخدامها لموروثات فرعونية وشعبية، وتوازن الآخر بما نحمله من طاقه إيجابية ومرونه تمكنا من التغير والحركة فى الاتجاه الصحيح دون ان تسقط، هذا المضمون حقتقته الفنانة فى لوحاتها مستخدما مجموعه لونية تراثية  البنى والاصفر الرملى  مما اوحى للمشاهد اننا فى رحلة الحياه منذ وجود الانسان على الارض وان رحلة حقبة من التاريخ  تعيد الجدل والحوار مع الحاضر.

ورغم ان رموز «النواوى» واضحة فى كل لوحاتها ويمكنها تتبع رحلة كل رمز وقراءته إلإ انها توظف الرموز بعدة معالجات منها تعبيرية ومنها سيريالية جعلت القراءة النقدية للمتلقى تختلف وهذه التعددية فى القراءه اعطيت الاعمال قيمة فكرية تضاف الى قيمة الاعمال الفنية والجمالية والفلسفية.
وتقول الفنانه  فاتن النواوى عن اعمالها: ان هذا الموروث لم اختره ولكنى وجدته يراودنى ويشغلنى، ففى لوحات السيرك تتشكل الخلفية من عناصر تستمد وتدعم كيانها من الجاريات والبرديات الفرعونية والفخاريات الاغريقية والرومانية والنسجيات القبطية والمنمنات الاسلاميه وقد تتشكل من عده مستويات متوازنه من زخم من عناصر مشابهة فى الكيان والحاله لعنصر المقدمه، تداخل السيرك والاسطورة يطرح مفهوم الاتزان الحرج فالتكوين المقام على حافه الاتزان يوحى بانه اى ازاحه ضئيلة حتما ستغير من وضعية التشكيل باجمعه او حتى تصل به الى حد الانهيار حيث الثبات هلامى والدوام للحركة فلا يجب ان نراهن بوجودنا على الحافه التى لا تسمح بالدوام فالارتكاز هو مجرد نقطه انتقال لمواقع تاليه لنتجنب عواقب الحركة وهى رؤيه استلهمها الفنان من الحياه بوجوده وافلاكه واجرامه، وايضا الاسقاط على الكون بالاضافه الى تداخله مع الاسطورة قد يطرح مفهوم دينامية التبادلية حيث تتأكد الخلفية كعمل مواز ومساو لمقدمه اللوحه، واى عنصر خلفى يمكنه ان يتقدم ليشغل حيز الفراغ ويملأ المقدمة الى ان ياتى دوره ليتراجع متنازلا عن حجمه وعن حضوره اللونى وايضا يؤكد كل عنصر على كينونته كنموذج ووجود كونى مصغر وكعالم متكامل يمثل نسخه من العالم الاكبر يحمل صفاته داخليا ويملك مداراته الخاصة وهكذا يستمر ويدوم الحوار فى دينامية متلاحقه بين اللوحه والخلفية مثلما الاجرام والافلاك فى الكون، والتوغل فى الاقتراب او الابتعاد يقودنا الى كل كيان توهمناه هو عالم من العناصر اللانهائية.

أما عن لوحات الكتله والخط فتقول النواوى: كثير من اعمال ما بعد الالفين تطرح الكتله كواقع حقيقى ملموس او حتى كوجود افتراضى غير ملموس والخط كوسيط من ابتكار اصيل للانسان طوعه فى نظرياته وفرضياته العلمية ليكون ناقلاً يتعامل مع الادراك والحاله الذهنية المتلقية لاى واقع موجود مطروح للمتلقى.