الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الرحلة الأخيرة لشهداء الحرية.. مجهولو الثورة.. من أين وإلى أين؟




تحقيق- مروة مظلوم

قديمًا عرف الناس الحرب وخضبت دماؤهم ثرى الأرض فى سبيل الحق حينًا وفى سبيل الباطل أحيانًا،وسقط منهم من سقط شهيداً أو معتدياً واحتضنتهم الأرض جميعاً فى باطنها بعد أن تجرعوا كأس الموت..  ولكنهم مع ذلك كانوا يقدمون عليه على استحياء  قبل أن يلوثوا أيديهم بالدماء.. يغلفهم الندم والروع.. أما  الآن فقد صار الدم هيناً مباحاً  لا مهابة فيه ولافرق بين كبير أو صغير غنى أو فقير معتدى أو معتد عليه.. الجميع ضحايا.. العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وثورة 25 يناير..

نبدأ الرحلة مع أحد أيقونات الثورة «جيكا» جابر صلاح جابر.. التى  يرويها لنا والده فيقول «هو الابن الأصغر المدلل «برجولة» عمره لم يتجاوز السادسة عشرة وكان يتمتع بشخصية قوية جداً، بعد الثورة كان مثل باقى الشباب الثائر ضد عودة نظام مبارك الفاسد المتمثل فى الفريق أحمد شفيق ولكن جولة الإعادة بينه وبين مرسى أصابته بإحباط فقرر المقاطعة وعدم المشاركة فى هذه الجريمة وبصعود مرسى  للرئاسة أشعل من جديد ثورته وزملاؤه ضد حكم الإخوان، وقام بعمل صفحة على فيس بوك باسم «معاً ضد الإخوان «والتى حرضت على النزول فى مسيرات والحشد ضدهم حتى وصلته رسائل تهديد على صفحته منهم  تتوعده وزملاءه فاستهزأ بها «جيكا»، ونزل لإحياء ذكرى محمد محمود.
يصمت الأب قليلاً الأب ثم يتابع «أذكر ذلك اليوم  ودع أصدقاءه على الفيس بوك كانت نصيحتى له «بلاش عنف» فطمأنى أنها مسيرات سلمية للتذكير بحق من ماتوا وتناساه رئيسهم الثورى «مرسي» ونزل «جيكا» عاد فى آخر الليلة سعيد أنه لم يحدث أى اشتباكات ومر اليوم بسلام ، لكنه فى الصباح وهو فى طريقه إلى المدرسة جاءه خبر أن أصدقاءه ضربوا فى اشتبكات بمحمد محمود فذهب إلى هناك لم يمر وقت طويل حتى وصلنى خبر استشهاده برصاص احد القناصة .
يضيف صلاح جابر جميعنا ينتظر عدالة السماء التى تعيد الأمور إلى نصابها ما روج من شائعات ومتاجرة بدماء الشهداء وقف الجميع حاملاً صورة «جابر» ومن تحتها شعاره الخاص.. أصدقائه الثوار.. قتلته من الإخوان.. لكننى لازلت وأمه على ثقة بأن عدالة الله قادمة لتقتص لكل ما أسيل من الدماء».
مافات كان قصة شهيد خرج من بيته إلى المدرسة  فاستقبله الموت.. ولكن أين يمكننا البحث عن أبنائنا المفقودين هنا بين أروقة هذا المكان  يمكنك اكتشاف تلك الحقيقة دون تجميل أو تزييف.. يمكنك أن تكتشف أن خروجك فى مظاهرة أو مسيرة أو حتى خروجك للعمل صدفة قد يحولك إلى رقم فى دفاتر دار التشريح «مشرحة زينهم» التى ماعادت تستقبل ضحايا الجرائم الجنائية والنفوس المريضة.. وإنما صار معظم موتاها ضحايا الحرية والفكر الثورى الذى هبت رياحه على مصر فى الـ25 من يناير عام 2011
من هذه المشرحة نصحبهم فى رحلتهم الأخيرة.. يحدثنا عنها د.هشام عبد الحميد فرج مدير عام دار التشريح  فيقول عن إجراءت استخراج تصريح الدفن «بالنسبة للجثث المجهولة يتم منحها رقم من 1- 2000  لا يتم التعامل معها بصفتها الشخصية إنما بصفتها أرقام  تقوم النيابة  بتصوير الجثمان ويتم استخلاص عينة الـ(DNA).. يتم فحص  وعمل تحاليل لمن تقدموا ببلاغات عن مفقودين فى نفس الفترة التى وقعت فيها الوفاة لاثنين من أفراد الأسرة ومقارنتها بـ (DNA) الخاص بالجثمان وإذا لم يتم التعرف عليه يحفظ الجثمان فى الثلاجة لمدة شهر يتم بعده مخاطبة النيابة  بأن فلاناً «رقم» لم يتم التعرف عليه أو نسبه لأى شخص ونرجو اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لاستخراج تصريح بالدفن بمقابر «الصدقة»، ويتم الاحتفاظ بصور الجثمان وملابسه  عسى أن يبحث عنه أحد أقاربه مستقبلا.
يؤكد د. هشام «لا يمكن الاحتفاظ بالجثمان لفترة طويلة دون أن تتغير ملامحه  فلابد من حفظه فى درجة حرارة تحت الصفر أى أنه بحاجة لثلاجات تجميد ولكن  الثلاجات المتاحة بالمشرحة للتبريد فقط وهو مايعنى أن  الجثة بعد فترة قصيرة جداً تتغير ملامحها «أسبوع فى الشتاء « وبعد 3 آيام فى الصيف»، ويخرج من  المشرحة فى المعتاد مابين 7 أو 8 جثامين أسبوعياً  للدفن من بينهم اللقطاء».
