الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التحليل النفسى لقيادات الإخوان المسلمين اردوغان (3) الحلقة 28




المريض
 د/ على الشامى
 يقول الكاتب والفيلسوف اليونانى نيكوس كازانتاكيس: «ما إن نولد حتى تبدأ محاولاتنا فى أن نخلق ونبتكر، أى أن نجعل للمادة حياة»، أى نولد فى كل لحظة، لذا جاهر البعض ولا أبالغ إن قلت أن هدف الكثيرين فى هذه الحياة هو الخلود، فى الأجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران، الصاعد نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود، الهابط نحو التحلل، نحو المادة، ويقول «نيكوس» أيضا فى وصف هذين التيارين: «هذان التياران كلاهما مقدس»، إلى هنا انتهى كلام كازانتاكيس، ويقول الطبيب النفسى والمفكر النمساوى الشهير سيجموند فرويد: «إن الإنسان يحمل داخله - أى فى النفس اللاواعية - رغبتين احداهما هى رغبة البناء، ودعاها «الإيروس»، والأخرى رغبة الهدم وسماها «الثانتوس»، وفى بدء مشروعه العلمى أكد سيجموند فرويد أن الإنسان تحركه الدوافع طبقًا لغرائزه الجنسية فقط، تعرض بعدها لانتقادات شديدة ورفض أشد فى الأوساط العلمية والطبية أجبرته على تعديل آرائه فى نهاية حياته إلى مفهوم أقل حدة، وهو أن الجنس هنا المقصود به كل صور البناء والحياة، وأن العدوان والتدمير المقصود به كل الصور السلبية والهدم والرذائل حتى المعنوية منها، بل خصوصا المعنوية منها التى يمكن أن تندرج تحت هذا اللواء.

وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميري، بل وبتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، هذا الطوفان هو جماعة الإخوان الإرهابية، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية، فيما عرف إعلاميا بمشروع «الأخونة»، وقام على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها،  حتى لفظت مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى الغريب النبت، ونحن نهدف هنا بالأساس  لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم، وبعض الديناميكيات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، نتساءل: ما هوالتكوين النفسى لهذه الشخصيات؟، هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟، سنحاول جاهدين بلا إفراط ولا تفريط  أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات، والتى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة، فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو. 

فى الحلقة السابقة توقفنا عند مكونات شخصية أردوغان وتفسير جوانبها، نستكمل هنا ما بدأناه وأعود بكم هنا قليلا إلى الوراء نسترجع التاريخ، ألمت بمنطقة العالم العربى أزمات كثيرة فى تاريخها الطويل بحكم موقعها وطبيعة الجغرافيا والتاريخ والمحيط لهذه المنطقة المركزية والاستراتيجية وفى الحقيقة اسميها أزمات لكنها فى الواقع نكبات بحكم تأثيرها على ماضى وحاضر ومستقبل هذه المنطقة الأولى بامتياز كانت فكرة الخلافة الإسلامية وأقول هنا الفكرة فى بعض مراحل الخلافة نفسها كانت جيدة على المستوى الاجتماعى والاقتصادى فضلا عن السياسى إلا أن فكرة أن هناك من هوموكل بحكم عصب أوعرق أن يولى أمور الناس فى هذه المنطقة التى اتسعت لتضم وسط آسيا وأجزاء من أوروبا فى بعض المراحل التاريخية هذا التصور هو محض خبل أن شخصا لمجرد كونه يحمل D N A القرشى مهما بلغت درجة ضعفه – حد تلاعب الوزراء به – أو محدودية قدراته – حد إضاعة الدولة وهو ماحدث للأسف، أما الأمور الأخرى التى تمثل أيضا نكبات موازية فتجد المغول والصليبيين والصهيونية ولكن الأخطر من كل هذا كانت الحركة الوهابية المدعومة من الاحتلال البريطاني، بل المقامة والناشئة بضوء أخضر من هذا الاحتلال وهى حركة كانت كفيلة وحدها بالعودة بالمنطقة لأكثر من ألف عام إلى الوراء، أما الطامة الكبرى الحقيقية التى عصفت بهذه المنطقة هى الوباء والوبال المسمى تركيا.

