الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

ورقة التوت و«عورة» الثقافة




أمام سيل الأفكار وزحمة الأحداث نجد أن مؤسسات الدولة المصرية تعمل فى جزر منعزلة عن بعضها، وكأن الأمر ينقصه «مايسترو» يحرك يديه فيتناغم الأداء من حوله، ولعل المؤسف أن تظهر تلك المؤسسات وكأنها تابعة لا تتحرك من داخلها وإنما تنتظر من يحركها، كل تبعا لأهوائه الشخصية وليس بناء على تخطيط وأهداف مرحلية، حينها يختفى المعيار وتختلط الدلالات والمسميات والصفات.

«أهل مكة أدرى بدروبها» مقولة أتذكرها ويظهر لى مغزاها جليا فى ظاهرة ابتليت بها الحركة التشكيلية المصرية بدأ بسلسلة معارض فنية حملت لفظ «بينالي»، وياللعجب.. يقيمه «صالون» ممثلا فى شخص فنان يستغل تواجده بفرنسا باعتباره الباب لمشاركة الفنانين المصريين والعرب بالمعارض هناك وباعتبار تلك المشاركات المدخل للعالمية - طبعا الثمن بالدولار - مستغلا هيئة تنشيط السياحة بالتعاون مع وزارة الشباب الممثلتين للدولة كداعمتين وكواجهة شرعية له فى حين تغفو وزارة الثقافة فى سباتها تاركة ورقة التوت تسقط عن عورتها، فى حين أن دول العالم تحرص أكبر الحرص على الحفاظ على مدلولات الألفاظ ومعياريتها، فمثلا لوضع إحدى الصفات كـ «العالمي»أو «الإقليمي» وهكذا إلى اسم شركة أو فعالية فلابد من اجتياز اشتراطات معينة، وهكذا توجه الدولة وتضمن ما يقدم من خلالها، أما فى مصر كمثال - للأسف- لا مانع أن يضع «كشك» سجائر مثل تلك الصفات إلى جوار اسمه دون رقيب أو محاسب، وهكذا الحال فى كل شيء، حتى انتفت الصفات والمسميات وأصبحت لا تمثل قيمة أو معياراً ذا دلالة.
وإذا نظرنا إلى مضمون تلك الفعالية - البينالى - نفسها فنجد أن فيها أقل القليل مما يُحمد من أعمال فنية ومن فنانين، معظمها فى مجال الفوتوغرافيا، والحال هو هو فى باقى المجالات، أما مشاركات الدول الأخرى فكانت لفنانين بلوحات «لاتسمن و تغنى من جوع» دون الرجوع إلى تلك الدول، لا يرقى معظمها إلى لياقة العرض، وحتى طريقة العرض نفسها تحمل الكثير من الاستخفاف بالمشاركين وحتى بالمشاهدين، فلا هناك توصيف للأعمال ولا ذكر لأصحابها وهناك أعمال كثيرة دون المستوى وعرضت دون حتى وضعها فى برواز ملائم.. وهكذا، فيكون الأمر عبارة عن محاولة «ركوب» الحركة التشكيلية واختراقها من خلال اختيار عدد قليل جدا من الفنانين الحقيقيين للعرض بدعوى، استمدوها من شرعية رعاية الدولة للمعرض أو بدعوى التكريم أو من خلال الاعتماد على فنانين ظلموا وهمشوا من مؤسسات الدولة نفسها، لتكون النتيجة فى النهاية خاسرين كثيرين ورابحاً واحداً هو المنظم والذى يجنى ثمار فعلته بشكل أو بآخر، على أنه وعلى مر الأعوام القليلة الماضية تتكرر الوجوه وتتغير المسميات، وهو ما حدث سابقا فى فعاليات أخرى محلية ركيكة - يدعى أصحابها أنه دولية - معيارها الأوحد هو المال، فمن يدفع يشارك، بل ويحصل على شهادة تقدير، بل و «درع» باسم «فلان» أو «علان»، لتضيع بذلك قيمة التكريم وقيمة التنافس وقيمة الدرع وكذلك تضيع قيمة القدوة بين شباب  الفنانين بمشاهدتهم لمثل تلك الأعمال.