الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التحليل النفسى لقيادات جماعة الإخوان المسلمين التلمسانى (الحلقة 31)المتوحد




كتب: د/ على الشامى
يقول الكاتب والفيلسوف اليونانى نيكوس كازانتاكيس: «ما إن نولد حتى تبدأ محاولاتنا فى أن نخلق ونبتكر أى أن نجعل للمادة حياة»، أى نولد فى كل لحظة، لذا جاهر البعض ولا أبالغ إن قلت: إن هدف الكثيرين فى هذه الحياة هو الخلود، فى الأجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران، الصاعد نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود، الهابط نحو التحلل، نحو المادة، ويقول «نيكوس» أيضا فى وصف هذين التيارين: «هذان التياران  كلاهما مقدس»، إلى هنا انتهى كلام كازانتاكيس، ويقول الطبيب النفسى والمفكر النمساوى الشهير سيجموند فرويد: « إن الإنسان يحمل داخله – أى فى النفس
اللاواعية – رغبتين أحدهما  هى رغبة البناء، ودعاها «الإيروس»، والأخرى رغبة الهدم وسماها «الثانتوس»، وفى بدء مشروعه العلمى أكد سيجموند فرويد على أن الإنسان تحركه الدوافع طبقا لغرائزه الجنسية فقط، تعرض بعدها لانتقادات شديدة ورفض أشد فى الأوساط العلمية والطبية أجبرته على تعديل آرائه فى نهاية حياته إلى مفهوم أقل حده، وهو أن الجنس هنا المقصود به كل صور البناء والحياة، وأن العدوان والتدمير المقصود به كل الصور السلبية والهدم والرذائل حتى المعنوية منها، بل وخصوصا المعنوية منها والتى يمكن أن تندرج تحت هذا اللواء.

وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميرى، بل وبتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، هذا الطوفان هو جماعة الإخوان الإرهابية، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية، فيما عرف إعلاميا بمشروع «الأخونة»، وقام على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها, حتى لفظت
مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى الغريب النبت، ونحن نهدف هنا بالأساس لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم، وبعض الديناميكيات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، نتساءل: ما هو التكوين النفسى لهذه الشخصيات؟، هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟، سنحاول جاهدين بلا إفراط و لا تفريط  أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات، والتى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة، فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو. 

الحديث هذه المرة استدعاء لشخصية تاريخية بحكم طبائع الأمور لها دور كبير فيما نعيشه الآن، على الرغم من وفاته فى العام 1986 وانه قد انقطعت الصلة المباشرة له فى صناعة الأحداث أو المشاركة بها أو حتى التفاعل معها ولكن الاستدعاء هنا هام للغاية، حيث تمثل شخصية اليوم حلقة مهمة من
تطور جماعة الإخوان الإرهابية عبر تاريخها الذى يزيد عن ثمانية عقود، وأيضا موقعه المهم الذى شغله وصلته المباشرة بالمؤسس حسن البنا والفترة الزمنية العصيبة التى قضاها فى منصبة، كل هذا أمر يستحق إلقاء الضوء عليه وتلمس النواحى النفسية لأحد أهم الشخصيات فى تاريخ الإخوان، نتحدث اليوم عن المرشد الثالث  - بعد البنا والهضيبى – لجماعة الإخوان الإرهابية عمر التلمسانى.

قبل أن أتناول الملامح النفسية الخاصة بالتلمسانى كشخص أود الحديث بشكل مختصر كما اعتدنا فى حلقات سابقة عن الملامح النفسية للإخوان كجماعة فضلا عن الأفراد أى الوحدات المكونة لهذه الجماعة، تتسم الشخصية الإخوانية كما نوهنا من قبل فى حلقات سابقة بالطابع «البارانويى»، أى الشخصية المتعالية المتشككة والمشككة فى الجميع وأيضا تتسم بالطابع «السيكوباثى» أى المريض الاجتماعى وهو الشخص الراغب فى إيذاء الآخرين دوما ولا يجد أى وازع أخلاقى لدفعه عن ذلك ويجد نفسه مستمتعا بفعل الإيذاء نفسه بدون أى قدر من الإحساس بالذنب فى إطار عام من الكراهية
والحقد والتشفى من المجتمع الكبير الذى لا يعترف به أصلا لصالح المجتمع الصغير الذى يثق فيه، وأعنى بالمجتمع الكبير هنا مصر والصغير بالطبع هى جماعة الإخوان الإرهابية، نجد أيضا أن أفراد الجماعة يتصفون بما تتصف به جماعتهم فى العموم لكن الأشخاص يتميزون ببعض الصفات التى تميزهم فى الأساس عن باقى أفراد الجماعة.

