الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

نحو مجتمع مستقر




كتب: د. محمد مختار جمعة
 
لا شك أن الأمن والأمان من أهم دعائم المجتمعات ووسائل استقرارها، وإن شئت فقل إنه أهمها، فلا استقرار بلا أمن، ولا اقتصاد بلا أمن، ولا نهضة ولا رقى، ولا تقدم ولا ازدهار بلا أمن.
 

وقد دعا سيدنا إبراهيم عليه السلام لمستقر ولده إسماعيل وزوجه هاجر «عليهم جميعًا السلام» أول ما دعا بالأمن والأمان، فقال عليه السلام كما أخبر النص القرآنى على لسانه: «رَبِّ اجْعَلْ هذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ» البقرة 126، فدعا للمكان أن يكون بلدًا وأن يكون آمنًا وأن يرزق أهله من الثمرات حتى يحقق لهم الأمن الغذائى والنفسى إلى جانب الأمن العام، فلما صار المكان بلدًا كرر إبراهيم عليه السلام الدعوة له بالأمن والأمان فقال: « رَبِّ اجْعَلْ هذَا اَلَبلدَ آمِنًا» إبراهيم 35، ويقول الحق سبحانه وتعالى مذكرًا بنعمه على أهل مكة: «أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا»، وقال سبحانه وتعالى: «لإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِى أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ» سورة قريش، ولأهمية هذا الأمن أقسم به الحق سبحانه وتعالى فقال: «وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ»، التين 1,2,3، ويقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «من أصبح منكم آمنًا فى سربه معاف فى بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» أخرجه الترمذي. واعتبر الإسلام حرص الإنسان على توفير الأمن للآخرين ووفائه بذلك شرطًا من شروط الإيمان على اختلاف أقوال الفقهاء وشراح الحديث بين كونه شرط صحة أو شرط كمال، فقال «صلى الله عليه وسلم»: «المؤمن من أمنه الناس على أموالهم» أخرجه ابن ماجه، وقال «صلى الله عليه وسلم»: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قالوا من يا رسول الله ؟، فقال «صلى الله عليه وسلم» : من لا يأمن جاره بوائقه «أخرحه البخاري، وقال «صلى الله عليه وسلم»: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» متفق عليه،  ويقول الحق سبحانه وتعالى: «الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ» الأنعام 82.
 

وقد أشار الحق سبحانه إلى تحقيق الأمن والأمان لمصر وأهلها، فقال سبحانه على لسان يوسف عليه السلام: «اُدْخُلُوا مِصْر إِنْ شَاءَ اللَّه آمِنِينَ » يوسف 99، على أن النعم إنما تدوم بالشكر والمحافظة عليها.
 

ومن وسائل المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار:
 

1 – تحقيق العدل بين جميع أبناء الوطن، فإن الله عز وجل ينصر الأمة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الأمة الظالمة ولو كانت مسلمة، والمقصود بالعدل هو تحقيق العدل فى جميع جوانبه من العدل فى الحكم، إلى العدل فى القول، إلى العدل فى القسمة، إلى العدل فى توزيع ثروات الوطن، إلى العدل فى الحصول على فرص العمل، إلى العدل فى تكافؤ الفرص فى الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، فلما جاء رسول كسرى إلى سيدنا عمر بن الخطاب «رضى الله عنه» ووجده نائمًا مطمئنًا تحت ظل شجرة قال كلماته الشهيرة: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر، ولما كتب أحد الولاة إلى سيدنا عمر بن الخطاب: أن اللصوص قد كثروا فى مدينته فكتب إليه سيدنا عمر رضى الله عنه أن حصنها بالعدل.
 

2 – تطبيق القانون يحسم على الصغير والكبير دون أى تردد أو مجاملة أو محسوبية، يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الْوَضِيعُ قَطَعُوهُ» ولما جاء أسامة بن زيد يشفع فى حد من حدود الله قال له النبى «صلى الله عليه وسلم» مستنكرًا «أتشفع فى حد من حدود الله يا أسامة؟» وكان «صلى الله عليه وسلم» يقول: والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. متفق عليه.
 

ومن هنا شرع الإسلام من الأحكام ما يحافظ على النفس والمال والعرض، فشرع القصاص لحفظ النفس، وحد السرقة لحفظ المال، وحد الزنى وحد القذف لحفظ العرض، وحد الحرابة للمفسدين فى الأرض، فقال سبحانه: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ»  المائدة 33.
3- التكافل والتراحم بين جميع أبناء المجتمع.
 

فمجتمع لا تراحم فيه لا يمكن أن يكون آمنًا، فنحن فى سفينة واحدة، يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِى أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِى نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا» أخرجه البخارى.
 

ومن هنا تأتى أهمية العناية بتطوير العشوائيات وتحسين الظروف المعيشية لساكنيها، وتوفير الحاجات الأساسية لجميع أبناء المجتمع، ذلك أننا عندما نوفر الحد الأدنى من الحياة الكريمة للأكثر فقرًا واحتياجًا، فإننا نوفر الأمن والأمان للأسر الأكثر ثراءً ولساكنى المناطق الراقية، فعندما سأل سيدنا عمر بن الخطاب أحد ولاته ماذا تصنع إذا جاءك سارق؟ قال الوالى : أقطع يده، فقال سيدنا عمر «رضى الله عنه»: فان جاءنى جائع قطعت يدك أنت، فقبل أن تقطع يد السارق عليك أن توفر له قوت يومه ولو فى حده الأدنى، وهو ما نؤمل تحقيقه من خلال إنشاء منظومة الأمان الاجتماعى التى نسعى جميعًا جادين لتحقيقها فى القريب العاجل.