الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إبداع




شعر: محمد الفيتورى
رسوم : أوجست ريفوار
شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبرونا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع للاحتفال بالشاعر السوداني الكبير محمد الفيتورى الذي يرقد حاليا على فراش المرض، وهو من مواليد السودان عام 1936، نشأ في مدينة الاسكندرية، وحفظ القرآن الكريم درس بالمعهد الديني بالاسكندرية ثم انتقل إلى القاهرة، أكمل تعليمه بكلية العلوم جامعة الأزهر ، عمل محررا ً أديبا ًبالصحف المصرية والسودانية، وعين خبيرا ً إعلاميا ً بالجامعة العربية 1968- 1970، عمل مستشارا ً ثقافيا لبلاده في عدة دول، ويعتبر الفيتوري من أهمً مثقفي الحركة الأدبية السودانية.
يصاحب قصائد الفيتورى لوحات الفنان العالمي أوجست رينوار، ويعد أحد أهم فناني المدرسة التأثيرية، انحاز في رسوماته لرسم الطبيعة والأجساد البشرية وتجسيد الطفولة.
 
رؤيا

خارجاً من دمائك
تبحث عن وطن فيك
مستغرق في الدموع
وطن ربما ضعيت خوفاً عليه
وأمعنت في التِّيه.كى لا يضيع
أهو تلك الطقوس؟
!التي ألأبستك طحالِبها في عصور الصقيع
أهُوتلك المدائن؟
تعشق زوارها ، ثم تصلبهم فى خشوع
أهو تلك الشموس ؟
التي هجعت فيك
حالمة بمجىءِ الربيع
أهُو أَنت؟
وقد أبصرتك العيون
!وَأبصرتها في ضباب الشموع
***
خارجاً من غيابك
لا قمر في الغياب
ولا مطر في الحضور
مثلما أنت في حفلة العُرس والموت
لا شىْ إلا أنتظار مرير
وانحناء’’ حزين على حافة الشعر
في ليل هذا الشتاء الكبير
ترقب الأفق المتداخل
في أفُقٍ لم يزال عابراً في الأثير
رُبَّما لم تكن
ربما كنت في نحلة الماء
أو يرقات الجذور
ربما كان أجمل
!لو أطبقت راحتاك على باقةٍ من زهور
 
المتــنــبى

يَمُرُّ غَيْركَ فِيهَا وهو مُحْتضرُ
لا برق يخطف عينيه ولا مطر
وأنت.. لا أسألُ التاريخ عن هرمٍ
في ظلِّه قمم التاريخ تنتظر
عن عاشق في الذُّرى..
لم تكتمل أبداً
إلا على صدره الآيات والسور
عن الذي كان عصرا شامخا
ويداً تشد عصرا اليها
وهو ينحدر
يمر غيرك
بعض العابريت على بطونهم
يثقلون الأرض إن عبروا
كمثل من أبصرت عيناك
ثم نأت عيناك عنهم
فلا غابوا.. ولا حضروا
وبعضهم أنت تدري
ان شعرك لو لم يلق ضوءاً
على أيامهم غبروا
كانوا ملوكا على أرض ممزقة
يجوع فوق ثراها النبت والبشر
كانوا ملوكا مماليكا
وأعظمهم تحت السموات
من في ظلك استتروا
ورحت تنفخ فيهم منك
ترفعهم ، فيسقط البعض
أو تبنى ..فينكسر
أردت تخلق أبطالاً ، تعيد بهم
عصر النبوة والرؤيا ، فما قدروا
هتفت : ياعمر
مكتوب لك العمر
وليس ينقص فيك الجهد والسهر
وإنما تنقص الاعمار في وطن
يغتاله القهر، أو يغتاله الخطر
وقلت..
والشاهدان ، اللّيل والسفر
وشعلة في مدار الكون تستعر
هذي الطيور التي احمرت مخالبها
فوق الصخور لنا
ولتستح الحفر
وسرت غضبان في التاريخ
لا عنق إلا ومنك على طياته أثر
تصفو ، وتجفو
وتستعلي ، وتبتدر
وتستفز ، وتستثنى ، وتحتقر
هذا زمانك
لا هذا زمانُهم
فأنت معنى وُجُودٍ ليس ينحصر
في كل أرض وطئتها أمم
تُرعى بعيدٍ كأنها غنم
«وإنما الناس بالمملوك
وما تصلح عرب ملوكها عجم»*
وتكفهر على مرآتك الصُّوَرُ
أتعقم الأرض؟ هذي الأم
أيُ دجى هذا الذي في عُيون الناس ينتشر
وينحني شجر الأيام
والغضب القدسي يغدُو انكسارات
وينحسر
فلتسمع النُصُبُ الجوفاء والأُطُرُ
هذى الأغاني البواكي في فمي نذر
إذا تساقط في أيامهم علمُُ
فإن أعلام من يأتي ستنتصر
 
