الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

وداعـًا.. محسن شعلان




كتبت - تغريد الصبان 
ذهول وصدمة كبيرة أصابت وسط الفن التشكيلى بسماع خبر وفاة رئيس قطاع الفنون التشكيلية الأسبق الفنان محسن شعلان إثر أزمة قلبية فاجأته بمنزله عصر أمس الأول، ذلك الفنان الذى كان يفيض بالحيوية والأمل، والذى آمن بقوة ريشته وألوانه فى مواجهة الأزمة الكبيرة التى مر بها عام 2010 بسبب سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» للفنان العالمى فان جوخ من متحف محمد محمود خليل وحرمه، التى قدرت بنحو 55 مليون جنيه

فى عام 2011 صدر الحكم ضده بأن يقضى بالسجن عاما مع الشغل والنفاذ نتيجة لإهماله وتقصيره وإخلاله بمهام عمله، فى السياق إعتقد البعض أن اللوحة، التى تمت استعادتها مقلدة وأن  الأصلية لم تعد موجودة فى مصر، وردد الراحل لأكثر من 6 مرات وهو بقفص الاتهام أنه كبش فداء     لفاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، ربما كانت هذه التجربة كانت نقطة فارقة فى حياته الفنية، حيث روى شعلان بعد خروجه أنه رسم ٥٠ لوحة، ونام على البلاط بين الصراصير، ودخل فى وصلة بكاء مثل الأطفال، بعدما نزل عليه نبأ سرقة لوحة «الخشخاش» قبل دخوله السجن كالصاعقة، وأكد آنذاك أن التركيز على مشروعه الفنى والاهتمام بأعماله الفنية أفضل من الوظائف الحكومية، وهو ما قدمه فى معرضه الأخير «القط الأسود .. تجربة سجن»، الذى قدم فيه كل انفعالاته ورؤيته لتجربة السجن بمنتهى الجرأة فى  اللون الذيى يتميز فيه بالرمزية الشديدة وكان اللون الأسود هو اللون الغالب والتكوينات التى اعتمدت على عنصر رئيسى هو القط الأسود التميمة الفرعونية الأصيلة، ضم المعرض وقتها نحو 120 عملا من التصوير الزيتى تعد سيرة ذاتية لشعلان تناول خلالها بالعرض والتحليل كافة تفاصيل وملابسات تلك الفترة وأهم أحداثها منذ بداية قضية اختفاء لوحة «زهرة الخشخاش مرورا بفترة التحقيقات ثم مرحلة السجن وحتى الآن، فى هذا المعرض اعتذر شعلان لفان جوخ، الذى قدرت الأقدار أن يكون صاحب اللوحة التى تسببت فى سجن شعلان، كما وجه رسالة لـ»زهرة الخشخاش» قائلا: «لا تعودى حتى لا أُحبط وأشعر أنى سجنت   تماما دون ذنب بالفعل، لكن رجوعك سيحبطنى، ويشعرنى أن سبب السجن أنتفى، لا تعودى لمجتمع أهان فنانا، لا يشرفك البقاء هنا، لا يشرفك أن تظلى فى مجتمع يحاكم فيه الفنان بالسجن على ضياع لوحة، فإذا  كنت فى مكان يحترم الفنان فأبق كما أنت ولا تعودى إلينا».

اللافت أن «القط الأسود» لم يخطط له ان يكون معرضا، وإنما جاء كوسيلة تنفيس لإنسان يشعر بالظلم والغدر، سلبت حريته فجأة و دون سابق إنذار، فقد بدأت معه هذه الحالة فى فترة الـ19 يوما الأولى له بقسم الدقى، حيث كانت هناك حالة غليان داخله، كونه يشعر بأنه ليس مسئولا عما حدث، ومن هنا طلب من  أسرته أن تحضر أوراق وأقلام سوداء، ليفرغ هذا الغليان، وبدأ «شعلان» الرسم، لذا ظهر معرضه «القط الأسود» بشحنة انفعالية كبيرة، فالعمل بدون هدف يحمل صدقا فنيا خالصا داخله، بدليل وجود كتابة   ببعض الأعمال مع الرسم، حينما كان يشعر بأن شحنة الرسم لا تكفى كان يكتب بجوارها، وعندما ازداد الألم تحرك حس الفنان داخله ورأى أن هذا بداية معرض، حلم بهذه اللحظة التى يصل فيها صوته للناس، اللوحات تظهر للجمهور، أما أن يتعاطف معها أو يرفضها.

رسم «شعلان» كل مراحل الأزمة، بعد ترحيله للسجن انقطعت عنه المقالات التى كان يكتبها وكان السجن صعبا، فبدأ الرسم يأخذ البطولة، نظم وقته، شعر بأنه يعمل من المخزون الداخلى حتى يكون المعرض      بمثابة رسالة وإدانة لكل تفاصيل القضية.

كان دائما ما يؤكد أن للفن حبكة وقواعدا وأصولا، مهما كان لديك تفاصيل فى القضية، لابد من تحميل كل هذه الأعباء على رمز، وجد أن القط الأسود أكثر الرموز التى تحتمل ما يشعر به، فهو رمز الغدر، فقرر  جعله رمز الشر الذى يجسده فى مرحلة السجن، وعندما دخل سجن العقرب رأى قططا سوداء كثيرة، وكأنها صدفة غريبة أن يختار الرمز قبل رؤيته، لم ير أى ألوان أخرى للقطط بخلاف اللون الأسود، فتأكد داخله هذا الرمز.

