الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فتوى هدم الأضرحة بالمسجد أو نقل رفاتها حرام




فتوى د. على جمعة
أنتشر فى الآونة الأخيرة أصوات تدعو إلى هدم الأضرحة فى المساجد، وهذه الأصوات تتخذ حججًا متعددة لتنفيذ مآربها، منها توسعة المساجد التى بها هذه الأضرحة بما يتطلب إزالتها، ومنها أن الصلاة فيها حرام وباطلة، وغير ذلك، فما حكم الشرع فى ذلك؟ وهل يجوز للمسلم السكوت على ذلك؟

ويجيب د. على جمعة مفتي الجمهورية الأسبق أنه من المقرر شرعًا أن مكان القبر إما أن يكون مملوكًا لصاحبه قبل موته، أو موقوفًا عليه بعده، وشرط الواقف كنصِّ الشارع؛ فلا يجوز أن يتخذ هذا المكان لأى غرض آخر، وقد حرم الإسلام انتهاك حرمة الأموات؛ فلا يجوز التعرض لقبورهم بالنبش؛ لأن حرمة المسلم ميتًا كحرمته حيًّا، فإذا كان صاحب القبر من أولياء الله تعالى الصالحين فإن الاعتداء عليه بنبش قبره أو إزالته تكون أشد حرمة وأعظم جرمًا؛ فإن إكرام أولياء الله تعالى ومعرفة حقهم أحياءً وأمواتًا من أقرب القربات وأرجى الطاعات قبولاً عند رب البريات، وقبورهم روضات من رياض الجنة، ويجب على المسلمين أن يأخذوا على يد من تسول له نفسه انتهاك حرمة الأموات، وبخاصة أولياء الله الصالحين من أهل البيت وغيرهم، فإنهم موضع نظر الله تعالى، ومن نالهم بسوء أو أذى فقد تعرض لحرب الله ، كما جاء فى الحديث القدسى: «من عادى لى وليًّا فقد آذنته بالحرب» [رواه البخارى من حديث أبى هريرة.

وأما ما يثار من أن الصلاة فى المساجد التى بها أضرحة الأولياء والصالحين هى صلاة باطلة فقول مبتدع لا سند له، بل الصلاة فى هذه المساجد صحيحة ومشروعة، بل إنها تصل إلى درجة الاستحباب، وذلك بالأدلة الصحيحة الصريحة من الكتاب والسنة وفعل المسلمين سلفًا وخلفًا.

وبناء على ذلك: فإن إزالة الأضرحة من المساجد أو نقل رفاتها إلى أماكن أخرى- تحت أى دعوى، حتى لو كانت توسعة المسجد وتجديده- هو أمر محرم شرعًا، لما فيه من الاعتداء السافر على حرمة الأموات، وسوء الأدب مع أولياء الله الصالحين، وهم الذين توعد الله من آذاهم بأنه قد آذنهم بالحرب، وقد أمرنا بتوقيرهم وإجلالهم أحياء وأمواتًا، ولا يجوز التوصل إلى فعل الخير بالباطل، ومن أراد توسعة مسجد أو تجديده فيجب عليه شرعًا أن يُبْقِىَ الضريح الذى فيه فى مكانه حتى لو أصبح وسط المسجد، أو يُتْرَك المسجد كما هو حتى يقيض الله تعالى له من يتولى توسعته من عباده المخلصين الذين يعرفون لأوليائه قدرهم وحرمتهم، وينأون بأنفسهم عن التعدى على أضرحة الصالحين، لتتحقق إقامة المساجد على تقوى من الله تعالى ورضوان. ودار الإفتاء المصرية تهيب بعموم المسلمين إلى التصدى لهذه الدعوات الهدامة التى ما تفتأ ترفع عقيرتها بين الفينة والأخرى زاعمة أن قبور الصالحين التى بنى المسلمون المساجد عليها شرقًا وغربًا سلفًا وخلفًا- بدءًا بنبيها ϑ فى روضته الشريفة بالمدينة المنورة، ومرورًا بالصحابة وآل البيت الكرام كسيدنا أبى بصير فى جدة البحر، والإمام الحسين والسيدة زينب والسيدة نفسية بأرض مصر، والأئمة المتبوعين كالشافعى والليث بن سعد بمصر، وأبى حنيفة وأحمد ببغداد، وأولياء الله الصالحين كالشيخ عبدالقادر الجيلانى الحنبلى ببغداد، وأبى الحسن الشاذلى بمصر، وعلماء الأمة ومحدثيها كالإمام البخارى فى بخارى، وابن هشام الأنصارى والعينى والقسطلانى وسيدى أحمد الدردير فى مصر، وغيرهم ممن يضيق المقام عن حصرهم- هى من شعائر الشرك وأعمال المشركين، وأن المسلمين إذ فعلوا ذلك فقد صاروا مشركين بربهم سبحانه، ويجعلون التوسل بالأنبياء والصالحين وتعظيم أماكنهم وزيارة أضرحتهم- مما أطبقت عليه الأمة وعلماؤها جيلاً إثر جيل- ضربًا من ضروب الوثنية والشرك، غير عابئين بتراث الأمة ومجدها وحضارتها، فلا يعود المسلم يحس بمجد تاريخى ولا علمى ولا ثقافى ينتسب إليه، ولا يعود يرى سلفه إلا شذاذ آفاق مضللين يعبدون غير الله ويشركون به من غير أن يشعروا، فينهار المسلم أمام نفسه ويصغر فى عين ذاته؛ وذلك كله جريًا منهم وراء فهم سقيم لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى وردت فى المشركين الذين يعبدون غير الله، لا فى المسلمين الموحدين الذين يحبون الله ورسوله ϑ وأولياء الله الصالحين ويكرمونهم أحياء وأمواتًا، وهذه كلها دعاوى الخوارج؛ يعمدون إلى الآيات التى نزلت فى المشركين فيجعلونها فى المسلمين، كما رواه الإمام البخارى فى صحيحه عن عبد الله بن عمر 5 فى وصف الخوارج تعليقًا، ووصله الطبرى فى تهذيب الآثار بسند صحيح.