الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الماسونى




د /على الشامى
يقول الكاتب والفيلسوف اليونانى نيكوس كازانتاكيس: «ما أن نولد حتى تبدأ محاولاتنا فى أن نخلق و نبتكر أى أن نجعل للمادة  حياة»، أى نولد فى كل لحظة، لذا جاهر البعض ولا أبالغ إن قلت أن هدف الكثيرين فى هذه الحياة هو الخلود، فى الأجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران، الصاعد نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود، الهابط نحو التحلل، نحو المادة، ويقول «نيكوس» أيضا  فى وصف هذين التيارين: «هذان التياران  كلاهما مقدس»، إلى هنا انتهى كلام كازانتاكيس، ويقول الطبيب النفسى والمفكر النمساوى الشهير سيجموند فرويد: «إن الإنسان يحمل داخله – أى فى النفس اللاواعية – رغبتين إحداهما هى رغبة البناء، ودعاها «الإيروس»، والأخرى رغبة الهدم و سماها «الثانتوس»، وفى بدء مشروعه العلمى أكد سيجموند فرويد على أن الإنسان تحركه الدوافع طبقا لغرائزه الجنسية فقط، تعرض بعدها لانتقادات شديدة ورفض أشد فى الأوساط العلمية  والطبية أجبرته على تعديل آرائه فى نهاية حياته إلى مفهوم أقل حده، وهو أن الجنس هنا المقصود به كل صور البناء والحياة، وأن العدوان والتدمير المقصود به كل الصور السلبية والهدم والرذائل حتى المعنوية منها، بل وخصوصا المعنوية منها و التى يمكن أن تندرج تحت هذا اللواء.
 
  وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميرى، بل وبتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، هذا الطوفان هو جماعة الإخوان الإرهابية، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية، فيما عرف إعلاميا بمشروع «الأخونة»، وقام على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها، حتى لفظت مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى الغريب النبت، ونحن نهدف هنا بالأساس  لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم، وبعض الديناميكيات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، نتساءل: ما هو التكوين النفسى لهذه الشخصيات؟، هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟، سنحاول جاهدين بلا إفراط ولا تفريط  أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات، والتى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة، فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو.
فى حديثنا السابق عن البنا تناولنا الملامح العامة له وأيضا بعض الملامح الشخصية التى تميزه كفرد داخل المجموعة أعنى جماعة الإخوان، والبنا بحكم طبيعة موقعه من الجماعة كمؤسس لها وكمرشدها الأول يحمل صفات متفردة، صفات قادته إلى الموقع وصفات نشأت عن هذا الموقع، والجماعة - أى جماعة - تنشأ فى البداية حول فكرة تكون بمثابة عامل الجذب الحيوى أو نقطة الدائرة التى تجمع حولها أعضاء الجماعة الراغبين فى الانتماء إليها والمشتركين فى نفس الفكرة أو على الأقل فى مساحة تجعلهم يدورون فى فلكها بمستويات مختلفة، أما عن الاختلافات البينية فحدث ولا حرج خاصة عند الانشقاقات وما أكثرها وفى الغالب فى حالة الإخوان يكون الانشقاق نحو التطرف الأشد غير مأمون العواقب.
يقول عالم الاجتماع الشهير دور كاييم فى طبيعة «الايدولوجيا» الجمعية أن الجماعة عرضة لفكرة أو تصور جماعى سابق كنتيجة لوهم لا حقيقة ويصل إلى وصفها بالخزعبلات الجماعية والتى تتنكر فى ثوب الوقائع وأنها من صنع ضرورة واقع يحيط بالبشر، فهؤلاء البشر يدركون بحواسهم المختلفة وأيضا بعملياتهم العقلية المختلفة الواقع المحيط وعلى أساسه يتعاملون ويبتكرون مفاهيم جماعية، كما نجد كارل يونج عالم النفس الشهير المعاصر لفرويد والمبتكر لمفهوم الوعى الجمعى يؤكد على معنى وجود إرث مشترك للبشر ككل أو لفئة محددة من البشر تربطها روابط معينة فمثلا تجد الوعى الجمعى للمصريين مشترك والوعى الجمعى لقرية أو مدينة بعينها مشترك وهو مسجل فى وعينا اللاشعورى ويستدعى عند الحاجة أو فى الأحلام على هيئة رموز وطلاسم وخلافه، كما أن الوعى الجمعى يكون مشتركا لجماعة دينية أو عقائدية أو فكرية معينة.
