الثلاثاء 24 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الحى الثقافى




د.حسين محمود
كانت المرة الأولى التى أسمع فيها فى الجامعة عن علم «الاقتصاد الثقافي» فى جامعة روما 3، حيث كانت أستاذة الاقتصاد «تروبياني» تعقد ماستر فى هذا العلم، وحاولت جاهداً أن أشرك فيه بعضا من طلابنا.
وهذا العام طرح الاتحاد الأوروبى برامج مشتركة مع جنوب البحر المتوسط فى علم «الإدارة الثقافية»، وفى الحالتين أسفت على الأعوام الطويلة التى أديرت فيها ثقافة مصر بمنطق «السجادة الحمراء»، وبأناقة باريس وفرانكفورت، فى بلد يعانى خللا فى الجغرافيا الثقافية جعل المؤسسات الثقافية الوحيدة النشيطة فى الأطراف هى المؤسسات الدينية، بينما استأثرت القاهرة، وبعض المراكز الحضرية المهمة الأخرى بالاهتمام كله. 
المشكلة التى تعانى منها مصر هى إدارة الثقافة اقتصاديا، والذريعة هى عدم وجود موارد كافية، بعد أن استأثر الوقود والخبز بمعظم الدعم، وتفتقت العبقرية الروتينية المصرية عن فلسفة «الشحاتة» لتمويل هذا العجز، فتنازلت عن دورها الثقافى الرائد، والذى كان يؤمن مصالحها الاقتصادية والسياسية فى باقى العالم.
هل يمكن لعلمى «الإدارة الثقافية» و«الاقتصاد الثقافي» أن يحلا مشاكل مصر الثقافية؟ وأجيب على الفور: نعم.
هل تريد أن تحل مشاكلك الثقافية دون أعباء على الاقتصاد، بل وربما أيضا تحل «فى السكة» مشاكل الفقر والصحة والتعليم فى الأطراف الفقيرة؟ إذا  كانت الإجابة بنعم فأستطيع أن أقدم لك مجموعة من الأفكار فى هذا الاتجاه، أبدؤها بفكرة «الحى الثقافي» وهى مطبقة فى بعض دول أوروبا، ومنتشرة فى الولايات المتحدة، ولكنها صالحة تماما للتطبيق فى مصر وبعض الدول النامية.
مصر بالتحديد لديها إمكانية لا تضاهى فى التوسع العمراني، حيث لا يحتل ساكنوها إلا 7% من مساحتها، ومن ثم يصبح إدخال هذا المفهوم فى بناء المدن الجديدة أسهل كثيرا من خلق نماذج عمران عشوائية تضاعف من حجم المشاكل.
تقوم فكرة الحى الثقافى على التركيز على المنشآت الثقافية كنقطة جذب. وتتضمن هذه  المنشآت أماكن تنزه مفتوحة يمكن أن تستضيف الحفلات الموسيقية وعروض الهواة وغير ذلك من الأنشطة التى تتطلب مكاناً مفتوحاً (وتصلح أيضاً كمكان مأمون للتظاهر). كما تتضمن  المتاحف والمعارض الفنية والأتيليهات الخاصة بالفنانين، والمحال التى تبيع التحف الفنية والأشغال اليدوية والعاديات، والاستوديوهات الصوتية وبلاتوهات السينما، والمكتبات العامة. ويجب أن تضم أيضاً مدرسة ثانوية «فنية» وكلية أو أكاديمية لتدريس العلوم والفنون.
ويمكن أن يستضيف هذا الحى الثقافى بعض المبانى السكنية لمن يريد أن يترك المراكز الحضرية المزدحمة لكى يستمتع بجو هذا الحى الخاص. ولا تتطلب هذه الفكرة سوى التنسيق «الحضارى» بين المثقفين من جهة والحكم المحلى من جهة أخرى، وأثرها فى إنعاش «عقل» المجتمع مؤكد، أما أثرها على خلق فرص عمل جديدة، وإثراء المقومات والأصول الثقافية، وجذب «مؤكد» للسياحة العربية والأجنبية، فحدث ولا حرج، ومن ثم فهى أيضا تنعش الاقتصاد.
أستاذ الأدب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
 [email protected]