الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

التحليل النفسى لقيادات جماعة الإخوان المسلمين (حسن البنا) الحلقة 33




المرشد الأول
د/ على الشامى
[email protected]
 
يقول الكاتب والفيلسوف اليونانى نيكوس كازانتاكيس: «ما أن نولد حتى تبدأ محاولاتنا فى أن نخلق ونبتكر أى أن نجعل للمادة  حياة»، أى نولد فى كل لحظة، لذا جاهر البعض ولا أبالغ إن قلت أن هدف الكثيرين فى هذه الحياة هو الخلود، فى الأجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران، الصاعد نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود، الهابط نحو التحلل، نحو المادة، ويقول «نيكوس» أيضا  فى وصف هذين التيارين: «هذان التياران  كلاهما مقدس»، إلى هنا انتهى كلام كازانتاكيس، ويقول الطبيب النفسى والمفكر النمساوى الشهير سيجموند فرويد: « إن الإنسان يحمل داخله – أى فى النفس اللاواعية – رغبتين أحدهما  هى رغبة البناء، و دعاها «الإيروس»، والأخرى رغبة الهدم وسماها «الثانتوس»، وفى بدء مشروعه العلمى أكد سيجموند فرويد أن الإنسان تحركه الدوافع طبقا لغرائزه الجنسية فقط، تعرض بعدها لانتقادات شديدة ورفض أشد فى الأوساط العلمية  والطبية أجبرته على تعديل آرائه فى نهاية حياته إلى مفهوم أقل حدة، وهو أن الجنس هنا المقصود به كل صور البناء والحياة، وأن العدوان والتدمير المقصود به كل الصور السلبية والهدم والرذائل حتى المعنوية منها، بل وخصوصا المعنوية منها والتى يمكن أن تندرج تحت هذا اللواء.
  وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميري، بل وبتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، هذا الطوفان هو جماعة الإخوان الإرهابية، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية، فيما عرف إعلاميا بمشروع «الأخونة»، وقام على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها، حتى لفظت مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى الغريب النبت، ونحن نهدف هنا بالأساس  لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم، وبعض الديناميكيات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، نتساءل: ما هو التكوين النفسى لهذه الشخصيات؟، هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟، سنحاول جاهدين بلا إفراط و لا تفريط  أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات، والتى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة، فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو.
الحديث هذه المرة عن المؤسس، بذرة التكوين لجماعة الإخوان بتنظيمها وتكوينها الهيكلى ولكل المنظمات والتكوينات المنبثقة أو المتفرعة منها أو حتى المتأثرة بها عبر قرنين من الزمن، وربما أيضا إلى الأبد، المرشد الأول للجماعة الإرهابية ولا نبالغ عند قولنا على سبيل المجاز إن البنا هو نبى الإرهاب أو المبشر به فى العصر الحديث.
      قبل أن أتناول الملامح النفسية الخاصة بحسن البنا كشخص أود الحديث بشكل مختصر كما اعتدنا فى حلقات سابقة عن الملامح النفسية للإخوان كجماعة فضلا عن الأفراد أى الوحدات المكونة لهذه الجماعة، حيث تتسم الشخصية الإخوانية كما نوهنا من قبل فى حلقات سابقة بالطابع البارانويي، أى الشخصية المتعالية المتشككة والمشككة فى الجميع وأيضا تتسم بالطابع «السيكوباثى» أى المريض الاجتماعى وهو الشخص الراغب فى إيذاء الآخرين دوما ولا يجد أى وازع أخلاقى لدفعه عن ذلك بل ويجد نفسه أيضا مستمتعا بفعل الإيذاء نفسه بدون أى قدر من الإحساس بالذنب فى إطار عام من الكراهية والحقد والتشفى من المجتمع الكبير الذى لا يعترف به أصلا وذلك لصالح المجتمع الصغير الذى يثق فيه، وأعنى بالمجتمع الكبير هنا مصر والصغير بطبيعة الحال هى جماعة الإخوان الإرهابية، ونجد أيضا أن أفراد الجماعة يتصفون بما تتصف به جماعتهم فى العموم، لكن الأشخاص يتميزون ببعض الصفات التى تميزهم فى الأساس عن باقى أفراد الجماعة، كما أود التأكيد على مكونات الشخصية من الناحية النفسية فالنفس تتكون فى الأساس من مركب الأنا العليا وهو الممثل لمنظومة القيم والمبادئ والسلطة الأبوية الصارمة وفى المقابل وعلى النقيض نجد «الهو»، أى مجموعة الغرائز  الأولية أو البدائية الهمجية وينشأ عن الصراع القائم بين هذين المركبين قلق عصبى يكاد يسحق الأنا أو النفس الإنسانية أى الذات البشرية ولتمنع النفس هذا الانسحاق ولتقوم بحماية نفسها فإنها تقوم بعمل ما يسمى بالحيل الدفاعية أو الدفاعات، وهى بمثابة أقنعة يلبسها الإنسان ليبدو فى صورة مغايرة لطبيعة الانفعال والصراع الداخلى وقد وجدنا صوراً مختلفة ومغايرة  لبعضها البعض عبر التحليل النفسى لشخصيات كثيرة من القيادات فى جماعة الإخوان الإرهابية إلا أن لشخصية اليوم  - البنا-  أيضا حظ من ذلك أو لنقل من تلك الدفاعات أو الحيل الدفاعية.

