الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

د.أحمد عبد الكريم: المقاومة بالفن أرقى سلاح للفنان والتشكيك أصبح وباء العصر




حوار - سوزى شكرى

«الفوتوغرافيا والميديا المعاصرة أقرب إلى التعبير عن الثورة من التعبير الفنى» يجب أن يقنن اختيار الفنانين المشاركين فى المعارض الفنية سواء المصريين أو القادمين من دول أخرى، لأن تمثيل مصر بالخارج لابد وان يكون باختيار رسمى من الدولة، وليس عبثا الأجيال الجديدة تهرب من الأكاديمية ويميلون إلى الأعمال المركبة ويعتبرونها أسهل وليس لها ثوابت.

عندما تتوافر الفرصة للفنان التشكيلى للتعامل والتعايش مع عناصر الطبيعة بشكل مباشر فإنه ينتج عملاً فنياً له خصوصية وأكثر صدقاً وتعبيراً وتميزا، وهو ما فعله الفنان التشكيلى الدكتور أحمد عبد الكريم بعد انتقاله من الإقامة بالقاهرة إلى قرية دهشور، وبحسب قوله: «وجدت فى دهشور ما كان ينقصنى كفنان وكإنسان وهو تأمل الطبيعة بكل ما فيها»، فقد اختار الفنان «الهدهد» ملك الطيور والمتواجد فى بحيرة الملك كعنصر فنى شكلاً ومضموناً، اختاره ليكون بطلاً لمشروعه الفنى نفذه على مدار ثلاثة معارض متتالية بدأها بمعرض «الهدهد والمعدية» ثم معرض «قلب الهدهد» وختمها بمعرضه الحالى «هدهد بنت الجيران» المقام حاليا بقاعة بيكاسو للفن بالزمالك، الأعمال قدمها بفكر حداثى وابتعد عن المحاكاة الصريحة، على جانب آخر فقد حصل عبد الكريم مؤخراً على جائزة كتاب الفنون بمعرض القاهرة الدولى للكتاب 2014 على كتابه «الفنون البصرية»، حول معرضه وحول كتابه الحاصل على جائزة معرض الكتاب، وعن قضايا الحركة التشكيلية كان لنا معه هذا الحوار:
■ حدثنا عن سبب اختيارك للهدهد ليكون أيقونه وبطلا لثلاثية معارضك التشكيلية؟
- بعد انتقالى من مصر للمعيشة والإقامة فى مرسمى فى قرية دهشور بما فيها من أماكن تراثية للحضارة الفرعونية مثل هرم سنفرو والهرم الأحمر والهرم الأسود الطينى لامنحوتب الثالث والد إخناتون، بجوار هذا المكان يوجد بحيرة «الملك، يقف «الهدهد» ملك الطيور، هو ملك الحكمة والفيلسوف الواثق الهادئ المدهش، يقف على القمم العالية من البيوت المرتفعة والمآذن والقباب والتلال، وجدت أن انتقالى ليس فقط مجرد تغيير لمكان، بل هو تغير على كل المستويات، تغيرات فكرية وفلسفية، وجدت فى الطبيعة ما كان ينقصنى كفنان وكإنسان، بدأت أترقب كل يوم عناصر الطبيعة وأنصت بتركيز لصوت النخيل وأنفاس الهدهد، الهدهد جذبنى له بشده فهو رمز الحكمة فى الحضارة المصرية القديمة، ورمز استشراف المستقبل فى القصص الديني، وله عمق فى الثقافة الشعبية المصرية، كان سفير لسيدنا سليمان يتحاور معه وهو من أبلغه عن بلقيس ملكة سبأ، وفى الثقافة الشعبية هو صديق الفلاحين يصفونه بالوفى، و حين يموت الهدهد فى الأرياف يأخذ ويدفن تحت عتبه البيوت اعتقادا انه سوف يجلب لهم الخير، تابعته عن قرب بتحركاته وقفته وشموخه وصوته، ومن الجانب الشكلى قمت بتحويره كثيرا بعده اتجاهات وتحركات وهو يطير وهو واقف على أسطح البيوت وعلى الأشجار والنخيل، وهو عنصر مرن لدرجة كبيرة وقابل للمعالجات الفنية التشكيلية، ومهما كانت المعالجات فإنها لا تمحو من صفاته الأساسية الشكلية، وأيضا الشكل لا ينفصل عن المضمون، وجوده مع عناصر الطبيعة له عده أشكال، بمعنى إذا كان لقاؤه مع فروع الأشجار يأخذ شكلاً مغاير تماما لوقفته على الأرض أو على المياه، بالإضافة لألوانه المتغيرة تبعا لفترات الغروب والشروق.
■ كيف ترى حال الفن التشكيلى خلال الأعوام الماضية خاصة بعد ثورة يناير؟
