الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سليم العوا الحلقة 30.. المتقمص






يقول الكاتب والفيلسوف اليونانى نيكوس كازانتاكيس: «ما إن نولد حتى تبدأ محاولاتنا فى أن نخلق ونبتكر، أى أن نجعل للمادة حياة»، أى نولد فى كل لحظة، لذا جاهر البعض ولا أبالغ إن قلت أن هدف الكثيرين فى هذه الحياة هو الخلود، فى الأجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران، الصاعد نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود، الهابط نحو التحلل، نحو المادة، ويقول «نيكوس» أيضا فى وصف هذين التيارين: «هذان التياران كلاهما مقدس»، إلى هنا انتهى كلام كازانتاكيس، ويقول الطبيب النفسى والمفكر النمساوى الشهير سيجموند فرويد: «إن الإنسان يحمل داخله - أى فى النفس اللاواعية - رغبتين احداهما هى رغبة البناء، ودعاها «الإيروس»، والأخرى رغبة الهدم وسماها «الثانتوس»، وفى بدء مشروعه العلمى أكد سيجموند فرويد أن الإنسان تحركه الدوافع طبقًا لغرائزه الجنسية فقط، تعرض بعدها لانتقادات شديدة ورفض أشد فى الأوساط العلمية والطبية أجبرته على تعديل آرائه فى نهاية حياته إلى مفهوم أقل حدة، وهو أن الجنس هنا المقصود به كل صور البناء والحياة، وأن العدوان والتدمير المقصود به كل الصور السلبية والهدم والرذائل حتى المعنوية منها، بل خصوصا المعنوية منها التى يمكن أن تندرج تحت هذا اللواء.

وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميرى، بل وبتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، هذا الطوفان هو جماعة الإخوان الإرهابية، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية، فيما عرف إعلاميا بمشروع «الأخونة»، وقام على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها، حتى لفظت مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى الغريب النبت، ونحن نهدف هنا بالأساس لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم، وبعض الديناميكيات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، نتساءل: ما هو التكوين النفسى لهذه الشخصيات؟ هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟ سنحاول جاهدين بلا إفراط ولا تفريط  أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات، والتى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة، فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو.
حقا محمد سليم العوا شخصية مميزة على المستوى النفسى، تفاصيلها تكاد تكون متفردة وتشى بالكثير من الملامح النفسية المختزنة خلف وجه يبدو وكأنه كاشف لنفس مستقرة متزنة إلا أن الأمر لا يعدو كونه مجموعة من الأقنعة فقط ليس إلا.
العوا هو ابن لأب وجدٍ غير مصريين وهو أمر أثار لغطا إبان ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2012 إلى الحد الذى دفع العوا للخروج والدفاع عن موقفه أمام الرأى العام وإثبات الأمر بشكل واضح وبيان ما خفى منه!
أما ما خفى فهو أن جد العوا وأباه ينحدران من إحدى الأسر الشامية وتركا الشام وتوجهها إلى مصر فى الوقت الذى كان العالم العربى يرزح تحت الاحتلال التركى، ولم تكن الهويات والجنسيات قد تبلورت بعد أو نضجت مفاهيمها لدى أفراد الشعوب والحكومات، وكانت مصر تحت الانتداب البريطانى فى ذلك الوقت وكانت الهوية أو الشخصية الوطنية المصرية قد بدأت فى التبلور كنتيجة دفاعية طبيعية لمقاومة الاحتلال والتمسك بالقومية فكان القانون أن كل من على الأرض المصرية منذ عام 1914 يعتبر مواطناً مصرياً حاملا لجنسيتها متمتعا بجميع الحقوق وعليه جميع الواجبات ومن ثم  فقد اكتسب الجد والأب الجنسية المصرية وبالتبعية اكتسب العوا الحفيد موضوعنا اليوم الجنسية المصرية وهو أمر لا لبس فيه لكن الجدل حوله دفع العوا للحديث الخاص عنه لإثبات ما لم يتم نفيه!
قبل أن نتحدث عن الملامح النفسية للعوا بشكل مفرد دعونا نتلمس الطريق إلى هذا بالحديث عن الملامح النفسية للإخوان كجماعة فضلا عن الأفراد أى الوحدات المكونة لهذه الجماعة تتسم الشخصية الإخوانية كما نوهنا من قبل فى حلقات سابقة بالطابع البارانويى، أى الشخصية المتعالية المتشككة والمشككة فى الجميع وأيضا تتسم بالطابع السيكوباثى أى المريض الاجتماعى وهو الشخص الراغب فى إيذاء الآخرين دوما ولا يجد أى وازع أخلاقى لدفعه عن ذلك ويجد نفسه مستمتعا بفعل الإيذاء نفسه بدون أى قدر من الإحساس بالذنب فى إطار عام من الكراهية والحقد والتشفى من المجتمع الكبير الذى لا يعترف به أصلا لصالح المجتمع الصغير الذى يثق فيه، أعنى بالمجتمع الكبير هنا مصر والصغير بالطبع أعنى به جماعة الإخوان الإرهابية.
يتصف أفراد الجماعة بما تتصف به جماعتهم فى العموم لكن الأشخاص يتميزون ببعض الصفات التى تميزهم بشكل رئيسى، وسبق أن ذكرنا أن حالة الصراع اللاواعى بين الأنا العليا وهى مجموعة القيم والقوانين الصارمة والتى تمثل السلطة الأبوية القوية وبين «الهو» وتعنى مجموعة الغرائز الأولية البدائية الهمجية والتى تتضاد مع مجموعة القيم السابقة أو تتصادم مع السلطة الصارمة وينتج عن الصراع الدائر بين كلا الطرفين قلق عصبى يكاد يسحق الأنا - النفس البشرية- ولكى تستمر الأنا فى إكمال المسيرة والعيش بشكل يبدو سويا بعيد عن الجنون أو الانحراف فإن هذه النفس تقوم بعمل ما يسمى الحيل الدفاعية، وهى وسائل لتخفيف القلق العصبى وذلك لتخفيف الضغط لجعلها أكثر قدرة على ممارسة الحياة بشكل طبيعى أو اقرب ما يكون إلى الطبيعى كمحاولة منها لاستمرار الحياة، وتعد هذه الحيل أو الوسائل الدفاعية بمثابة أقنعة يضعها الإنسان لمداراة الوجه الحقيقى البشع عن المجتمع وليبدو أمام الناس كما يحب أن يظهر أو على أقل تقدير فى أقرب صورة لذلك.
النموذج الأقرب لأذهان الإخوان وأعنى هنا الكوادر الصغيرة المغيبة هو نموذج الخلافة أو لنقل هو التصور الساذج لنموذج الخلافة الإسلامية وهو النموذج القائم على فكرة الحاكم المسلم الذى تدين له سائر الأقطار بالسمع والطاعة، ونجد فى موقف سابق فى أحد الحوارات مع المرشد العام الأسبق لجماعة الإخوان الإرهابية محمد مهدى عاكف قول شهير هو: «طز فى مصر» ويعنى «طز» فى الوطن لصالح مفهوم الخلافة أى أن الخلافة هى الغرض الرئيسى وقال أنه لا يمانع أن يكون الرئيس ماليزيا مثلا لمجرد كونه مسلماً وألا يكون مسيحيا رغم كونه مصرياً، وهنا انتهى الحديث عند نقطة هامة وهى أن الاعتبار الأول وأحيانا الوحيد هو مفهوم الخلافة، وأنه لا اعتبارات أخرى كالوطن أو القومية تؤخذ فى الحسبان، قالها عاكف وقالها قطب من قبله وقالها آخرون من بعده كبديع وحجازى وغيرهما وكانت المقولة بشكل فج إلا أن العوا شخصية اليوم كان قد اختار وسيلة أو حيلة أقل حدة وأكثر لطفا مع الاتفاق على نفس المحتوى وكانت الحيلة هذه المرة هى الإبدال، فالعوا المترشح للانتخابات الرئاسية فى العام 2012 كان قد وضع برنامجا يضم محورين، محور سياسى بين القاهرة وأنقرة وطهران، ومحور تاريخى بين القاهرة ودمشق والرياض، الرجل كان واضحا جدا فى تأسيس مفهوم الخلافة والدولة الإسلامية الكبرى، أى دولة الخلافة بل واتخذ من قلعة صلاح الدين الأيوبى القائد المسلم الكردى – لاحظ الأصول غير المصرية للعوا – الذى اتخذ من مصر قصبة الحكم – بما يشبه الرئاسة المعاصرة - لتأسيس دولة إسلامية تعم جميع الأرجاء وطرد الصليبيين منها، اتخذ من هذه القلعة مقرا لإطلاق حملته الانتخابية وهنا نجد بجوار «الإبدال» والذى سأقوم بشرحه الآن مفهوم آخر أو لنقل حيلة أخرى وهى التوحد أو التقمص، تجد فيها أن الشخص يتقمص ويندمج فيها مع شخصية أو رمز آخر نجده هنا صلاح الدين الأيوبي، وهو ليس تقليدا لأن التقليد يكون على المستوى الشعورى أما الحيل الدفاعية فتكون على المستوى اللاشعورى، أما الإبدال فهو اتخاذ بديل لإشباع دافع غير مشبع ويكون البديل مشابها للدافع الأصل وهنا تجد العوا يتحدث عن محاور سياسية جديدة لربط ما يسمى بالعالم الإسلامي، وهو بالمناسبة نموذج يوازى فكرة الخلافة ويتقمص أو يتوحد فيه مع دور صلاح الدين الأيوبى كفاتح عظيم وكقائد منتصر على الرغم من  كل الخطايا التاريخية المنسوبة إليه وهو ليس موضوع حديثنا الآن.
يبقى فى النهاية أن نذكر بأن العوا أو أى شخص ينتمى لهذا التيار وكما ذكرنا سابقا فى حديثنا عن سيد قطب أنه عند الإحساس بالخطر فان المنتمين لهذه الجماعات أو لتلك الأفكار يحدث لهم – على المستوى النفسى وهو ما يخصنا هنا – نكوص وتثبيط أى عودة للخلف للتمسك بقيمة أو سلطة معينة وتكون فى الغالب مشوهة وغير مرتبطة بالحقيقة، فوقت اللزوم تجد العوا المتفتح ذا المشروع التنويرى هو المحامى الخاص الموكل والمسند إليه الدفاع عن قيادات الإخوان وخصوصا محمد مرسى.. هل مازلت تجد ذلك جزءاً من مصادفة؟
 
د. على الشامى