الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الإرهاب يدمر تراث الفن الإسلامى فى القاهرة




تحقيق - علاء الدين ظاهر

انفجار ودخان وصراخ ودماء..وتدمير لتاريخ المسلمين..إنه الإرهاب الأسود الذى أطل برأسه على مصر الجمعة الماضية حينما انفجرت سيارة مفخخة أمام مديرية أمن القاهرة لتؤدى إلى قتلى وجرحى وتدمير لمتحف الفن الإسلامى المقابل لمديرية  الأمن..فى كارثة – وحسب قول الأثريين وخبراء التاريخ - أعادت للأذهان واقعة سقوط بغداد فى يد المغول عام (1258م-656هـ) وما فعلوه تحت قيادة هولاكو حفيد جنكيزخان داخل بغداد,حيث قاموا بحرق كتب تمثل زخرة تفكير وعلم المسلمين وإلقائها فى نهر دجلة،وهو حدث جلل أصبح من الثوابت فى التاريخ ولما لا وقد أكل الحقد قلوب المغول على كل ما هو حضارى لدى المسلمين,ودفعهم هذا لتدمير تراث عشرات الآلاف من العلماء الأجلاء فى كافة فروع العلم.

المتحف أيضا لا يقل مكانة عن مكتبة بغداد فى تاريخ المسلمين,هو أكبر متحف إسلامى بالعالم حيث يضم مجموعات متنوعة من الفنون الإسلامية من الهند والصين وإيران مرورا بفنون الجزيرة العربية والشام ومصر وشمال أفريقيا والأندلس,كما أنه أكبر معهد تعليمى فى العالم معنى بمجال الآثار الإسلامية وما يعرف بالفن الإسلامى ككل حيث يتميز بتنوع مقتنياته سواء من حيث أنواع الفنون المختلفة كالمعادن والأخشاب والنسيج وغيرها،أو من حيث بلد المنشأ كإيران وتركيا والأندلس وبلدان كثيرة.
الكارثة التى تعرضت لها مديرية أمن القاهرة لم تكن مجرد حادث إرهابى غشيم وحقير,بل فاجعة إذا ما شئنا أن نسميها وأسبابنا فى ذلك منطقية تماما,حيث تسبب ذلك الحادث الإرهابى فى كارثة حضارية وإنسانية تمثلت فى تعرض المتحف الإسلامى «متحف الفن الإسلامى» إلى التدمير حيث التأثر الشديد لجدران ومقتنيات المتحف مما أسفر عن تحطم لمعظم ديكورات المتحف الداخلية وتساقط الأسقف وتهشم للزجاج الخارجى للمبنى الاثرى وتهشم كامل لفاترينات عرض المقتنيات الأثرية,ونتج عنه تهشم للعديد من المقتنيات النادرة والتى لا تقدر بثمن من بينها المحراب الخشبى النادر للسيدة رقية الذى تحطم بالكامل بجانب تأثر الآثار الاسلامية المحيطة بمنطقة الحادث ومنها مسجد أغا الحين ومسجد الامين حسين وجامع البنات وفاطمة الشقرا حيث تحطمت الشبابيك الجصية والزجاجية والشخشيخة الزخرفية والابواب الخشبية لتلك المساجد.
الانفجار والدمار الذى حدث فى منطقة المتحف كان قاسيا حتى أن تأثيره إمتد خارج مصر حيث أعلنت منظمة اليونسكو أنها قررت المساهمة بشكل مبدئى بمبلغ 100ألف دولار لترميم المتحف وأثاره المدمرة,على أن تكون تلك بداية لإطلاق حملة دولية لإعادة ترميم المتحف,بجانب أنها سترسل بعثة فنية من خبرائها لتقيم موقف المتحف الاسلامى وتقدير حجم ما أصاب مقتنياته من أضرار تمهيدا لتعبئه جميع امكانيات المنظمة الدولية للمساهمة فى مشروعات الترميم الخاصة بمبنى المتحف ومقتنياته الاثرية.
الصدمة كانت قاسية على الجميع بمن فيهم المسئول الأول عن الآثار فى مصر د.محمد إبراهيم وزير الآثار الذى قال إن المتحف دمر بالكامل ويحتاج إلى إعادة بناء من جديد كما قال إن كل من يناصب العداء للشعب المصرى وحضارته وتاريخه ليس له دين ولا وطن واصفا اياهم بخفافيش الظلام التى يجب ان يتم التخلص منهم ومحاربتهم بلا رحمة او هوادة وقد بدأنا عقب انتهاء المعاينات الجنائية للمتحف فى اخلاءه من مقتنياته الاثرية وتم تشكيل لجان من وزارة الإسكان والآثار لتقدير التلفيات وإمكانيات إعادته إلى ما كان عليه خاصة أن تكلفة تطويره بلغت اكثر من 107 آلاف جنيه ويحتاج الآن إلى أضعاف هذا المبلغ من قوت الشعب المصرى لإعادته إلى ما كان عليه.
