الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الرؤى التى صاحبت ميلاد النبى (صلى الله عليه وسلم)




الرؤيا فى الإسلام لها مكانة كبيرة، لذلك يقول النبى (صلى الله عليه وسلم): (لم يبق بعدى من النبوة إلا المبشرات. قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له). وقال أيضا: (الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة) لماذا؟ لأن النبى (صلى الله عليه وسلم) ظلَّ ستة أشهر يوحى الله إليه بالمنام، فكان إذا رأى رؤيا تحققت مثل فلق الصبح. ونتحدث هنا عن بعض الرؤى التى سبقت أو صاحبت ميلاده الشريف.

فالرؤيا الأولى: كانت للسيدة آمنة والدة النبى عليه السلام، والتى تقول: «يوم حملت به رأيت نورًا أضاء لى قصور الشام» ورأت قرب ولادته أن هاتفًا فى المنام أتاها، وقال لها: «يا آمنة: لقد حملت بسيد الدنيا وما فيها، فإذا وضعته فقولى: أعيذه بالواحد من شر كل حاسد».ثم تقول: لما وضعته نزل ساجداً لله.
أما الرؤيا الثانية: فهى رؤيا عبد المطلب جد النبى (صلى الله عليه وسلم)  يقول: «رأيت فى  منامى كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهرى وامتدت فيما بين السماء والأرض، ثم تحولت من المشرق إلى المغرب، ثم تحولت إلى شجرة أوراقها من نور». فما تأويل هذه الرؤيا؟! إن هذه السلسلة هى محمد عليه السلام، تمتد ما بين السماء والأرض؛ لأن الوحى سينـزل عليه من السماء، وسيملأ الدنيا نورًا وبركة وتوحيدًا. ثم تتحول هذه السلسلة إلى شجرة أوراقها من نور.. إنها شجرة ليست كأشجار الدنيا؛ إنها شجرة أوراقها من نور وهل بعد نور الله نور. (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (النور: 35). إن هذه الشجرة هى القرآن الذى سيظل نوره يشع نورًا ونورًا ورحمة ولطفًا ومودة أمنًا واستقرارًا وهداية إلى يوم القيامة. فلقد كانت معجزات الأنبياء السابقين كلها معجزات حسية، محدودة بمكان وزمان، تألقت مرة واحدة كعود الثقاب (الكبريت) ثم انطفأت، ثم أصبحت خبرًا يصدقه مصدق ويكذبه مكذب. أما معجزة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) فهى معجزة مستمرة لكل البشر فى كل زمان ومكان، فى كل عصر ومصر. إنها معجزة عقلية بيانية بلاغية دائمة الإشعاع تشع نورًا وهدى إلى يوم القيامة. لذلك يعمل أعداؤنا على إضعاف لغة القرآن اللغة العربية؛ حتى لا نشعر بجمال القرآن وإعجازه وجلاله وجماله، وإنه لمخطط جد خطير، يستدعى منا الانتباه والحذر ومواجهته.

أما الرؤيا الثالثة: فهى رؤيا كسرى ملك الفُرس الذى رأى يوم ميلاد سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) رؤيا عجيبة، فما هي: جلس كسرى بين كبار قومه وقال لهم: «لقد رأيت رؤيا عجيبة. فقالوا: ما هى؟، قال: «رأيت إبلا صعابًا، تقود خيلاً عرابا، عبرت دجلة والفرات إلى أرضنا». إن هذه الرؤيا تدل على أن هذا المولود سيغير وجه الدنيا بإذن الله، ويغسلها من أرجاسها وأنجاسها وأذنابها وأدرانها ويطهرها.

حينها أرسل كسرى رجاله يسألون، فجاءوا له قائلين: «لقد ولد نبى العرب». فهل تحققت رؤيا كسرى؟ نعم تحققت فى عهد عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) فقد كوَّن جيشًا جرارًا لكى يفتح بلاد فارس الذين صمموا على أن يقضوا على كلمة لا إله إلا الله، واقتلاع شأفة الإسلام من جذورها...!! وكان على رأس جيش المسلمين سعد بن أبى وقاص (رضى الله عنه)، وكان عمر يوصى سعدًا، بقوله: «أوصيك ومن معك بتقوى الله، أنا لا أخشى على الجيش من عدوه؛ وإنما أخشى عليه من ذنوبه؛ لأننا إذا عصينا الله تساوينا مع العدو فى معصية الله، وزاد علينا العدو فى  العدد والعدة والعتاد فهزمنا!!». وتحرك جيش المسلمين بقيادة سعد بن أبى وقاص، وكان عدده ثلاثين ألفًا، وكان جيش الفُرس يتكون من مائة وعشرين ألفًا. ولكن الإسلام لا يعبأ بالكثرة؛ إذا كان المسلمون يؤمنون بالواحد القهار ويتوكلون عليه.. واستمرت المعركة ثلاثة أيام، غربت بعدها دولة الفُرس إلى غير رجعة، وهكذا عبر سعد إلى قصر كسرى بالإبل الصعاب والخيل العراب، ودخل قصر كسرى، وكان يسمى القصر الأبيض. فماذا صنع سعد عندما دخل القصر؟ لم يملأه الغرور ولم يستهويه الشيطان، وإنما دخله حافى القدمين، وخرَّ ساجدًا لله، ثم تلا قوله وتعالى: (كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ. كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ ) (الدخان: 25-28). ثم أصدر سعد قرارًا بأن يؤذن المؤذن فى جنبات القصر، ووقف المؤذن لأول مرة فى قصر كسرى يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر،  أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله، أشهد أن محمد رسول الله.. ولما نطق المؤذن بالشهادتين أطفئت نار الفُرس التى مضى عليها ألف عام لم تطفأ، أطفئت بقوة التوحيد.