لا أعفى بهذا التقديم أناسا تقاعسوا عن العمل والكفاح للارتقاء بأوطانهم ولا اغفل أو ابخس حق آخرين بذلوا كل شىء فى سبيل هذا الوطن إلا أننى اعرض الأمر بشكل منهجى ومحايد وليقبل من يقبل ويرفض من يرفض وأهلا بالجميع على طاولة المناقشة حيث لا مقدس فما من شر إلا وجاء إلى العالم العربى عبر تركيا وما من خير إلا وسلب من العالم العربى عبر تركيا، فالاستانة - عاصمة الخلافة العثمانية - جرفت الثقافة العربية ونقلت المحترفين من العمال والصناع والموهوبين فى كل المجالات إليها من كل الأصقاع العربية للاستفادة بهم وحرمان أوطانهم منهم، سلبت أيضا أموال المنطقة العربية وقوت شعوبها بحجة الجزية للباب العالى الرجل المريض الجالس هناك فى قصبة حكمهم وجعلت أن رجلا تركيا – لم يكن إلا محدود القدرات والمواهب – لمجرد كونه تركيا يسيطر على بلد كامل بأمر من الرجل المريض الجالس فى الاستانة، وللأسف عندما قامت الثورة العربية على يد شريف مكة بمساعدة لورنس كانت لتحقيق أهداف استعمارية خفية – لا أنكر وطنية من قاموا بالمقاومة ضد المحتل التركى ولكن الأمور صبت فى النهاية فى مصلحة المحتل الأجنبى ولم يسلم محمد على ومشروعه من التحالف الدولى لإسقاطه بعد أن هدد مصالح إمبراطوريات أوروبا وروسيا أثناء اكتساحه للجسد التركى المريض المتداعى.

أما أردوغان وريث كل هذا البغض والتشوه فقد سار على نهج أسلافه كما وضحنا من قبل طبقا للوعى الجمعى لبلاده وتصور أنه الوالى العثمانى ولم يدرك انه الرجل المريض أيضا وهنا ملمح نفسى هام طبقا ليونج وهوأيضا ملمح يتماس مع نظرية التحليل النفسى الخاصة بالعالم سيجموند فرويد يتحدث العالمان عن صراع ما ينشأ فى النفس الإنسانية يرى فرويد أن صراعا ما ينشأ بين الأنا العليا وهى السلطة الأبوية أومنظومة القوانين الصارمة وبين «الهو» وتعنى الغرائز، أما يونج فيرى أن العالم والنفس البشرية بالطبع تقوم على الصراع فكرة الصراع فى حد ذاتها أى ديناميكية العالم والصراع هذا نتيجة التعارض وهو الوقود اللازم للحياة ذاتها والصراع هذا يكون بين ضدين، وهذا الصراع يحدث بسببه حيل دفاعية كالتعويض مثلا عند يونج وهى محاولة للوصول لحالة التوازن وهوما تحدثنا عنه فى الحلقة السابقة وتكون الحيل عند فرويد لتقليل القلق العصبى الناتج عن هذا الصراع .

والتحقق أعنى تحقيق الذات عند يونج يأتى بشيئين، الأول هو استحضار ماضى السابقين أوالأسلاف، الثانى هو تحقيق مستويات الطموح فى الإنسان، وإذا قمنا بتطبيق ذلك على أردوغان فإن الرجل يتمثل أسلافه العثمانيين ويحاول فرض سيطرة ساقطة بحكم الزمن والمعنى على حاضر تجاوز هذا الهراء، أما الثانى فهو محاولة تحقيق طموح بالاستعراض والتوحد مع دور الخليفة كإخوانى أوالسلطان كتركى، نرى ذلك فى محاولات التطاول على الأزهر الشريف وقاماته وتمثيل دور البطل القومى وتركه لمؤتمر دافوس وتصدير المشهد على أنه الرافض للصهيونية وهكذا، واستحضاره لحالة العداء تجاه الأكراد ببيت شعر حرمه من الممارسة السياسية لفترة طويلة وهوأمر لافت ويجب أن يوضع فى إطار المرض أوالخلل النفسى .

يرى يونج أننا باستمرار نضع قناعا وسماه بيرسونا persona وهو مصطلح مشتق من المسرح اليونانى القديم حيث كان الممثلون يضعون أقنعة مناسبة للدور الذى يقومون به، ويعنى به الوجه الذى نخرجه إلى المجتمع أونظهره أمام الناس، وهو فى الغالب لا يمثلنا أولا يمثل حقيقة نفوسنا، ونجد أردوغان يخرج إلينا دوما بصورة القائد الملهم أوالإمبراطور الفاتح أوالخليفة المؤمن أوالحاكم الليبرالي، تارة يخرج باكيا وتارة شاهرا، حاد الكلمات، كل هذه الأقنعة لا تخفى سوى وجه واحد قبيح مريض يحمل إرث جماعة إرهابية هى جماعة الإخوان، ويحمل أيضا إرثا أكثر أمم الأرض إجراما وقلة نفع للبشرية .. عن تركيا أتحدث .