من أغانى إفريقيا

يا أخي في الشرق ، في كل سكن
يا أخي فى الأرض ، فى كل وطن
أنا أدعوك .. فهل تعرفنى ؟
يا أخا أعرفه .. رغم المحن
إنني مزقت أكفان الدجى
إننى هدمت جدران الوهن
لم أعد مقبرة تحكى البلى
لم أعد ساقية تبكى الدمن
لم أعد عبد قيودى
لم أعد عبد ماض هرم عبد وثن
أنا حى خالد رغم الردى
أنا حر رغم قضبان الزمن
فاستمع لى .. استمع لى
إنما أذن الجيفة صماء الأذن
إن نكن سرنا على
الشوك سنينا
ولقينا من أذاه ما لقينا
إن نكن بتنا ولقينا من أذاه ما لقينا
إن نكن بتنا عراة جائعينا
أو نكن عشنا حفاة بائيسنا
إن تكن قد أوهت الفأس قوانا
فوقفنا نتحدى الساقطينا
إن يكن سخرنا جلادنا
فبنينا لأمانينا سجونا
ورفعناه على أعناقنا ولثمنا قدميه خاشعينا
وملأنا كأسه من دمنا
فتساقانا جراحا وأنينا
وجعلنا حجر القصر رؤوسا ونقشناه جفونا وعيونا
فلقد ثرنا على أنفسنا ومحونا وصمة الذلة فينا
الملايين افاقت من كراها ما تراها
ملأ الأفق صداها
خرجت تبحث عن تاريخها
بعد ان تاهت على الأرض وتاها
حملت فؤسها وانحدرت
من روابيها وأغوار قراها..!
فانظر الإصرار فى أعينها وصباح البعث
يجتاح الجباها
يا أخى فى كل أرض عريت من ضياها
وتغطت بدماها
يا اخى فى كل ارض وجمت شفتاها
واكفهرت مقلتاها
قم تحرر من توابيت الأسى
لست اعجوبتها
أو مومياها انطلق
فوق ضحاها ومساها
 
