الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ما هى الثقافة؟




بقلم_ د. حسين محمود

سألت نفسى هذا السؤال وأنا أفكر فى مشاكل مصر الثقافية. ما هى الثقافة؟ وهل هناك علاقة للثقافة بالحضارة تجيز لبعض الناس أن يخلطوا بين الثقافة والحضارة؟ قلت سابقا فى هذا المكان إن الثقافة مرتبطة بالمعرفة، ولكن هل هى معرفة فقط؟
يرى بعض العلماء أن الثقافة تحدث فى أماكن مغلقة، أو فى بيئات معزولة، وينطوى حدوثها على عملية تشبه «التخمر»، ينتج التحلل الكيميائى فيها «خميرة». ويحدث التحلل والتوليد معا فى وقت واحد، دون إمكانية تمييز التحلل عن التوليد. أما الحضارة فهى أنظمة ري، تزرع آثارا وانتصارات وصلابة تاريخية ورفاهية وسلطة وقوة متماسكة لها هدف مشترك. الحضارة عمل، والثقافة ازدهار. الحضارة تنظر إلى المستقبل، والثقافة تنظر إلى الخلف. الحضارة سجل للتاريخ، والثقافة سجل للأسطورة.
ورغم أن هذا التعريف للثقافة يتولد من المقارنة مع الحضارة، ورغم أنه يعتمد على ملاحظات ذكية تحاول التمييز بين مختلفين يختلطان فى الأذهان وكأنهما شيء واحد، إلا أننى أوافق عليه، وأضيف إليه، أن الحضارة لا يمكن أن تعمل دون أن يكون لها سند ثقافي، وأن الثقافة مقدمة لابد منها لكى تنشأ الحضارة وتعمل. ومعنى هذا أن الثقافة والحضارة لحظتان مختلفتان، ويمكن أن يحدث كل منهما بمفرده، وليس شرطا أن يحدثا معا. هل يمكن أن تكون هناك حضارة بدون ثقافة؟ وهل من الممكن أن توجد ثقافة ولا توجد حضارة؟ الشواهد التاريخية ترد على هذا السؤال بالإيجاب، فهناك ثقافات غنية جدا وجدت لدى بعض الجماعات البدائية، تعانى من الفقر والمرض، ولكن لديها تراث ثقافى ولغوى أغنى من أعمال شكسبير ودانتي، وأساطيرها تتناول كل جوانب الفكر.
تبدو الثقافة كأنها «نوستالجيا» تحاول استعادة ما ضاع أو اختفى، وأن تستحضر القيم التى ترتكز عليها حياة الإنسان، وأن تحفز وتستثير الفرد حتى يستعيد «مرة أخرى» تلك الأشياء غير المرئية وأن يوجه بوصلته نحوها. الثقافة هى الصحيح الذى لابد أن يصح فى النهاية، وهذا الصحيح معروف للمثقفين، ومعرفتهم به هو التثقف، من خلال القراءة والاطلاع، أى من خلال المعرفة. والثقافة تشبه «عودة الإصابة» بشيء لا يختلف باختلاف الزمان، وتتكرر «الإصابة» فى كل عصر من العصور التى يمر بها المجتمع. وما بين «الإصابة» والأخرى تحدث اضطرابات تسمى الاضطرابات الثقافية. خلل ثقافي. وأرى أننا تعرضنا لخلل ثقافى طويل استمر طوال عصر مبارك، وتسبب فى تعرض البلاد لأزمة مع النظام الذى خلف مبارك. هو الخلل الثقافى الذى يجعل بعضنا يتحدث عن حقوق الإنسان فلا يقبل كلامه البعض الآخر الذى يرى أنه لا حديث عن حقوق الإنسان ما دامت البلاد قد دخلت حربا مع الإرهاب. خلل ثقافى يقبل العنف ويبرره ويدين العنف ويستنكره. فهل يصح أن نقول إننا نواجه «انتكاسة» ثقافية، وربما أيضا «كارثة» ثقافية. لابد أن نقرر أولا أن المجتمعات البشرية كلها تتعرض للانتكاسات الثقافية. وأن الكثير من مجتمعات العالم اليوم تعانى مثل هذا «الخلل»، وأن العالم اليوم يحتاج إلى ما يسميه علماء النفس «علاج اضطرابات ما بعد الكوارث». 
أستاذ الأدب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
[email protected]