الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أربعة لترات دم = الديمقراطية




توجهت إلى أحد المستشفيات لزيارة صديق تجرى له جراحة عاجلة وجدته فى حالة ذعر ومتخوف من أن يكون الموت فى الطريق إليه، الجراحه تتطلب نقل أربعة لترات دم، جلست وحدى افكر فى حكمة الله سبحانه وتعالى انه جعلنا جميعا نحتاج لعطاء الآخر، عطاء عن طريق الدم، مهما كان الاخر مختلفاً معنا فى الرأى فقد وهبنا الله الديمقراطية فى الدم، قبل ان تكون الديمقراطية فى قبول الآخر بالعقل.

وجلست اشاهد إحدى القنوات الفضائية بداخل المستشفى وجدت الإعلامى الشهير يقول: الشباب ماتوا وهما فى رحلة سياحية معقول ده يحصل؟!
 وسألت صديقى قبل أن يدخل غرفة العمليات: إذا كنت تريد البكاء الآن فأيهما تختار: الجندى الشهيد الذى قتل غدرا، ام تبكى على ضحايا الرفاهية الذين كانوا على موعد مع القدر، ام تبكى على كليهما وتقول ليس فى الموت تميز؟ سكت صديقى ولم ينطق بكلمة، وفهمت انه مؤيد للآراء الإعلامى الشهير، وان التقسيم بين البشر وصل الى حد التميز بين الموتى.

انتظرت على باب غرفة العمليات غارقة فى حوار بينى وبين نفسى، لدرجة انى توقعت ان صديقى المتعصب سوف يخرج من غرفة العمليات ويسأل الطبيب عن شخصية المتبرع له بأربعة لترات دم؟ هل المتبرع  ينتمى الى احزاب؟ هل هو رجل أم إمراة؟ هل هو جاهل ام متعلم؟ هل هو صعيدى ولا نوبى ولا اسكندرانى ولا سيناوى؟ هل هو ناصرى؟ هل هو إخوانى؟ ولا مسيحى ولا مسلم ازهرى ولا شيعى ولا سلفى ولا  يهودى ولا ملحد ولا حتى كافر؟ هل هو جندى من الجيش المصرى ولا عسكرى من الشرطة المصرية؟ هل هو من مؤيدى السيسى رئيساً ام من مؤيدى حمدين صباحى رئيساً ام هو منتظر عودة مرسى ام هو من ابناء مبارك؟

وانتهى الحوار بينى وبين نفسى حين سمعت صوت صديقى يسألنى: هل وجد الطبيب فصيلة دمى فى بنك الدم؟ أجبته: نعم  وجد نفس فصيلتك فى بنك الدم الالهى، انزعج صديقى من إجابتى وسألنى: بنك الدم الالهى ده فين؟

أجبته: احضر الطبيب كيس دم مكتوب عليه (إنسان)، ربما يكون شخصاً يختلف معك فى كل شىء فى الافكار والمعتقدات والاراء، هل فهمت الرسالة؟

والآن، بعد ان شفاك الله وعفاك يا صديقى اسمح لى أن اعيد عليك نفس سؤالى السابق: إذا كنت تريد البكاء فأيهما تختار، الجندى الشهيد الذى قتل غدرًا وهو يدافع عنك وعن مصر، ام تبكى على من راحوا ضحية الرفاهية وكانوا على موعد مع القدر، ام تبكى على كليهما، وتقول ليس فى  الموت تمييز.