طفل الحجارة

ليس طفلا ذلك القادم فى أزمنة
الموتى الهىّ الأشارة
ليس طفلاً وحجاره
ليس بوقاً من نحاس ورماد
ليس طوقاً حول أعناق الطواويس محّلى بالسواد
انه طقس حضارة
انه العصر يغطى عريه فى ظل موسيقى الحداد
ليس طفلاً ذلك الخارج من قبعه الخاخام
من قوس الهزائم
انه العدل الذى يكبر فى صمت الجرائم
انه التاريخ مسقوفاً بازهار الجماجم
انه روح فلسطين المقاوم
انه الأرض التى لم تخن الأرض
وخانتها الطرابيش
وخاننتها العمائم
انه الحق الذى لم يخن الحق
وخانته الحكومات
وخانته المحاكم
فانتزع نفسك من نفسك
واشعل أيها الزيت الفلسطينى أقمارك
وأحضن ذاتك الكبرى وقاوم
وأضىء نافذة البحر على البحر
وقل للموج ان الموج قادم
ليس طفلاً ذلك القادم
فى عاصفة الثلج وأمواج الضباب
ليس طفلاً قط فى هذا العذاب
صدئت نجمة هذا الوطن المحتل فى مسراك
من باب لباب
مثل شحاذ تقوست طويلاً فى أقاليم الضباب
وكزنجى من الماضى تسمرت وراء الليل
مثقوب الحجاب
ليس طفلاً يتلهى عابثاً
فى لعبة الكون المحطّم
أنت فى سنبلة النار وفى البرق الملثم
كان مقدوراً لأزهار ك وجه الأعمدة
ولأغصانك سقف الأمم المتحدة
ولأحجارك بهو الأوجه المرتعده
ليس طفلاً
هكذا تولد فى العصر اليهودى وتستغرق
فى الحلم أمامهْ
عاريا الأّ من القدس ومن زيتونه
الأقصى وناقوس القيامه
شفقياً وشفيفاً كغمامة
واحتفالياً كأكفان شهيد
وفدائياً من الجرح البعيد
ولقد تصلبك النازية السوداء فى
أقبية العصر الجديد
فعلى من غرسوا عينيه بالقضبان أن
لا يتألم
وعلى من شهد المأساةَ
أن لا يتكلم
 
هوانا

الهوى كل هوى دون هوانا
والخُطى مهما تناءت أودنت
واذا التاريخُ أغنى أُمَّةً
واذا الثورة كانت بطلاً
فلنا في كُلِّ جيل بطل’’
عرب’’ نحن .. وهذا دمنا
عرب رايتُنَا وحدتنا
عرب’’ .. لا أمضُغُ الملح ، ولا
فأنا أعرف أنَّ الروح من
وأنا أعرف أن الشمس في غيبة
والمخاضاتُ عذاب
وأنا أعرفُ أني أُمَّةُ
وأنا أركضُ فى بسُتانها
وأسألوُا التاريخ عنها
أه يا ذاكرة الأرض
والدُّجى كان بطيئاً


نحن من أشعلت الشمس يدانا
فهى في دورتها رجع خطانا
بشهيدً فأُلوف شهدانا
يطأُ الموت ويحتلّث الزمانا
مجدهُ يحتضن المجد أحتضانا
يتحدى في فلسطين الهوانا
حلقت صقرا وحطت في سمانا
أكسر السيف بعينيّ مُهُانا
روحنا نحن..وأن الكون كانا
ثم تعود الدورانا
ولقد تلدُ الأرحامُ وَحلاً واحتقانا
هي عند الله أعلى صولجانا
خيلاءً..وأغُنىَّ المهرجانا
ينتفض كلُّ عرق عربي عُنفُوانا
لكم ثقُلتْ أقدامُهم فوق ثرانا
والأسى كان مُرًّا رَشَفَتُه شفتانا
 