أما عن مجهولى المسيرات الواردين إلى مشرحة زينهم فيقول د. هشام أن الأحداث الأخيرة كان لها وضع خاص من حيث الاهتمام  والأعداد كانت أكبر من حجم ثلاجات المشرحة ما اضطرنا لإبقاء أعداد كبيرة خارجها وإخراج 4 برادات لحفظ الجثامين بها .. حتى يتم الانتهاء من فحص المعلومين إخراج تصاريح دفن لهم لفك حصار الآهالى حول المشرحة..
فى تلك الفترة نزل مصورون لتصوير الجثامين  وترقيمها لعرضها على الآهالى فى شاشة عرض خاصة «داتا شو» حتى لا تكون عملية تعرفهم على ذويهم مؤذية نفسياً فضلاً عن اختصار الزمن، وحتى فى حالة عدم تعرفهم عليها يقوم فردان من الأسرة بأخذ عينات الـ(DNA).. ومع الأعداد الكبيرة تكلف الأمر 180 ألف جنيه.
وبسؤال عبدالحميد عن ضرورة إخطار مجلس الوزراء فى مثل هذه الحالة كما حدث مع شهداء 25 يناير فقال: لم أحضر أحداث 25 يناير لكن فى الحالات العادية تخاطب النيابة الجزئية لكن فى أحداث رابعة قمنا بمخاطبة النائب العام المساعد وجاء تصريح الدفن لمجهولى رابعة وهم 35 جثة منها 6 سيدات والباقى ذكور.
ويضيف عبد الحميد: هناك تبرعات بالأكفان تأتى للمشرحة فضلا عن تعاقدها مع أحد المختصين «بغسل الموتى».. ويقوم بتسليم الأهالى جثث  ذويهم لدفنهم، وفى حالة المجهولين يصحبهم للدفن بمدافن الصدقة «مدافن محافظة القاهرة» بالبساتين، وهناك من طلب  متبرعاً  بدفنهم من الجمعيات الخيرية ، لكن قوبل طلبهم بالرفض فهم مسئولية الدولة من الدرجة الأولى...
وإلى هذا المكان يأتى الجزء الثانى من رحلتنا إلى مقابر الصدقة بمنطقة تدعى التونسى على طريق البساتين يمكنك أن تدير ظهرك لأشهر مساجد المنطقة «جامع الكحلاوي» مداح الرسول لتسير فى طريق يفترش فيه بعض تجار بضائعهم القديمة استعداداً للسوق الأسبوعى.. نعم ياسيدى الزائر مرحباً فى أشهر أسواق الروبابكيا فى مصر «سوق الجمعة».. ثم تدريجياً تحملك خطاك إلى طريق أسفلتى مقفر محاط بسياج من المقابر على الصفين يخلو  من المارة بشر أو سيارات أو حتى حيوانات ضالة  من كل شيء إلا رائحة الموت.. وبتدقيق النظر على اللافتات الرخامية للمقابر تجد لافتة متوسطة الحجم كتب عليها بحروف واضحة «مدافن محافظة القاهرة» وإلى جانبها لوحة أخرى كتب عليها «شهداء باكستان»!!! بالاقتراب من الباب الحديدى للمقبرة يخيل إليك أن شيئاً يتحرك بالداخل.. ربما هى رغبتك فى أن تجد حياً فى هذا المكان تسأله عن وجهتك أو تحصل منه على أى معلومة !..  فتخرج لك من أحد الممرات سيدة عجوز تحرك بالكاد قدميها.. وبسؤالها عن «التربي» المسئول عن تلك المقبرة تنادى العجوز «يا أم محمد « تعالى.. زوار.. تعالى افتحى لهم.. فتخرج سيدة من أحد المقابر المغلقة معها مجموعة من الأطفال الذين يكسوهم التراب فبالكاد تميز ملامحهم وتبدأ فى فتح المقبرة وهى تقول:
«اسمى  صباح  مرات كامل «التربي» من كام يوم طلع فى التليفزيون لما جم يدفنوا بتوع رابعة هنا».
«طيب وبتوع 25 يناير ياست صباح».. «جنبهم على طول كل دى خنادق لسة مفتوحة جديدة».
مهلاً عزيزى الزائر بالله عليك يجب أن تحترس وقدمك تخطو فى هذا المتحف الطبيعى لجرائم النظام السابق.. جرائم المخلوع «مبارك» فهناك لافتة رخامية كتب عليها شهداء حادثة الطائرة البوينج بأسماء طاقم الطائرة.. وإلى جوارها شهداء العبارة «السلام».. وإلى جوارها يرقد شهداء حادثة «قطار الصعيد».. وهنا شهداء «25 يناير» ورابعة.. وقبل أن تسقط دموعك لتبلل ثرى جنود مصر المجهولين يجب أن تسأل  نفسك بضعة أسئلة وأحتفظ بإجابتها.. لم هانت حياة المصريين على المصريين؟.. فى أى شرع تباح الدماء.. أى ريح حملت الموت لأبناء هذه الأرض؟.. لماذا يأت هذا الشر الذى تشقى به مصر الآن ؟.. وهو ليس من طبيعة المصريين، لأن طبيعتهم خيرة، ولا من طبيعة الإسلام، لأنه سمح وأطهر من ذلك.. وقبل أن ترحل عن المكان ودع أهله.. السلام عليكم شباب مصر خير أجناد الأرض.. اننا ندين لكم بمصر القادمة وندين لكم بمستقبل أبنائنا ولا يوجد على الأرض ما يوفيكم حقكم وسيكون حدادنا عليكم الى يوم مماتنا فأنتم من رفعتم اسم مصر عالياً وأنتم من أعدتم لنا كرامتنا.. السلام عليكم دار قوم آمنين.