وعلى الفور بدأ فريق الاسعافات الاولية وادارة الازمات بوزارة الاثار اعمال الانقاذ الأولية للآثار الأكثر تضررا بالمتحف الاسلامى جراء الانفجار الاهابى,وتجميع الاثار المتناثرة داخل فتارين العرض وبأروقة المتحف باستخدام ادوات من البلاستيك والاسفنج والقماش المعالج تمهيدا لنقلها وإجراء اعمال الترميم اللازمة لمعالجتها,حيث قال اللواء محمد الشيخة رئيس قطاع المشروعات أن الفنيين بالوزارة قاموا بعمل الصيانة اللازمة للابواب الخشبية الخارجية للمتحف التى تاثرت بشدة جراء الحادث الارهابى لاعادة غلق المتحف وتأمينه لضمانة عدم التسلل داخله.
أما الأثرى أحمد شرف رئيس قطاع المتاحف قال إنهم أجروا حصرا للقطع الأثرية والكنوز التى تعرضت للتدمير وتراوح عدد القطع التى أحصوها مدمرة ما بين 80 - 90 قطعة مشيرا إلى أنها توجد فى 4 أقسام فقط بالمتحف هى الزجاج الأكثر تضررا والخشب والمعادن والخزف وأن القطع المدمرة منها يمكن ترميمه وإعادته  لحالته الأصلية وهناك قطع دمرت تماما ولا يمكن إعادة ترميمها وعددها حوالى 50 قطعة.
وائل جمال أخصائى ترميم بإدارة ترميم متاحف القاهرة الكبرى وأحد الذين يشاركون فى العمل بالمتحف قال أن ما تعرض له المتحف شىء مفجع خاصة أنه صرح يمتلئ بالكنوز التاريخية والأثرية ذات قيمة تاريخية وثقافية وحضارية كبيرة وهو ما كان دافعا له ومعه زملاؤه من مرممين وأثريين بالمتحف الإسلامى فى مواصلة العمل ليل نهار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه,وهو ما شاركهم فيه رؤساؤهم لأن الكارثة أكبر من الجميع وتعلو فوق أى منصب .
المشهد مفجع بحق داخل المتحف حيث الأثار المدمرة متناثرة على الأرض وسط حطام الفتارين الزجاجية والأسقف المعلقة التى سقطت على الأثار من شدة الإنفجار,وهو ما استلزم – والكلام مازال على لسان وائل جمال- جهدا مضاعفا وحرصا شديدا فى التعامل مع الأجزاء المحطمة والمكسورة عن نقلها وتغليفها,ولنا أن نتخيل أن المشكاوات الزجاجية التى كانت معروضة فى قاعة قريبة من مدخل المتحف هى الأكثر تضررا من الانفجار حتى أن بعضها تحول إلى ما يشبه المسحوق والبودرة,أما التى إنكسرت قطعا صغيرة قمنا بجمعها تمهيدا لترميمها وإعادتها لحالتها الأصلية.
إبراهيم إمام أخصائى ترميم بمتحف الفن الإسلامى تحدث معنا وقال: إن كنوز المتحف التى تدمرت لا تقدر بثمن وترميمها يحتاج مجهودا كبيرا,إلا أن ما يهون علينا هذا العمل هو مركز معلومات المتحف الإسلامى الذى يحتوى على معلومات وتفاصيل وصور كل قطعة أثرية خاصة المشكاوات الزجاجية وهو ما سيفيدنا كثيرا عند ترميمها,مشيرا إلى أن عدد المشكاوات التى كانت معروضة فى المتحف وتدمرت قليلة جدا مقارنة بالموجود منها فى مخزن المتحف ,وأن عددا كبيرا من شباب الأثريين والمرممين فى الوزارة شاركوا مع فريق إنقاذ التراث المصرى بالمتحف فى أعمال جمع القطع الأثرية بعد تعرضها للدمار,وواصلوا العمل لحماية المتحف وجمع أثاره المحطمة تحت إشراف مديريهم لضمان تقليل خسائر المتحف إلى أقل قدر ممكن.
محمد عزاز نائب رئيس مجلس إدارة جمعية رعاية العاملين بالأثار وحماية أثار مصر وجه الشكر والتقدير لكل من نزل من الأثريين وذهب إلى متحف الفن الاسلامى لانقاذ ما يمكن انقاذه ولا عزاء للمتخاذلين وأصحاب المصالح,مشيرا إلى أن كل القطع المعروضة بمتحف الفن الإسلامى موثقة بالصور الفوتوغرافية والفيديو وهو ما سيفيد الزملاء المرممين فى عملهم لترميم القطع الأثرية والكنوز التى تأثرت بالتفجير الارهابى الغاشم.