قصيدة الرياح

رُبَّمَا لمْ تَزَلْ تلكم الأرض
تسكن صورتها الفلكية
لكن شيئاً على سطحها قدْ تكسَّر
رُبَّمَا ظل بستانُ صيفك
أبْيضَ في العواصف
لكنَّ بْرقَ العواصف
خلف سياجكَ أحْمر
رُبَّمَا كانَ طقسُك ، ناراً مُجوسِيَّةً
في شتاءِ النعاس الذي لا يُفَسَّرْ
رُبَّما كُنْتَ أَصغر
ممَّا رَأَتْ فيكَ تلك النبواءتُ
أَو كنتَ أكْبَرْ
غير أنك تجهل أَنَّك شَاهِدُ عَصْرٍ عتيقْ
وأن نَيازِكَ مِنْ بشرٍ تتحدَّى السماء
وأن مَدَارَ النجوم تغير!!
هَاقَدْ انطفأتْ شرفاتُ السِّنين
المشِعَّةُ بالسِّحْرِ واللُّؤْلؤ الأَزليِّ
وَأَسْدَلَ قصْرُ الملائكة المنشِدينَ سَتائِرِهُ
وكأنَّ يَداً ضَخْمَةً نسجت
أُفقاً مِنْ شرايينها
في الفضَاءِ السَّدِيمىّ
هَا قَدْ تداخَلَتْ اللُّغَةُ الْمُستحِيلةُ
في جَدَل الشمْسِ وَالظُّلمَات
كأنَّ أصابعَ مِنْ ذَهبٍ تَتَلَمَّسُ
عبر ثقوب التضاريس
إيقَاعَهَا
تَلِْكُمْ الكائِنَاتُ التي تتضوَّعُ في صَمِتَها
لم تُغَادِرُ بَكاراتَها في الصَّبَاح
وَلَمْ تشتعل كرة الثَّلْجُ بَعْد...!
فَأَيَّةُ مُعْجِزَةٍ في يَدَيْك
وَأَيَّةُ عَاصَفَةٍ في نَهَارِكْ
((إنِّي رأيتُ سُقُوطَ الآله
الذي كانَ في بُخارِسْت
كما لوْ بُرْجُ إيفل في ذات يَوْمٍ
كما لوْ طغَى نَهْرُ السِّين
فوْقَ حوائطِ باريسْ
كانَ حَرِيقُ الإله الذي
مَاتَ في بُوخَارِسْتَ عَظيماً
وَكانَ الرَّمادُ عَظِيماً
وَسَالَ دَم’’ بَارد’’ في التُّرَابْ
وَأُوصِدَ بَابْ
وَوُرِبَ بَابْ
وَلكنَّ ثَمَّةَ في بوخارِسْت بلادي أنَا
لا تزولُ الطَّواغِيتْ
أَقْنِعَة’’ تشرِكُ الله في خَلقه
فهي ليستْ تشيخ
وليْسَتْ تَمُوتْ!
وَقَائمةُ هي ، باسم القضيَّة
وَْأَنْظِمةِ الخطب المِنْبَريَّة
وَحَامِلة’’ هى ، سِرَّ الرِّسَالةُ
وَشَمْسَ العدالةْ
وَقَادِرة’’ هي ، تَمْسَخُ رُوحَ الجمالْ
ولا تعرف الحقَّ
أو تعرف العدل
أوْ تَعرِفُ الاسِتقَاله
وفي بوخارسْت بلادي
أَزْمِنَة تكنِزُ الفَقْرَ خَلفَ خَزَائِنِها
وَسُكون’’ جَرِيحْ
وَأَشبَاحُ مَوْتَى مِنَ الجُوع
تخضرُّ سيقانهم في الرمالْ
وتَيْبَسُ ثُمَّ تقِيحْ!
وَمَجْد’’ من الكبرياءِ الذليلة
وَالْكذِب العربيِّ الفصيحْ
((كأنّك لمْ تأتِ إلاَّ لِكيْ تُشعِلَ النَّارَ
في حطب الشَّرقِ وَحْدك
في حطب الشرقِ وَحْدَكَ
تَأْتِي..
وَشَمْسُكَ زَيُتُونَة’’
وَالبَنَفْسَجُ إكليلُ غَارك
ولا شيء في كُتبِ الغَيْبِ غَيرُ قَرَارِكْ))
((إنِّي رَأيتُ رِجَالاً
بَنَوْا مِنْ حِجَارة تارِيِخهِمْ وطناً
فَوْقَ حائِط بَرْلين
وَانْحَفَرُوا فيه
ثم تَوَارَواْ وَرَاءَ السِّنين
لكيْ لا يُنَكِّس رَايَتَهُ المَجْدُ يوماً
على قُبَبِ الميِتِّينْ