حديثنا هذه المرة عن شخص قام ببناء نفوس وأفكار الجميع، عن مايسترو بالمعنى الحرفى للكلمة، عن قائد أو ملهم إن جاز التعبير وهو أمر مستحق للبنا، فالرجل قام بخلق تنظيم من لاشيء وهو أصعب الأمور على الإطلاق، أصعب بكثير جدا من الانحراف بتنظيم أو بفكرة إلا أننا لا يمكننا القول إن البنا لم يتأثر بأى أفكار سابقة له على الإطلاق وإذا قلنا بذلك فإن الأمر يكون بمثابة إجحاف لأشياء وأفكار أثرت كثيرا فى فكر البنا.
دعونا نبدأ بشكل مختلف هذه المرة فلنبدأ بالحيل الدفاعية عكس ما كنا نفعل سابقا،لكن للحديث عن الحيل الدفاعية وهى كما ذكرنا فى الحديث عن الملامح النفسية العامة للإخوان بشكل عام تتعدد وتختلف من شخص لآخر بمعنى أن الشخص الواحد يملك عدة حيل ولن نتحدث عن حيل خضنا فيها سابقا لكننا سنتحدث عن ما لم نورد ذكره فى السابق.

يلجأ الأطفال إلى خلق عالم افتراضى مواز للعالم الحقيقى وربما لخلق شخصيات خيالية يتفاعلون معها ويحادثونها أحيانا، كأن تجد طفلا يحادث لعبة أو يخترع وجود صديق غير موجود فى الحقيقة على الإطلاق، وهذا يسمى فانتازيا الأطفال وهو أمر مقبول جدا من الناحية الصحية، أقصد السلامة النفسية للطفل ولا يمثل أى صورة من صور المرض النفسى إلا إنه يرشح هذا الطفل - و ذلك فى حال إن لم يستطع الولوج إلى عالم الحقيقة - للوصول إلى حالة مرضية فى مستقبله، هنا نجد سؤالا يطفو على السطح .. ما علاقة الأمر بطفولة البنا؟.
 .. حسنا .. عندما كان البنا فى المرحلة الإعدادية وبالتحديد فى مدرسة الرشاد الإعدادية تأسست جماعة مثل تلك الجماعات التى يؤلفها الصغار وتولى البنا زعامتها - الطفولية - مما ينبئ عن شخصية قوية فى المستقبل وحس عال بالأنا و ثقة بالنفس ولكن الأهم من توليه الزعامة هو اسم الجمعية التى تولى قيادتها وهو جمعية الأخلاق الأدبية، ثم يتبعها هو ورفاقه بجمعية منع المحرمات، ويبدأ البنا وزملاؤه فى تنفيذ التطبيق العملى للجمعية ويقوم بإرسال خطابات لتعديل سلوك البعض والإرشاد المباشر للبعض الآخر، إلى هنا ونصل إلى أن «اليوتوبيا» التى صاغها الأطفال فى هذه المرحلة طبيعية جدا، إلا أن تتطور الأمر إلى تبنى حسن البنا لأفكار تكوين الجماعات والعمل فى إطار جماعى والافتتان بمجموعات منظمة مثل الصوفية حيث أنه التحق بطريقة تسمى الطريقة «الحصافية»، ويقال أنه التحق بغيرها أيضا وتناول منها الهيكل التنظيمى للصوفية وبنى على أساسه جماعته كما أنه افتتن بـ «الماسونية» وتناول منها العديد من الأفكار و الأدوات والطقوس التى دمجها فى جماعته، أما الافتتان الأكبر فى حياة البنا فكان بحسن الصباح زعيم أهم فرقة متمردة فى التاريخ الإنساني، أعنى بها فرقة «الحشاشين» ... ولحديثنا بقية نستكمله فى الحلقة القادمة.