وبرغم مرارة هذا السجن إلا أن «شعلان» كان كثيرا ما يؤكد أنه مثمر داخله كمبدع، حيث حفزه صديقه شاعر العامية عبد الرحمن الأبنودى على الاستفادة من تجربة السجن خلال زيارته له، وذكره «الأبنودى»  بأن السجن محرك ملكات وأدوات الفنان الداخلية ولضميره، يستحضر آخر ما عنده من رصيد داخلى، لأنه بمجرد شعوره بسلب الحرية تزداد أدواته وملكاته الإبداعية وهى تغلى كالبركان الذى ينفجر، ليحرق ما    حوله بصوت بليغ ومؤثر، عندما يكون مبدعا ويجلس فى مرسمه بهدوء، سأنتج فنا طبيعيا ومؤثرا ولكن ليس بنفس القدر الذى يعيشه فنان فى حالة إثارة لصوت وحرية المبدع.

قدم «شعلان» أعمالا عن الكرسى الذى جلس عليه ومن ثم تعرض للسجن، بعنوان «خط العمر وخط الحكم، وكأن خط الحكم لابد أن يسير بالتوازى مع خط العمر، لا يخرج منه إلا بالوفاة، كذلك لوحة بالهناء والشفاء أيها الوطن، فقد أكلوه وتركوا الطبق فارغاً، «شعلان بطبيعته ثورجى وله تجربة قبل انتشار الاعتصام، حيث أضرب عن الطعام واعتصم فى نقابة التشكيلين منذ أكثر من عشر سنوات، فى ذلك الوقت القمعى،  ضد سلبيات عديدة بوزارة الثقافة، كان هذا رصيده الذى شرفه خلال عمله بالوزارة، فيؤكد دائما أنه كان  يمثل جسما غريبا بالوزارة.

كان شعلان يستعد لتقديم كتاب يسرد فيه البداية من سجن العقرب، منذ أول يوم لتنفيذ الحكم، من بداية  المشكلة وحالة المتاحف عندما تسلمها وما أنجزه وما لم يتم إنجازه، الكتاب بمثابة وصف للمناخ العام الذى تم فيه سرقة زهرة الخشخاش.

الجدير بالذكر أن فنان الكاريكاتير أحمد قاعود قد رسم لوحة تضامن بها مع شعلان فى محنته، التى يقول عنها: هذه اللوحه رسمتها فى بداية الأزمه التى مر بها الفنان محسن شعلان وكانت فكرتها ان فان جوخ هو بنفسه الذى يدافع عنه وعن ريشته , وعلى بعد منهم كائن شرس متربص له, والتقيت بالفنان شعلان بعد ان تم اخلاء سبيله وذلك بعد ثورة 25 يناير فى منزله الدقى واهديته اللوحه ووعدنى انها ستكون فى اول     عرض لمعرض خاص عن مرحلة السجن التى مر بها .. الحقيقة انها أعجبته جدا وكان سعيدا بها وشكرنى كثيرا جدا.

نعى قطاع الفنون التشكيلية بعظيم الأسى والحزن وفاة شعلان، وقدم ا. د. صلاح المليجى رئيس قطاع الفنون التشكيلية وجميع القيادات والعاملين إلى عائلته ومحبيه أحر التعازى وصادق المواساة، وعلق المليجى على وفاته قائلا: بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره نعزى أنفسنا والعائلة، لقد شكل خبر وفاة الفنان الكبير صدمة هائلة لزملائه الفنانين ولمحبيه وجمهوره فى كل مكان، لقد خسرت الساحة الفنية أحد فنانيها الكبار إلا أنه اذا  كان قد غادر حياتنا الفنية بجسده فستظل إبداعاته علامات مضيئة فى سماء الفن التشكيلى المصرى والعربي»، كما وصف الفنان محمد عبلة وفاة شعلان بأنها درامية وغربية، مؤكدا أن رحيله هو خسارة     كبيرة للوسط التشكيلي، فهو من الفنانين أصحاب البصمة الخاصة بالحياة الفنية، واختتم حديثه قائلا: عزاؤنا الحقيقى أن الفنانين لا يموتون.

 
الفنان محسن شعلان

مواليد القاهرة إبريل1951

بكالوريوس فنون وتربية 1974

عضو وأستشارى بنقابة الفنانين التشكيليين، عضو جمعية محبى الفنون الجميلة، عضو جمعية أصدقاء المتاحف، عضو جمعية محبى الطبيعة والتراث، عضوية رقم (1)  بجمعية ANNAPRONNA  الدولية بالدومينيكان، عضو جماعة الكتاب والفنانين (أتيليه القاهرة)، عضو جمعية أصدقاء وكالة الغوري، عضو بعدد من الجمعيات الفنية والثقافية الأخرى، وشغل العديد من الوظائف كان آخرها رئيس الإدارة المركزية للخدمات الفنية للمتاحف والمعارض 2002، ثم رئيساً لقطاع الفنون التشكيلية من 2006 وحتى 2010.

أقام العديد من المعارض الفردية والجماعية فى مجال الفن التشكيلى بأهم القاعات الرسمية والخاصة بمصر منذ عام 1973 آخرها معرض بعنوان (القط الأسود.. تجربة سجن ) بقاعتى (أحمد صبرى، الحسين فوزي) بمركز الجزيرة للفنون بالزمالك فبراير 2013، وكذلك شارك وأٌقام العديد من المعارض الدولية خارج مصر.

ونال الفنان الراحل العديد من الجوائز والتكريمات بمصر والخارج، ويقتنى أعماله كثير من الهيئات والمؤسسات والأفراد بمصر والعديد من دول العالم.