- لا استطيع أن أواكب الأحداث بمعرض فنى ولكنى انتظر لفترة أتأمل وربما أعبر عن كل الأحداث بشكل آخر، أنا مقتنع بأن الفوتوغرافيا والميديا المعاصرة اقرب إلى التعبير عن الثورة من التعبير الفني، بصفه عامة أى فنان قدم معرض كل هذه الفترة الظلامية أقدم له الشكر والتقدير، المقاومة بالفن أرقى سلاح للفنان، والفنون كان لها نصيب من هجوم الإخوان، الثورة حدث ثقافى مازال مستمرا بالتأكيد سوف نستثمر هذا، القاعات الخاصة أيضا لم تغلق قاعاتها واستمرت بفعالياتها والقاعات الرسمية، الكل قدم ما يستطيع، وعلى جانب آخر نجد أن الفعاليات التى يقوم بها أشخاص فرادى رغم أنها فعاليات مهمة للتواصل بين الفنانين وبين دول أخرى وتعد نشاطا سياحيا وثقافيا وتشكيليا تحتاجها مصر الآن، إلا أنها يجب أن يقنن اختيار الفنانين سواء المصريين أو القادمين من دول أخرى، لأن تمثيل مصر بالخارج لابد وان يكون باختيار رسمى من الدولة، وليس عبثا، أنا مع هذه الفعاليات ولكن مع التقنين والتدقيق فى المستوى الفنى والمعاير تكون لائقة ويتم الاختيار بلجان أفضل من الاختيار العشوائى أو اختيار المصالح، وفى النهاية الفن يفرز ويغربل، فالفن الحقيقى لا يضحك عليه أحد.
■  كأستاذ بكلية التربية الفنية تعمل على تدريس الفن.. كيف ترى الأجيال الجديدة من الشباب؟
- الأجيال الجديدة بعضهم مبشر وبعضهم وقع فى حالة تأثر بالأستاذ الذى يعلمه الفن، وربما هذا ليس خطأ، كلنا كان لنا أستاذ نموذج تعلمنا منه وتأثرنا به لكن بعد التأثر يأتى دور البحث عن الذات وعن الشخصية والتميز، تأثرت فى بدايتى بأستاذى عبد الرحمن النشار وعندما لاحظ تأثرى به طلب منى أن أبحث عن هويتى الفنية وكيف أكملها، ومن هنا يجب على كل أستاذ يجد أن الطالب أصبح يشابهه أن ينصحه بالبحث عن شخصيته.
إنما توجد قضية أخرى أن بعض الفنانين الذين يعملون أساتذة فى كليات الفنون لا يستطيعون  تدريس الفن بالشكل المطلوب، والبعض الآخر استطاع أن يجمع بين وجوده على الساحة كفنان ونجح فى أن يكون معلم فن وعلم أجيالا كثيرة، الأجيال الجديدة تهرب من الأكاديمية ويميلون إلى الأعمال المركبة ويعتبرونها أسهل وليس لها ثوابت، ربما هذا جيلهم ولكن الدراسة الأكاديمية الأفضل لأنها تتيح لهم فى المستقبل أن يكون ذو شخصية فنية حتى وإن كان سوف يتجه إلى الأعمال المركبة أو إلى التجريد، لا تجريد بدون أساس.
■ ما رأيك فى «معارض الترقية « والتى يقيمها أساتذة الفنون بالجامعة بهدف الترقى؟
- لابد من تغيير معايير الترقية وأن تحذف هذه الجملة تماما، فلا يوجد شيء اسمه معرض ترقيه، إما فن أو لا فن، هذه الجملة تقلل من القيمة الفنية للمعرض الذى يقدمه الأستاذ الجامعي، البعض يعتمد على الجانب النظرى فى الترقية وكأنه نظير للمعرض، وهذا فخ، فالترقية تدرج وظيفى لابد أن يكون له معاير أخري، بالتأكيد لو بحثنا سنجد أسماء كثيرة حصلت على لقب أستاذ دون أن يكون لها بصمة فنية تذكر، نحتاج إلى إعادة النظر فيها، لأن البقاء للفنان وليس للقب.
■ حصلت مؤخرا على جائزة النشر بمعرض القاهرة للكتاب الدولى 2014 عن كتابك « الفنون البصرية»، والبعض شكك فى تلك الجوائز.. ما تعليقك؟
- بحسب إعلان المسابقة أن يتقدم صاحب الكتاب أو دار النشر للمسابقة، العام الماضيين قدم الجوائز الراحل إبراهيم أصلان بطباعة الكتاب طبعة شعبية، وقد تشرفت أنى كنت أحد الفائزين عن كتابى «النظم الإيقاعية فى جماليات الفن التشكيلي»، وهذا العام تقدمت دار النشر بكتابى الجديد «الفنون البصرية»، وحقيقة أنا لا أعرف من هم اللجنة وكنت أود أن اعرفهم حتى أقدم لهم الشكر، وهذه إيجابيه أن يكرمنى احد لا يعرفني، بينى وبين اللجنة المنتج الفنى فقط، وكثيرا ما نختلف مع اللجان، ومعروف أن لكل لجنة معايير وأسس للتقييم كما نفعل نحن فى لجان الاختيار للأعمال الفنية، وكثيرا ما نجد أن عملا فنيا تقبله لجنه وترفضه لجنه أخرى، وهذا ليس أمرا سلبيا، فالاختلاف أمر إيجابى فالنقاد لا يجتمعون على ثوابت، ولماذا التشكيك فى العمل وفى الأشخاص وفى اللجنة، يبدو أن التشكيك أصبح وباء العصر، وحين يتقدم فنان أو أديب بعمل فنى للخارج ويرفض لماذا لا نشكك فيهم، التشكيك فى مصر فقط، هذا جدل معاد ومكرر، ومن يشكك فى الجوائز هو شخص أراد شيئا من مسئول ولم يحصل عليه.
■ خسرت الحركة التشكيلية مؤخرا عددا من الفنانين الكبار كان آخرهم الراحل محسن شعلان.. ما تعليقك؟
- صدمة كبيرة، محسن شعلان رجل عاش مقهورا ومات مظلوما، سجن سنه كاملة فى عهد الفساد وتحمل وجوده فى سجن شديد العقوبة وقاوم هذا القمع والقيد بالفن، خسارتنا كبيرة فى رجل أعطى الفن ما لم يعطيه غيره، اكتشف شباب كثيرين ودعمهم وهم اليوم نجوم مصر، وصدق عندما راهن بالشباب ولم يخسر رهانه.