السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«جولن».. معادلة الإسلام السياسى والإسلام الاجتماعى




خالد عزب
مثل الإسلام السياسى منذ سقوط الدولة العثمانية مجالاً لتحدى الرؤية الغربية للعالم منذ عشرينيات القرن العشرين إلى الآن، لكن فى حقيقة الأمر كان الإسلام الاجتماعى هو الأقوى طوال فترات التاريخ الإسلامى، فمنذ مقتل على بن أبى طالب انتهت حقبة دولة الخلافة التى أعقبت وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم»، وجاء حكم عضو اهتم بالدولة والتوسعات العسكرية وبناء الثروات، فى حين طورت المجتمعات الإسلامية نفسها لتتواكب مع متطلباتها بعيداً عن السلطة لتوفر احتياجاتها الصحية والتعليمية والرعاية الاجتماعية عبر تمويل مؤسسة الوقف.

استطاع محمد فتح الله جولن أن يستوعب هذه التجربة التاريخية للمسلمين، ليرتكز فى مشروعه على تشييد سلسلة من المدارس بتركيا تقوم على الإسلام الحضارى وإسلام المعرفة والتعامل والتعاطى القوى مع علوم العصر، لكى ينافس العالم الإسلامى الغرب ويحد من سيطرته، حركة جولن إذا لا تعطى قيمة كبيرة للتعاطى مع السياسة ولا تهدف إلى صعود أعضائها إلى الحكم والسلطة، لذا فهو يقوم على المزج بين القيم الروحية للإسلام بعناصر القوة المعاصرة من علم ومعرفة، ويمزج الفكر الصوفى المتحرر الذى يرتكز على الارتقاء بالروح وتزكية النفس بالعلم، لذا فمشروع جولن يهدف إلى اخراج الايمان من جدران المساجد والزوايا إلى المجتمع، لذا تمكن محمد فتح الله جولن أن يجذب إليه الكثير من أعضاء النخب والمثقفين الاتراك، لذا نجد من يدافع عنه حالياً فى تركيا من النخب ذات التأثير الفكرى. لكن كل هذا لم يبرز فى الإعلام العربى إلا بعد الصراع بين حركة محمد فتح الله جولن ورئيس الوزراء التركى أردوغان، هذا الصراع كشف فى حقيقته عن قوة وتأثير جولن فى تركيا، لذا فإن هذا مدعاة للتعرف أكثر على هذا الداعية.

ولد محمد فتح الله جولن فى العام 1941م فى بيت علم وثقافة وتأثر بالطرق الصوفية المنتشرة فى تركيا خاصة بحركة الاحياء والتجديد التى قادها بديع الزمان سعيد النورسى الذى استفاد منه بصفة خاصة فى شق التربية الروحية وتزكية النفس، وكان واسع الاطلاع على المعارف والعلوم المعاصرة والفلسفات الإنسانية على اختلاف مدارسها، كانت غايته تأسيس حركة مجتمعية اصلاحية ذات صبغة تجديدية معاصرة، وهو ما نجح فيه، وجعل حركته تنتشر خارج تركيا خاصة فى أوربا والولايات المتحدة وجمهوريات آسيا الوسطى. ومؤخراً أثار الصراع بين أردوغان وحركة جولن تساؤلات حول هذه الحركة بل وألقى الإعلام الغربى والعربى المزيد من الأضواء عليها وهو ما جعلها محط تساؤلات وعلامات استفهام، فقد خدمها أردوغان عندما هاجمها بعنف من حيث لا يدرى إذ أن هذا الهجوم يقود حالياً إلى دراسة هذه الحركة من قبل المشتغلين بالإسلام السياسى، بل سنجد فى غضون سنوات قليلة تأثراً بنمطها فى المنطقة العربية، فهو نمط يستجيب لمتطلبات المجتمعات الإسلامية، ولا ينتج تصادمًا مع الاخر، فضلاً عن قدرته على التكيف مع طبيعة دولة مثل مصر التى تنتشر فيها الطرق الصوفية التى باتت إلى حاجة ماسة لمراجعة فكرها وأدائها التقليدى فى ظل نموذج عصرى تركى صوفى يلبى متطلبات المجتمعات المعاصرة. ولا ينتج عنه حركات عنف سياسى أو ارهابى أو تداخل حاد بين الإسلام والسياسة يؤذى بصورة كبيرة الإسلام كدين.