أود التأكيد أيضا على مكونات الشخصية من الناحية النفسية فالنفس تتكون فى الأساس من مركب «الأنا» العليا وهو الممثل لمنظومة القيم والمبادئ والسلطة الأبوية الصارمة، وفى المقابل وعلى النقيض نجد «الهو» أى مجموعة الغرائز الأولية أو البدائية الهمجية وينشأ عن الصراع القائم بين هذين المركبين قلق عصبى يكاد يسحق الأنا أو النفس الإنسانية أى الذات البشرية، ولتمنع النفس هذا الانسحاق ولتقوم بحماية نفسها فإنها تقوم بعمل ما يسمى
بالحيل الدفاعية أو الدفاعات وهى بمثابة أقنعة يلبسها الإنسان ليبدو فى صورة مغايرة لطبيعة الانفعال والصراع الداخلى وقد وجدنا صوراً مختلفة و مغايرة لبعضها البعض عبر التحليل النفسى لشخصيات كثيرة من القيادات فى جماعة الإخوان الإرهابية إلا أن لشخصية اليوم التلمسانى أيضا حظ من ذلك أو لنقل من تلك الدفاعات أو الحيل الدفاعية.

قام التلمسانى بعمل العديد من الحيل الدفاعية لتخفيف هذا الصراع وبالطبع حدث هذا الأمر بشكل لا واع، لكن الحيلة الدفاعية التى ميزته عن آخرين استخدموا دفاعات أيضا لتخفيف القلق العصبى بشكل غير واع هى ما يسمى رد الفعل العكسى أو التكوين العكسى، ويظهر هذا الرد عند الأطفال بشكل واضح كأن يبكى طفل لإصابة أخيه أو لسقوطه على الأرض مثلا فى حين أن لا شعوره يكن سعادة غامرة لإيذاء منافسه وغريمه على سلة المكتسبات الأسرية، وهناك مثل شعبى شهير يعبر عن هذه الحال يقول «الفأر وقع من السقف القط قال له اسم الله»، وهو مثل شعبى يحمل طابعا كوميديا بالغ
الدلالة، وقد قام التلمسانى بذلك بطريقة طريفة، فكانت ردوده على التصرفات القمعية للدولة تجاه الإخوان إبان بعض العهود أنها رد فعل لسلوكهم الإجرامى أو الإرهابى، وأن يؤكد على أنهم من نسيج الدولة وأنهم مصريون وأنهم يقدرون الأقباط ويحترمونهم ويعتبرونهم شركاء الوطن !! وهو ما كان يشعر بعكسه بشكل لاواع، ولكن هذه الحيلة الدفاعية تظهر بشكل طريف فى وصفه الماركسيين قائلا: «أنهم مؤمنون وكانوا يصلون بالمعتقلات» وأنه يجب أن ينقل الأمانة كما رآها!!.

ملمح آخر هو الصراع الأوديبى الذى سيؤدى بنا إلى حيلة دفاعية أخرى وهى التوحد، والتوحد هنا هو حيلة دفاعية تختلف عن التسمية الخاطئة لمرض شهير فى الأطفال يعرف إعلاميا باسم «التوحد»، فى حين أن الاسم العلمى الصحيح  لهذا المرض هو «الذاتوية»، التلمسانى الابن فى مواجهة الأب الرمزى الممثل فى السادات فى حالة صراع يود الابن إنهائها لصالحه بقتل الأب – رمزيا – وهو ما تشكل بشكل حقيقى حيث خرجت الجماعة الإسلامية من رحم الإخوان وأفكارهم الهدامة، وعندما سمح لهم السادات الأب أن يتحركوا فى الشارع والجامعات لضرب النفوذ الناصرى تحديدا فكانت الجماعات أن انقلبت على الأب الضعيف وقتلته، إلا أنها لم تستطع الاستحواذ على الأم وذلك لأن السلطة الأبوية الممثلة فى أجهزة الدولة
سارعت باستكمال الدور الأبوى وتكونت عقدة «الخصاء» أى الأذى النفسى التى خشيتها الجماعات فتراجعت مره أخرى حتى اندثرت تدريجيا أو لنقل على الأقل حدث لها حالة أشبه بالكمون، وبعد أن أطلق السادات الإخوان من السجون وسمح لهم بالعمل السياسى تحول التلمسانى عبر التوحد مع شخصية المعتدى السابق الأب القوى السادات إلى كيان أبوى لدرجة جعلته يضع منهاجا جديدا أو على الأقل أسساً لمنهج سماه «المنهج القرآن» أى أن الرجل توحد مع السادات فى أداء دور الأب أو الرجل القوى بشكل لا واع جعلت منه أيقونه فى تاريخ العمل السياسى الإسلامى فى العصر الحديث مما أسس القواعد وأرساها لنشأة بذور -  مع عوامل أخرى سابقة وأيضا  لاحقة – لانتشار الفكر المتطرف الذى يعانى المجتمع ويلاته الآن.