كان هذا التوضيح ضروريا فى الحديث عن حسن البنا كمؤسس جماعة يمكننا أن نطلق عليها جماعة سرية إن شئنا بحكم استغلاق أسرارها وطقوسها على غير أبنائها والمخلصين منهم تحديدا، كما أن وصفها بالماسونية لطقوسها أو ما شابه لا يجعلنا بعيدين عن الصواب بل إننى أجد أن البعض فى الآونة الأخيرة أصبح يسخر من بعض الأشياء لتجعلك تشعر بالحرج لمجرد التفكير فيها وهو أمر يعيدنا لمفهوم الإقصاء، بحجة أن هذا يعلم وهذا لا يعلم، ثم السخرية من الشخص بحجة أنه لا يعلم والتعامل مع ذلك الفرض باعتباره حقيقة،هنا أتذكر حديث العقاد فى كتابه الهام «الصهيونية العالمية»، فقد تحدث العقاد عن حسن البنا ذو الأصل اليهودى المغربى لأب صانع ساعات، وقال أنه لم يجد محترفا أو حتى عاملا بصناعة الساعات فى ذلك الزمن - وأيضا لأزمنة تالية - غير اليهود وتحدث هو وغيره كجورجى زيدان مثلا فى كتابه النادر الهام «تاريخ الماسونية العام» عن المحافل الماسونية فى مصر والعالم العربى وكان ذلك قبل الربط بين الماسونية والصهيونية وإغلاق جميع محافلها بمصر إبان حكم عبد الناصر فى ستينيات القرن الماضي، وقبل هذا التاريخ لم يكن يجد أى أحد من المجتمع أو حتى المشاهير ورجال السياسة والفنانين حرج أو غضاضة من الدخول أو الالتحاق بهذه المحافل.
يروى البنا نفسه فى أحد كتبه أنه تأثر جدا فى كل مناحى الحياة بحسن الصباح زعيم طائفة «الحشاشين»، وهى طائفة قديمة معروفة من غلاة الشيعة اشتهرت بالاغتيال السياسى طبقا لرغبة  الأمير والسمع و الطاعة له فى كل صغيرة وكبيرة، ونجد أن الاغتيالات انتشرت فى العصور الوسطى فى أوروبا وغيرها بسبب هذه الطائفة، وطبعا يفسر تأثر البنا على المستوى النفسى بأمرين، الأول هو توحده مع الصباح بمعنى أن يتأثر الشخص بآخر فى صفة ما تكون مرغوبة ويحاول تنفيذها، وأقصد هنا بالطبع أن تكون مرغوبة طبقا لمنظومة مبادئه وأيضا نجد حالة من الامتصاص وهو امتصاص الشخص لآخر فى الذات وذوبانه فيه لدرجة أن يظهر بالسلوك والأفعال الخاصة بهذا الشخص وكأنها نابعة من نفسه وكلا الأمرين هى حيل دفاعية استخدمها البنا وأؤكد على أن الاستخدام هنا كان لاشعوريا وربما يكون قد ارتفع إلى التأثر والمحاكاة بشكل شعورى وهى مرحلة تاليه، وأؤكد أيضا على أن التأثر أو التوحد مع شخصيات مثل الصباح كان على مستوى الهيكل التنظيمى فى الغالب وعلى مستوى الفكرة العامة وليس على مستوى تفاصيل العقيدة أو المعتقد الشيعى للجماعة، ونجد أيضا أن هذا مقارب لتأثره بالصوفية فى هيكلها التنظيمى والذى استطاع البنا تقريبا نقله بشكل  كامل إلى الهيكل التنظيمى الخاص بجماعته، أعنى بالطبع جماعة الإخوان.. ولنا فى الحديث بقية نستكمله فى الحلقة القادمة الجزء الثالث والأخير.