الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

تدمير المتحف الإسلامى شاهد على جرائم الإخوان فى حق الإنسانية




كتبت - سوزى شكرى

خسارة فادحة وكارثة بكل المقاييس ما تعرض له متحف الفن الإسلامى من تدمير نتيجة الإرهاب الخسيس أثناء واقعة تفجير مديرية أمن القاهرة والمتحف ودار الوثائق بباب الخلق الملاصقة للمتحف، حيث يعتبر متحف الفن الإسلامى صرحا حضاريا مهما فى قلب القاهرة، ولكنه كان دائما إبداعا تاريخياُ وفنياً بلا زوار من المصريين إلا نادرا رغم انه أحدي ركائز السياحة الثقافية فى مصر ويسهم متحف الفن الإسلامى فى نقل صورة حية للعصور الإسلامية بداية من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، مرورا بالخلفاء الراشدين والدولة الأموية والعباسية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية.

كانت البداية امتدادًا للنهضة المتحفية والاهتمام بالآثار المصرية التى شهدها عصر «محمد على باشا»، صدرت مجموعة من القوانين لحماية الآثار المصرية، واعتبارها تراثا إنسانيا مهما يجب المحافظة عليه، مما دعا أمراء وحكام أسرة محمد على للتفكير فى إنشاء متاحف كبرى متخصصة ترقى إلى مستوى متاحف أوربا، وحينها أنشئ المتحف خصيصا ليكون متحفا للتراث والفنون الإسلامية.
كان ذلك فى عصر الخديو إسماعيل وبالتحديد فى 1869م، عندما قام فرانتز باشا بجمع التحف الأثرية التى ترجع إلى العصر الإسلامى ولما رأى هرتز بك ضيق المساحة فى صحن الجامع، استقر الرأى على بناء المبنى الحالى فى ميدان باب الخلق بجوار أهم نماذج العمارة الإسلامية فى عصورها المختلفة تحت مسمى «دار الآثار العربية»، وتم وضع حجر الأساس عام 1899 وانتهى البناء عام 1902، وتم افتتاحه على يد الخديو عباس حلمى فى 28 ديسمبر سنة 1903، وقد حضر الافتتاح أهم الشخصيات التاريخية هما الأمير محمد على باشا، والأمير أحمد فؤاد «الملك فؤاد الأول» واللورد كرومر المندوب السامى البريطانية والإمام محمد عبده مفتى الديار المصرية،  ليكون أول مبنى فى مصر شيد بالخرسانة المسلحة، ووفقًا لقانون الآثار 117 لسنة 83 اعتبر مبنى متحف الفن الإسلامى بالقاهرة من المبانى الأثرية وذات القيمة الفنية والتاريخية لأن القانون يقضى بتحويل المبانى التاريخية، التى يمر على إنشائها 100 عام إلى مبانٍ أثرية وتسجل كأثر.
كان عدد التحف سنة 1882 «111» مائة وإحدى عشرة تحفة وظل يتزايد حتى وصل قرابة ثلاثة آلاف تحفة عند افتتاح الدار سنة 1903 م، وتوالت بعد ذلك الإهداءات من الأمراء والملوك والهواة، حيث بلغ عدد التحف سنة 1952 م ( 16524) ستة عشر ألفاً وخمسمائة وأربع وعشرين تحفة، وكان لابد من توسيع مصادر تزويد الدار بالتحف عن طريق الشراء والحفائر خلال تلك الفترة، حيث أمدت الحفائر التى قام بها المشرفون على دار الآثار العربية فى الفسطاط، وجبل درونكة جنوب غرب أسيوط. وتم تغيير مسمى «دار الآثار العربية» إلى «متحف الفن الإسلامي»، واشتملت مجموعات المتحف على العديد من روائع التحف الفريدة التى تبين مدى ما وصله الفنان المسلم من ذوق رفيع ودقة فائقة فى الصناعة.
يضم المتحف مقتنيات تتجاوز مائة ألف تحفة تغطى ما يقرب من 12 قرنا هجريا، ويزخر بالتحف الإسلامية المختلفة المنشأ، ابتداء من الهند والصين وإيران وسمرقند، مرورا بالجزيرة العربية والشام ومصر وشمال أفريقيا وانتهاء بالأندلس وغيرها، كما يضم المتحف مكتبة بالدور العلوى تحوى مجموعة من الكتب والمخطوطات النادرة باللغات الشرقية القديمة مثل الفارسية والتركية، ومجموعة أخرى باللغات الأوروبية الحديثة كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية، إضافة لمجموعة كتب فى الآثار الإسلامية والتاريخية، ويبلغ عدد مقتنيات المكتبة أكثر من 13000 كتاب.
