الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

العلاوى: إعلاء مدارس فنية بعينها وإلغاء أخرى وراء تشويه الحركة التشكيلية المصرية




حوار - أحمد سميح
تحمل أعمال النحات المصرى د.محمد العلاوى سحرا خاصا استمده من رصانة فن النحت الفرعونى القديم وأصالته بينما نجده قد تأثر بحداثة الفنون الأوروبية ومساحات حركتها مع ميل إلى الرمزية والتجريدية، على أنه لم يتخل يوما عن الاتجاه الواقعى فى أعماله، فهو أيضا أستاذ النحت بقسم النحت بكلية الفنون الجميلة والرئيس الأسبق له والوكيل السابق لكلية الفنون للدراسات العليا والبحوث، والتلميذ النجيب للنحات المصرى الكبير الراحل جمال السجينى، الذى تأثر به أيما تأثر ومع ذلك تمكن من الخروج من عباءته مقدما فنه وأسلوبه الخالص، فلم يقع أسير أشخاص أو تيارات فنية بل استفاد من مضامينها ودلالاتها. معرضه الأخير «رحلة محمد العلاوى» المقام حاليا بمركز محمود مختار الثقافى يمثل خلاصة تجربته الفنية أعطاها من صميم روحه ورؤيته للحياة، نجده فاتحا الباب على مصراعيه للتجارب الإنسانية تتجسد على هيئة تماثيل تتمحور حول مأساة الإنسان، تحمل أعماله الكثير من الصراع بين الكتلة والفراغ وما تمثله حركتها من مقاومة للجاذبية الأرضية.. عن معرضه الأخير وتجربته الفنية كان لنا معه هذا الحوار فإلى نصه.

■ حمل معرضك عنوان «رحلة محمد العلاوى».. حدثنا عن تلك الرحلة الفنية فى أعمالك؟

- عندما كنت طالبا بالكلية كان الفنان السجينى يعاملنى كصديق، يأخذ رأيى فى أعماله وآخذ رأيه فى أعمالى وبالطبع تأثرت به كثيرا، ولكننى بدأت أبحث لنفسى عن طريق خاص بي، وفى عام 73 كنت قد نفذت أعمالا بطريقة التنفيذ المباشر بالأسمنت وقدمتها فى معرض بقاعة «أخناتون»، فى السبعينيات، وعندما حاولت تقديم عمل فنى عن الأمومة وجدت أننى بحاجة إلى تقديم الجسد الإنسانى بنوع من التلخيص والتبسيط، وفى الفترة من 74 وحتى 78 كانت فترة دراستى للماجستير كانت تمثل فترة انقطاع بالنسبة لى، وفى عام 88 بدأت أذهب فى اتجاه مرحلة أخرى من أعمالى هى مرحلة «الجسد والحوائط» بأشكال متعددة وتلك المراحل يوجد منها عدد قليل جدا من الأعمال، ثم تلا ذلك مرحلة «الصخور» والتى يواجه فيها الإنسان فعلا حركيا فى مقاومة الصخور ومحاولة الانسحاق، وعندما طالت فترة حكم مبارك بدأت أحس بالضيق و«الخنقة» فجسدت مصر قى عمل نحتى وكأنها «مخطوفة» لا يوجد لديها أمل، واعتبرت أحد تماثيلى لشخصية تدفع الزوابع التى تحيطها بمثابة صرخة فى الظلام وكنت قد بدأته قبل ثورة يناير واستكملته بعدها، وأصبت فى بعض الأحيان بإحباط شديد فعبرت عن ذلك بشخص يحمل طائرا تلخيصا لفكرة البحث عن أمل، ثم تطور شكل الطائر إلى بساط الريح فى أعمالى الأخيرة كوسيلة سحرية للخروج من المآزق والكبوات طالما أن الواقع لا يساعد.

