السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الاعتراف بالمرض.. صحة




بقلم _مصطفى عرام
فى مجتمعنا، تكثر الأمراض بما فيها النفسية المرتبطة بشعور الخوف، وتأصلت فينا حتى وصلت إلى درجة الفوبيا، والأمراض على اختلافها وأنواعها لها أسباب، وأيضا لها علاج وأدوية مهما بلغت درجة خطورتها، لكن الأكثر خطورة من المرض، هو عدم الاعتراف به رغم ظهور بعض أعراضه، حتى إن كانت بسيطة، وتنتاب البعض منا حالة من الإنكار التام للإصابة بالمرض أو وجوده، تصل فى بعض الأحيان إلى درجة الفوبيا، ومن ثم.. هذا النوع يقابله نوع آخر من المرض هو «فوبيا النظافة»، مثل غسل البعض للصابونة بصابونة أخرى إمعانا فى النظافة.
ومن ثم، فمع وجود مثل هذه الحالة فى المجتمع، من إنكار المرض أو وجوده، وإحالة أى أعراض مرضية إلى إجهاد مؤقت سوف يزول مع الراحة، تنعدم ثقافة الكشف المبكر عن الأمراض، بل تنعدم ثقافة الوقاية، وعليه تتراكم الأعراض وتزداد حتى يصل المرض إلى مرحلة الكارثة والانتكاسة، ما يضطر المريض أو من حوله إلى الإسراع للطبيب، الذى يصدم الجميع بأن أيام المريض فى الحياة معدودة.
إن من عجائب القدر، أن تشخيص الأمراض ووصفها وصفًا دقيقًا موجود منذ القدم، ومثال ذلك مريض السكرى، الذى وصل إلينا وصفه منذ عهد القدماء المصريين.
لم يزد الأطباء على وصف الطبيب المصرى القديم شيئا ذا قيمة، بل إنه طوال العصر الوسيط أيام ازدهار الطب العربى، كانت الوصفات العلاجية لا تختلف عن وصفة أطباء مصر القديمة، ولم يكن بالمستطاع غير ذلك، أى إضافة أى جديد طوال آلاف السنين.
وفى العصر الحديث وبالتحديد فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، جاء العلامة الفرنسى العظيم «كلود برنارد» مؤسس علم وظائف الاعضاء فى صورته الحديثة، واكتشف فى بحوثه عن التنظيم الكيميائى داخل جسم الانسان، مفهوم الإفرازات الداخلية «الهرمونات» التى تؤدى الدور الرئيسى فى هذا التنظيم، وكان العالم الروسى «ينكوفسكي» أول من بيّن أن استئصال البنكرياس فى الحيوان، يؤدى الى ارتفاع السكر فى الدم وظهور أعراض مرض السكر ومنها التبول الشديد والهزال.
هذا العرض السابق لا يختلف كثيرا، عند الانتقال إلى عالم السياسة، فمنذ قيام ثورتين ونحن نبحث عن وصف دقيق فى محاولة للقبض على فوائد واضحة للثورة المصرية، فوائد لها أثر واضح وانعكاس ملموس على حياة المصريين، ومع اختلاف الجميع حول فوائدها، تطل فائدة وحيدة فريدة، لم نصل إليها نحن المصريين بين ليلة وضحاها، بل انتهينا إليها عن قناعة تامة، هى أن الجميع اعترف بأن الدولة المصرية مريضة وبحاجة إلى دواء ناجع، تعانى مفاصلها من تيبس روتينى مزمن، وخلل فى الوظائف الأمنية، وانسداد فى الرئة والشرايين الفرعية، والتهاب فى شبكة الطرق والمواصلات، وعسر فى تصريف أمور وأحوال العباد، وسرطان فى الوزارات الخدمية، والكثير من الأعراض الأخرى، لكن.. بما أننا اعترفنا بوجود المرض، بقى أن نجد الطبيب الماهر الذى يمكنه وصف الدواء المناسب، والصيدلى المتمكن الذى يستطيع تركيب هذا الدواء، ويبقى على المريض أن يقوم بدوره ويلتزم بتعليمات الطبيب!