«مراسم سيوة».. استلهام وتبادل فنى يعيد رسم ملامح الحركة التشكيلية
روزاليوسف اليومية
كتبت: فدوي رمضان
تولد الأفكار فى عقولنا لتبدأ كخيالات، تجد عند البعض رغبة فى البحث و التجريب والتجديد بحثا عن صياغات وحلول لما نفكر فيه أو نبتغى الوصول إليه، على أنها قد تتعدى قدرات الواحد فينا أو ربما تكبله بتعدد ما يقوم به وتشتت أفكاره، كذلك الحال فى الحركة التشكيلية المصرية، بأن يصبح الفنان هو ذاته منظم العرض ... مديره... النجار... الحداد... والقائم على الدعاية له، فقد يمتلك الفنان موهبة كاملة دون أن يمتلك معها مقومات النجاح كالذكاء الاجتماعى فى التعامل مع الجمهور أو التواضع فى طرح أفكاره أو الإدارة السليمة... الكثير من المقومات التى عليه أن يدرك ضرورتها إذا اختار الفن طريقا للوجود بين الناس، فان لم يمتلك المقومات فعلى الأقل يمكنه أن يوظف لها مَا يفيده، فالموهبة وحدها لا تكفى لصناعة النجوم، فكثيرا ما تظهر إبداعات نتيجة الرعاية الصحيحة فى حين تختفى أخرى نتيجة الإهمال، ولأننا فى مصر نعانى الكثير عند التعامل مع القاعات الخاصة بالعرض، تارة لتوجه بعضها توجها فكريا قاصرا على فنون بعينها مثل الفنون «المفاهيمية» أو «الحداثية» أو «الجسدية» وغيرها، وتارة أخرى لاقتصار بعضها على التعامل مع أسماء بعينها أو اتجاهات فنية دون غيرها... تبدو المسألة فى غاية التعقيد وشاقة على الفنان، خاصة إذا كان يخطو أولى خطواته على الساحة التشكيلية، وهو ما يستدعى تدخل مؤسسات الدولة خاصة التابعة لوزارة الثقافة فى إطار يتطلب اكتشاف المواهب وتدعيمها فى مرحلة مبكرة، من خلال صالونات الشباب السنوية والمعارض القومية والدولية.
هنا أخص بالذكر إدارة الفنون التشكيلية بالهيئة العامة لقصور الثقافة التى يتولى إدارتها الفنان هيثم عبدالحفيظ، حيث تنظم الإدارة الكثير من التظاهرات التشكيلية مثل بينالى بور سعيد الذى يقام كل عامين بمحافظة بور سعيد، كما تنظم المعارض المتجولة (الدوارة) التى تجوب أغلب المحافظات لكبار الفنانين... يضاف إلى هذه الأنشطة مشروع مراسم سيوة الذى انطلق منذ عدة سنوات امتدادا لمشروع مراسم الأقصر، هذا المشروع - مراسم سيوة - الذى يقام بشكل سنوى لفوجين فقط أحدهما للفنانين وآخر للفنانات، حددت له عشرة أيام كمدة خلال يناير من كل عام، للاستمتاع والاستفادة من معالم ومقومات المكان ومن ثم الاستلهام منه لانجاز بعض الأعمال الفنية عملا بالمقولة الشهيرة «الفن ابن الطبيعة... وعليه أن يستلهم من المصدر الذى خْلق منه»، يتم بعدها إقامة معرض فنى كبير للفوجين بإحدى القاعات التابعة للدولة (متحف محمود مختار).
وكان لكاتبة هذه السطور الحظ الموفق فى الانضمام إلى فوج الفنانات هذا العام، وكم أسعدنى الفريق الذى عملت معه من الفنانات المختارة رغم عدم معرفتى الشخصية بأغلبهن، فشارك فى المشروع كل من الفنانات: نيفين فرغلي، سحر الأمير، هالة الشافعي، شيرين مصطفى، هبة أمين، مى حشمت، زينب محمود، وأميرة سعد، لم يكن الاندماج سويا هو الحالة المطلوبة لكنها كانت المأمولة على السبيل الاجتماعى والتعاملات فيما بعد، أما على السبيل الفكرى فكان للمكان بالغ أثره على كل واحدة منا على حدة، فمثلا ترى الفنانة هالة الشافعى أن للمكان طبيعته الفريدة حيث تأثرت به وبتاريخه وعاداته وببيوته وصحرائه ولهجاته وصناعاته البدائية الجميلة ودور المرأة النادر داخله، فى حين ترى الفنانة هبة أمين أن سيوة كمكان من أجمل الأماكن التى زارتها على وجه الإطلاق حيث المناظر الطبيعية والحياة البسيطة والمجتمع الطيب المترابط وتنتقد الفنانة غياب المرأة بقولها: أشفق على المرأة هناك التى لا تخرج إلى الشارع إلا فى المناسبات فقط، بينما تحاول الفنانة شيرين مصطفى إثراء تجربتها الإبداعية من خلال الصحراء والمناظر الطبيعية والعادات التى اختزلتها فى صورة مشاهد قابلة للتأويل أو التغيير على السبيل الرمزي... أما الفنانة مى حشمت فترى فى ملامح الناس هناك دافعا كبيرا للبحث والتأمل والإبداع وأن لهجاتهم المتعددة وعاداتهم وملابسهم وصناعاتهم البسيطة من أهم مقومات الرسم والإبداع.