وقد زود المتحف بعد ذلك بعدد كبير من محتوياته عن طريق الهبات التى تبرع بها أبناء الأسرة العلوية، وينقسم المتحف الإسلامى تبعا للعصور والعناصر الفنية والطرز، من الأموى والعباسى والأيوبى والمملوكى والعثماني، ويقسم إلى 10 أقسام تبعا للعناصر الفنية وهي: المعادن والعملات والأخشاب والنسيج والسجاد والزجاج والزخرف والحلى والسلاح والأحجار والرخام، تعد بعض مجموعات المتحف من أغنى المجموعات فى العالم، مثل مجموعات الخزف الإيرانى والتركى ومجموعة التحف المعدنية ومجموعة السجاجيد، التى تضاعفت بعد اقتناء جانب كبير من مجموعة المرحوم الدكتور على إبراهيم فى سنة 1949، وقد حدث نمو هائل فى مجموعات المتحف حيث إن عدد التحف المسجلة عند افتتاحه فى ديسمبر 1903 بلغ حوالى 7000 تحفة، زاد إلى نحو 60000 سنة 1954، لكنها الآن تزيد عن 100000 قطعة، ومن أندر ما يضمه المتحف من التحف المعدنية ما يعرف بإبريق مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، ويمثل هذا الإبريق آخر ما وصل إليه فن صناعة الزخارف المعدنية فى بداية العصر الإسلامي، وهو مصنوع من البرونز ويبلغ ارتفاعه 41 سم وقطره 28سم.
كما يوجد فى المتحف مفتاح الكعبة المشرفة من النحاس المطلى بالذهب والفضة باسم السلطان الأشرف شعبان، وأقدم دينار إسلامى تم العثور عليه حتى الان ويعود الى عام 77 هجرية، بالإضافة إلى مجموعة متميزة من المكاحل والأختام والأوزان تمثل بداية العصر الإسلامى الأموى والعباسى ونياشين وأنواط وقلائد من العصر العثمانى وأسرة محمد علي.
يصل عدد المخطوطات فى المتحف إلى 1170 مخطوطة نادرة، تنتمى لإيران ومصر والمغرب والهند وإسبانيا وغيرها، وهى تنقسم إلى مجموعات، منها مجموعة مصاحف متنوعة كبيرة بعضها من مصر وبعضها من دول أخرى، مثل إيران والمغرب ويحتوى القسم على أقدم مصحف يرجع إلى العصر الأموى فى القرن الأول وبداية الثانى الهجري، وهو مكتوب على عظم الغزال، بالإضافة إلى مجموعة من المصاحف الفريدة التى أبدع فيها الفنان المسلم، مزينه بزخارف جميلة بأساليب فنية متنوعة، إضافة إلى نحو 70 نوعاً من الخطوط منها خطوط لياقوت المستعصمي، أشهر الخطاطين، والشيخ عبد العزيز الرفاعى آخر الخطاطين العظماء فى مصر، كما يحتوى المتحف على نماذج من الزجاج الإسلامى الذى انتشر فى مصر والشام وخاصة فى العصرين المملوكى والأيوبي، وضم ومجموعة نادرة من المشكاوات المصنوعة من الزجاج المموه بالمينا، التى تعد أهم نماذج فن الزجاج.
فى 14 أغسطس 2010 بعد انتهاء عملية التطوير والترميم الشاملة للمتحف والتى استغرقت حوالى 8 سنوات منذ عام 2002الى 2010، وتم الإستعانه بمؤسسة « أغاخان « لتخطيط المتحف، كما تمت عملية الترميم بمساعدة بمساعدة خبراء من فرنسا متخصصون بترميم قطع الفسيفساء والنافورات الرخامية، وهى أكبر عملية تطوير يشهدها المتحف خلال مئة عام، وجاء الاحتفال بانتهاء التطوير متزامنا مع الاحتفال بمئوية انشاء المتحف وتضمنت عملية تطوير المتحف تهيئة قاعاته وفقا للتسلسل التاريخي، وتزويده بأحدث وسائل الإضاءة والتأمين والإنذار إضافة إلى تغيير سيناريو العرض المتحفى وتزويده بفتارين عرض حديثة على أعلى مستوى من سيناريوهات العرض المتحفية لتتناسب والكنوز الأثرية والفنية التى يحويها، وإعداد حديقة المتحف بالشكل الذى يتناسب مع تاريخه، فضلا عن تهيئة المنطقة المحيطة بحرم المتحف بما يترافق مع تنشيط حملة علمية للتوعية بالآثار الإسلامية، كما سيتم تزويد المتحف بوسائل تأمين حديثة لحمايته من السرقة، وتأثير العوامل المناخية.