■ متى اكتشفت حالة الإبداع لديك؟

- بدأ ذلك مبكرا وتحديدا منذ الصف الخامس الابتدائى، عندما شاهد مدرس التربية الفنية بالمدرسة رسوماتى وطلب منى تنفيذها بحجم أكبر وبدأ تشجيعي، أيضا كانت جارتنا مدرسة تربية فنية فى كلية المعلمات وعندما شاهدت رسوماتى شجعتنى جدا، وكان والدى دائم الاهتمام والتشجيع لي، فطلب منى وأنا فى الصف السادس الابتدائى أن آخذ درس رياضة عند مدرس يدعى صلاح، وللصدفة فقد كان يرسم سلسلة «الألف كتاب» وكنت أشاهد ما يرسمه وأريه رسوماتى وللصدفة أصبح له تاريخ معى بعد ذلك، فقد التقيته أثناء دراستى للدكتوراه فى الاتحاد السوفيتى وكان قد أصبح وقتها ملحقا ثقافيا فى موسكو، تلك كانت المرحلة المبكرة فى حياتى التى أعطتنى الإحساس بقيمة ما أعمله من إبداع، وفى المرحلة الثانوية قابلت السيد عبد الخالق وكان خريجا لكلية الفنون التطبيقية وكان يتبع معى نفس المنهج فيتركنى أرسم ما أريده ويقوم بتشجيعى ويعلق لوحاتى على جدران المدرسة، وكانت تلك المرحلة التى سبقت دخولى كلية الفنون الجميلة.

■ حدثنا عن مرحلة التحاقك بكلية الفنون الجميلة؟.

- كنت منذ المرحلة الابتدائية أنوى دخول كلية الفنون الجميلة، حينها كان الفنان الراحل جمال السجينى النحات المصرى الوحيد المعروف فى الصحف وأوساط المجتمع المصرى بخلاف الفنان محمود مختار، وعند التحاقى بالكلية كنت أحب التصوير جدا، وكان ذلك المجال يعتبر هو الأسهل لممارسة الفن باعتبار أن أدواته متاحة ويسهل استعمالها فى البيت، وكان المنهج السائد فى التعليم بالكلية أن يدرس الطالب جميع الأقسام وبعد ذلك تم فصل قسم الديكور وتم تخصيصه كقسم من البداية، وكانت دراستى للديكور مهمة جدا وفى أحد مشاريع النحت نفذت عملا عن الأمومة وكنت محبا جدا لأعمال مايكل أنجلو وحصلت على الدرجة الأعلى لهذا المشروع، وفى المشروع التالى وجدت أن الفنان السجينى معجب بتمثالى وسألنى عن القسم الذى أرغب فى الالتحاق به، وعندما جاء وقت اختيارى للقسم قررت الالتحاق بقسم النحت لأننى لو لم أتخصص فى هذا المجال فمن الصعب أن أقوم به أما مجال التصوير فيمكن أن أمارسه حتى لو لم ألتحق به.

■ من أكثر من أثر بك من فنانين فى مجال النحت؟

- إلى جوار المثال الراحل جمال السجينى، كان هنرى مور هو ظهيرة الفن فى ذلك العصر خاصة فى مجال التشكيل «form» وهو ما تأثرت به واستوعبته، وأيضا مايكل أنجلو.

■ ما أهم مشكلات كلية الفنون الجميلة؟ وما سبب ضعف مستوى عدد من الخريجين؟

- الوضع الحالى أسوأ من السابق، فلم تكن هناك سابقا شُعب داخل كلية الفنون الجميلة، فمثلا كنا فى قسم النحت ندرس ما تدرسه جميع الشعب، وهكذا حال كل الأقسام، ولكن لأسباب اقتصادية وليست علمية تم تقسيم الأقسام إلى شعب، حتى يصبح عدد الساعات أكثر لأن رواتب الأساتذة للأسف هى من أدنى الرواتب على الرغم من أنها على مستوى العالم كله هى الأكبر، فهذا التقسيم جعل الطالب يدرس مجالا واحدا فقط على الرغم من أن النحات لابد أن يمارس كل فنون النحت، بالإضافة إلى أن قسم الديكور رغب فى أن يحمل لقب «المهندس» على الرغم من أن صفة الفنان أفضل من أى شىء وهكذا تم تقسيم كل قسم فنى إلى شعب، ومن أكثر ما سبب ضعفا فى طريقة التدريس بالكلية هو نظام الجودة، لأنه أكثر ما يسبب ضعفا به هو كثرة التفاصيل، أن يتم تقسيم كل شيء على الرغم من أن الفن لا يقسم، عكس أى شيء آخر مرتبط بالعلوم، فالفن له معايير أخرى بعيدا عن القالب الحديدى للجودة وتختلف عما يوضع لتدريس الزراعة مثلا، فنظام الجودة ليس له أى علاقة بالفن، وعندما سافرت إلى روسيا وجدت أن امتحان القدرات يقيم الطالب بمنتهى الدقة على مستوى قدرته على الرسم الكلاسيكى والتزامه بالنسب الأكاديمية وأسس التصميم، فى حين أن الدولة هنا تفرض عددا معينا لدخول الكلية، علاوة على أننا نقبل الطالب «اللى ييجى منه» فيلتحق بالكلية من ليس فنانا حقيقيا، وهذا السبب فى ارتفاع المستويات لديهم، وضعف بعضها لدينا.