وتاريخيا بدأت فكرة إنشاء متحف للفنون والآثار الإسلامية فى عصر الخديوى إسماعيل وبالتحديد فى 1869م، عندما قام فرانتز باشا بجمع التحف الأثرية التى ترجع إلى العصر الإسلامى فى الإيوان الشرقى لجامع الحاكم بأمر الله,وازدادت العناية بجمع التحف عندما أنشأت لجنة حفظ الآثار العربية عام 1881م واتخذت من جامع الحاكم مقراً لها,ولما رأى هرتز بك ضيق المساحة فى صحن الجامع، استقر الرأى على بناء المبنى الحالى فى ميدان باب الخلق تحت مسمى (دار الآثار العربية) وتم وضع حجر الأساس سنة1899 م وانتهى البناء سنة 1902 م، ثم نقلت التحف إليه، وتم افتتاحه على يد الخديوى عباس حلمى فى 28 ديسمبر سنة 1903.وفى عام 1882 وصل عدد التحف به111تحفة وظل يتزايد حتى وصل العد قرابة 3000تحفة عند افتتاح الدار سنة 1903 م ، وتوالت بعد ذلك الإهداءات من الأمراء والملوك والهواة، فقام الأمير يوسف كمال سنة 1913م بإهداء مجموعة القيمة تلاه بعد ذلك الأمير محمد على سنة 1924 م، ثم الأمير كمال الدين حسين 1933م. ثم الملك فؤاد الذى أهدى للدار مجموعة ثمينة من المنسوجات والموازين، ومجموعة الملك فاروق الأول من الخزف 1941م,وتضاعفت مجموعات المتحف عندما تم شراء مجموعة رالف هرارى سنة 1945 م وكذلك مجموعة الدكتور على باشا إبراهيم من الخزف والسجاد وذلك فى سنة 1949 م حيث بلغ عدد التحف سنة 1952 م ( 16524) ستة عشر ألفاً وخمسمائة وأربع وعشرين تحفة.
وتم تغيير مسمى «دار الآثار العربية» إلى «متحف الفن الإسلامي» ذلك لأن الفن الإسلامى يشمل جميع أقاليم العالم الإسلامى العربية وغير العربية تحت رعاية الخلفاء والحكام المسلمين على امتداد الإمبراطورية الإسلامية,وينقسم المتحف الإسلامى تبعا للعصور والعناصر الفنية والطرز، من الأموى والعباسى والأيوبى والمملوكى والعثماني، ويقسم إلى 10 أقسام تبعا للعناصر الفنية وهي: المعادن والعملات والأخشاب والنسيج والسجاد والزجاج والزخرف والحلى والسلاح والأحجار والرخام ويمتلك المتحف أغنى المجموعات فى العالم، مثل مجموعات الخزف الإيرانى والتركى ومجموعة التحف المعدنية ومجموعة السجاجيد.
ويصل عدد المخطوطات فى المتحف إلى 1170 مخطوطة نادرة،منها مجموعة مصاحف متنوعة كبيرة بعضها من مصر ودول أخرى و«مصحف عثمان»أقدم مصحف يرجع إلى العصر الأموى فى القرن الأول وبداية الثانى الهجري،وهو مكتوب على عظم الغزال وبدون تشكيل أو تنقيط وقد نجا من الإنفجار حيث تعرض فقط غلافه إلى بعض التهتك,وكتاب «فوائد الأعشاب» للغافقي،اضافة الى نحو 70 نوعاً من الخطوط منها خطوط لياقوت المستعصمي، اشهر الخطاطين، والشيخ عبد العزيز الرفاعى آخر الخطاطين العظماء فى مصر.
 أما قسم الخزف والفخار يضم أنواع الخزف والفخار فى مصر منذ العصر الأموي، ونتائج حفائر الفسطاط، وخزف من العصر الفاطمى والمملوكى فى مصر، والخزف الإيراني، والخزف والفخار العثمانى المنسوب إلى «رودس وكوتاهية»، وخزف إيران طراز سلطان آباد والبورسلين الصيني,كما يحتفظ متحف الفن الإسلامى بمجموعات متميزة من الخشب الأموى الذى زخرفه المصريون بطرق التطعيم والتلوين والزخرفة بأشرطة من الجلد والحفر،وتتنوع التحف فى هذا القسم ما بين المنابر الأثرية من العصر الفاطمى والأيوبى والمملوكي، والأحجبة الخشبية،
ومن أندر ما يضمه المتحف من التحف المعدنية ما يعرف بإبريق مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين،وقد نجا من التدمير فى الحادث الإرهابي,ويمثل آخر ما وصل إليه فن صناعة الزخارف المعدنية فى بداية العصر الإسلامي، وهو مصنوع من البرونز ويبلغ ارتفاعه 41 سم وقطره 28سم,كما يوجد فى المتحف مفتاح الكعبة المشرفة من النحاس المطلى بالذهب والفضة باسم السلطان الأشرف شعبان، وأقدم دينار اسلامى تم العثور عليه حتى الان ويعود الى عام 77هجرية.
والفاجعة الكبرى التى طالت المتحف نتيجة الحادث الإرهابى كانت فى قسم الزجاج حيث يحتوى على نماذج من الزجاج الإسلامى الذى انتشر فى مصر والشام وخاصة فى العصرين المملوكى والأيوبي,وضم ومجموعة نادرة من المشكاوات المصنوعة من الزجاج المموه بالمينا التى تعد أهم نماذج فن الزجاج وتدمر عدد منها تماما فى الانفجار,كما يضم نماذج من الزجاج المعشق التى تعكس إبداع الفنان المسلم فى هذا المجال.