■ ما دور نقابة التشكيليين من وجهة نظرك؟ وهل ترى أنها تؤدى دورها؟

- كنت عضوا بمجلس نقابة التشكيليين لدورة واحدة عندما كان الفنان مصطفى حسين نقيبا، وعلى الرغم من أنها كانت فترة بائسة مرض خلالها مصطفى حسين وتوفى الفنان إبراهيم عبدالملاك والفنان نادر الأرناؤطى، إلا أن النقابة كانت تحمى المهنة وتقدم نوعا من الخدمات الاجتماعية وكانت تتتبع الفنانين وتحاول أن تفرج عنهم وتقف إلى جوارهم خاصة فى حالة وجود قضايا أو منازعة مع جهات، وحينما كنت فى روسيا وجدت أن النقابة تقدم دعما ماديا للفنانين الذين لا يعملون ويتم عمل معرض لهم ومن لا يلتزم بتقديم فن يتم استبعاده، فى حين أن النقابة هنا لا تستطيع فعل هذا نظرا لضعف الموارد.

■ ما تقييمك لدور وزارة الثقافة وما تقوم به من أنشطة وفعاليات؟

- الوزارات الأخيرة لا أستطيع تقييمها فى ظل الظروف الحالية، أما الوزير الأسبق فاروق حسنى فأرى أنه كان نشيطا لكن لمن اختارهم، «لناسه» فقط، فجائزة محمود مختار مثلا كنت آخر من حصل عليها عام 1988 ثم اختفت بعدها تماما، قام حسنى بإلغائها على الرغم من أنه فنان تشكيلى وأدرى بهذا المجال، فالفنون تتراص أفقيا إلى جوار بعضها فى جميع الفنون والحضارات والمدارس وهكذا، أما العلوم فتتراكب رأسيا والجديد يلغى القديم، فإذا ظهرت نظرية علمية فإنها تلغى ما قبلها، فقام حسنى بإلغاء أشياء والإعلاء من مدارس فنية بعينها ما سبب تشويها للحركة التشكيلية، فالواقعية مثلا كيف نلغيها أو نهمشها باعتبار أن الزمن عفى عليها فى حين أنها قد بدأت تعود مرة أخرى وبصورة قوية، فالفن لا يلغى وليس فيه قديم يلغيه الجديد، فلو كان الفن يتطور مثل العلوم لأصبح الفن المصرى القديم والاغريقى وغيره فنونا عفى عليها الزمن، فى حين أن تلك الفنون هى المرجع دائما، فعند قيام عصر النهضة فى أوروبا تأثر بالفن الإغريقى أى تراثهم، وحتى عندما قامت المدارس الحديثة أقام «نيو كلاسيك»، فكيف تقوم وزارة الثقافة بإلغاء مسابقات لها تاريخ كبير، فهو قام بتنشيط أشياء لكن على حساب أخرى لها تاريخ.

■ كيف ترى دور الدولة ومؤسساتها فى الارتقاء بالفن والجمال فى الشوارع والميادين؟

- عندما أقيمت مسابقة إنشاء تمثالى نجيب محفوظ و طه حسين اعترضت لأنه كان أحد الشروط «ألا تزيد السن على لأن مثل هذه المسابقات لا بد أن تكون مفتوحة، فالتطوير ليس بالمنع ولكن باتاحة المجال أمام الجميع للتنافس، وسابقا كان هناك مساحة للكرامة، أما الآن فالأسباب الاقتصادية والاجتماعية ضغطت على الفنان وأدت لانصياعه لغير المتخصصين، لنجد مثلا أن قاعدة أحد التماثيل قد أنشأتها المحافظة دون الرجوع إلى الفنان، كذلك نجد أن الدولة على مدار الثلاثين عاما الماضية تتخلى عن دورها وعن هيئاتها ومؤسساتها، فتطالب الجامعات مثلا بتوفير الاعتمادات الخاصة بها، حافز الجودة مثلا على الرغم من أنه محدد نجده مختلفا